على مدار الساعة

لا صلة بين الاثنين شعر الفن و شعر التكسب

1 أبريل, 2017 - 13:40
الدكتور محمد ولد الشيخ ولد الرباني أستاذ جامعي

الفن منذ وجود ادم و حواء مرورا بقابيل وهابيل من سميراميس الي شهرزاد من إلياذة هوميروس الى بيحماليون الى كليلة و دمنة من أنتي إلى أوديب من مسرحية البخيل الي كتاب السد تحفة عجيبة نادرة من البوزول، ألعاب البازل نقلبها يمنه و يسرة جنوبا و شمالا شرقا و غربا صعودا وهبوطا ولكن عبثا تتقابل الألوان أو تتحد الوجوه و المربعات !

فللذين يظنون أنهم تربعوا على كرسي المعرفة و أنهم حماة الشعر و حملة لوائه و أنهم إمارة نصبت للشعر، لهؤلاء نقول ليس أخيب من هذا الظن فالشعر فن سماوي يتماهى فيه الشاعر طليق الجناحين سعيا إلي عالمه الخاص عالم الإلهام و الإبداع والتغني بلغة لسانها عن صهيل الشمس لا ينعقد بحثا عن هديل تترقب عودته كل لحظة وهو لن يعود مهما طال الزمن ! مع فنان يحمله الشعور و التجربة التي يعيش إلى عالمه الخاص ليعبر بصدق عن نزعة شعورية تتقلب في تموجات دائمة أشبه بتقلبات النهر و تموجاته صاحبها راض في الصباح، ساخط في الظهيرة، لا هو راض و لا هو ساخط بالمساء. هذا عالم الشعر ! أو عالم طهارة الشعر على الأصح.

و ما الذين يطوفون بالأبواب و في أياديهم قصاصات متكسرة، ينتظرون الفتات أو ما به البطن تقتات أو أن تغرز لهم في الجيوب انفلوبات ما هؤلاء بشعراء و ما الذي يقولونه بشعر و هم من ضيعوا للأسف سمعة الشعر و أنزلوه من برجيته و من عالم قدسيته.

ألم يقل الدنبج ابن معاوية لعبد لله بن الشيخ سيديا الذي لم يفلت من عطائه أحد و الذي كان الناس يتوافدون عليه و يتعززون بكسب خيراته:

أتيت مسلما من عند أهلي فلا سلمى أريد و لا الربابا

الم ينل هذا الشاعر في ذلك المجتمع الذي يعز فيه التفرد بالتميز، رتبة الإجلال و التعظيم حتى لقب بالأستاذ تمييزا له عن غيره من الشعراء القاصدين و هو مع ذلك عالم و شاعر.

اليوم عندنا شعراء بعدد الصين نطلق عليهم هذه التسمية ببراءة غير أبهين بقيمة الشعر و الشعراء، نطلقها على محمد الحافظ أحمدو و نطلقها على شعراء الحفلات، تماما كما نطلق بلا مبالاة، كلمة أستاذ علي المرحوم الدكتور جمال ولد الحسن و الدكتور محمد المختار ولد باه و نطلقها كذلك على مقدمي بعض البرامج غير المصنفة تماما كما نطلق كلمة تاجر على الباعة المتجولين و نطلقها كذلك على رجلي الإعمال أحمد سالم ولد بون مختار و ولد النويكظ تماما كما نطلق كلمة صحفي على كاتب موريتانيد المرحوم حبيب ولد محفوظ و نطلقها كذلك على صحافة الحقائب. و لكن هذه المطاطية في التسميات لا يقبلها و لا يرضى عنها من تعودوا أن يسموا الأشياء بأسمائها.

الشاعر حقا أحمدو ابن عبد ألقادر من الجيل الأول

الشاعر حقا محمد ولد الطالب من الجيل لثاني

الشاعرة حقا باته بنت البرى و من سار على نهج هؤلاء وهم للأسف قلة

الضرب على سيمتيرية القصيدة العربية القديمة أو البنية التناظرية والحفاوة بقافية تصدم بنزعة تقريرية و لغة رتيبة في قالب يحرص على ظاهرة التقعيد و لا يبالي بالظاهرة الفنية، صاحبه نظام أو متشاعر أو شعرور في أحسن الأحول و هو لا يكتب شعرا وإنما ينفث سوادا على بياض.

و هذا ما جعل الرئيس و هو من يشرف على أمور المجتمع، يبخس من قيمة هذا النوع من الشعر و يعتبره، بلغة الصراحة و عدم المجاملة، مضيعة للوقت و هدرا للطاقات واستنزافا للقدرات و تشجيعا للتملق و التسكع بالأبواب في عصر الإنتاج و ما أفلس الشعر إلا عبارة يا غلام اعط هذا ألف دينار.

أما الشعر ذو المكانة الراقية و الهمة العالية و الفكرة الثاقبة الشعر الذي يشحذ الهمم و ترقى به الأمم و يخلد المآثر و البطولات و التاريخ و فترات النضال فلم يكن الرئيس يوما إلا مشجعا له و للفن عموما و ما تعيينه لمستشارين متميزين في الشعر و الأدب و العلوم الإنسانية إلا دليلا واضحا على العناية الفائقة التي يوليها لهذا الحقل المعرفي الم يقرب الفنان الكبير عبد الرحمن سيسيغو الذي شاعت أفلامه و ذاعت و التي يقف الغربيون ساعات طوالا في طوابير قاتلة من اجل مشاهدة هذه الأفلام و التي لا يعرفها الموريتانيون للأسف؟ ألم تتحمل الدولة تكاليف نقل جثمان المرحومة ديم بنت أب التي كانت مثالا في الوطنية و الكرم و الخلق حتى صدق فيها قول القائل:

يجود علينا الخيرون بمالهم و نحن بمال الخيرين نجود

ديم التي غنت نبغ عن كل أوطان أوطان موريتان

ألم يحرص الرئيس نفسه على تحضير مهرجانات المدن القديمة بدقة متناهية الم يحرص على حضور هذه المهرجانات شخصيا رغم المشاغل و الظروف المناخية الصعبة؟

مع ذلك، و بنفس الدرجة، فانه لا يغيب عن الرئيس أن الصراع اليوم صراع صناعات و تقنيات و لن نخلق لأنفسنا مكانا في هذا الفضاء حتى نحتل مكانتنا بين الأمم المصنعة.

فالعلوم و الصناعات هي اللبنة الأولى في سلم الرقي اليوم و هي ضرورة من ضرورات الحياة لمن يريد أن يحافظ على عزته وكرامته و مكانته بين الأمم فبدون هذه نظل في نقص ما فوقه نقص و بدون هذه ضعف ما بعده ضعف و مذلة ما فوقها مذلة و استسلام ما فوقه استسلام.

و لكن إلى جانب هذه، و مصاحبة لها، تأتي العلوم الإنسانية لتكييف هذه العلوم حسب الزمان و المكان و القيم و التقاليد و المعتقدات و الأديان و الخصوصيات و التوجيهات اللازمة و لتخلصها من أشرار العلم و التصنيع أو لتحد من هذه الأشرار على الأقل و تحافظ على الجانب الإنساني فيها.

التغني بكلمة مليون شاعر وحده لا يكفي و السهر بألوان الغناء و الطرب و المناظرت الشعرية والتلهي بها نهارا بالصالونات أو بالأسواق في وقت تهب فيه الأمم مستيقظة باكرا ابتداء من الرابعة ليلا و تستمر في الإنتاج طيلة النهار و حتى ساعات متأخرة من الليل أو قل الليل كله و نحن منشغلون بالعبث، أمر غير مقبول.

فثقافة جاك كاف أو كولي أو كول أو هذا بيت وليد حينه أو قلت في مقام كر أو في النحية كذا و قلت مادحا لزيد أو معرضا بعمرو تكون ثقافة ترف ولذة وعطاء في مجتمع يرفه بمستلزمات الحياة و تكون مهدئات و مسكنات أوجاع لشعوب اصفرت وجوهها من الفقر و امتص الجوع ما بجلدها من ماء و حولها إلى أجسام ترتعش كأجنحة جراد محتضر، سيقانها المعوجة من الكساح غير قدرة على حمل رؤوسها المتضخمة و شعوب من هذا النمط لا تصلح لحمل راية الشعر و الفن و تصدر المشهد و سيتجاوزها الركب و تلقى في سلة المهملات.

و هذا عزيزي القارئ ما جعل الرئيس يوجه المجتمع إلى ميدان الزحام اليوم فهو يريد لموريتانيا أن تستيقظ من سباتها باكرا لتعمل و تكد و تجد حتى تحتل مكانتها بين الأمم الرائدة فهل في هذا سب للعلوم الإنسانية عموما و للشعر خصوصا؟