على مدار الساعة

صقرُ "أكان"

19 فبراير, 2020 - 23:38
المحامي / محمد سيدي عبد الرحمن إبراهيم

من المشاهد المتداولة اليوم في هذا الفضاء مصارعة ودية حرة بين أحد ضباطنا وضابط أمريكي يبدو أنها جرت على هامش تدريبات الفلينتلوك 2020 التي تحتضنها ولاية آدرار.

وتظهر المشاهد أن الجولة المُصورة حُسمت لصالح صاحبنا مما أغبط المواطنين الحاضرين واستبشر به الذين تابعوا المباراة عبر وسائل التواصل.. ولا غرو إن "طعز" صاحبنا غريمه فقد خبِرنا المصارعة على الثرى والأرضية الصلبة فكيف بنا إذا اطمأننا بأن بساطا ناعما لينا يحول بيننا وبين سطح الأرض؟

 

مشاهد المصارعة دفعتني لأن أشارككم حكاية وطنية بطلها أحد الصقور الحرة المقيمة في ربوع منطقة "أكان" الممتنعة وسط موريتانيا الأعماق.

 

يُحكى أنه منذ سنوات حل بعض الإخوة الخليجيين ببلادنا في رحلات قنصهم واستجمامهم المعتادة فاستأجروا سيارات عابرة للصحراء نقلتهم إلى منطقة "أكان" الوعرة التي تتوسط البلاد حيث اختاروا رَبعا جميلا ضربوا به خيامهم.

 

وبعد أن أخذ الضيوف قسطا من الراحة وجهزوا صقورهم المدربة خرجوا في جولة قنص فأطلقوا النسور وسارت السيارات من تحتها إلا أن القناصة لم يلبثوا طويلا حتى لاحظوا وجود صقر بري حر كان يعترض نسورهم الداجنة ويرغمها على التقهقر طلبا للسلامة.. لم يستسلموا من أول وهلة وإنما دفعتهم الرغبة في الثأر لصقورهم الأليفة للتفكير في رفع التحدي فأعدوا أحد أكبر كواسرهم وأفضلها وأطلقوه في مواجهة صقر "أكان" الذي كان يبدو أكثر نحافة وأصغر حجما فتوارى النسران عن الأنظار وما لبث الصقر الوافد أن عاد إلى أصحابه هاربا من غريمه ومثخنا بالجراح بعد أن رضي، فيما يبدو، من الغنيمة بالإياب بينما ظل صقرنا الحر يحوم ويسبح في عليائه بعد أن خلا له الجو في جولات استعراضية لا تخلو من تحد دفع الإخوة للترحل إلى منطقة يضمنون فيها سلامة صقورهم.

 

قص المرافقون الموريتانيون من سائقين وأدلاء وغيرهم الخبر على بعض الرعاة الذين نقلوه بدورهم إلى الخيام القريبة فحظى باهتمام منقطع النظير وأصبح حدثا لافتا يستقطب اهتمام جميع بدو المنطقة وصار الكبار والصغار والذكور والإناث يُرجعون بصرهم إلى أعلى علهم يظفرون برؤية الصقر الحر الذي دوخ البلاد.. ونقل الركبان الخبر إلى الأحياء البدوية البعيدة التي اجتاحتها حمية وطنية وشعور بالاعتزاز بالصقر الذي فرض هيبة البلد وصان كبرياء الوطن برد النسور الصائلة عن حماه وتلقينها درسا لن تنساه.