على مدار الساعة

"المَدَرْصَه"La médersa أو مدرسة أبناء الشيوخ

25 يناير, 2020 - 23:37
سعدبوه ولد اسلم ولد الديه

في عام 1903، ٱحكم المستعمر سيطرته على منطقتي اترارزه ولبراكنه واكتسب موطئ قدم هام في تكانت وآدرار و على ضفة النهر استقر سريعا وأنشأ مدارس من نفس نوع و برنامج و طريقة مدارس إفريقيا السوداء، فأنشأ واحدة في كيهيدي منذ 1905، وأخرى في بوكى ابتداء من 1912 وكانت كل منهما تستقبل ما بين 40 إلى 50 تلميذا معظمهم من قوميات إفلان وسونينكى ووولف.

 

وفي المقابل كان أبناء البيظان في تلك الفترة يرسلون إلى مدرسة أبناء الشيوخ في سينلوي ولكنهم لا يمكثون طويلا في تلك المدرسة نتيجة عدم رضى البيظان عن نظامها التعليمي الذي يدرس اللغة الفرنسية فقط بالرغم من رغبة أعيان القبائل في تعلم اللغة من أجل ممارسة التجارة و التعامل بسلاسة مع المستعمر٠

 

ونتيجة لهذه الوضعية كان لزاما على الإدارة الفرنسية أن تقوم بفتح مدارس محلية ولتحقيق ذلك الهدف كان لا بد لها من الاستعانة بعلاقاتها في أرض البيظان وكان لبعض الشخصيات المؤثرة في اترارزه مثل باب ولد الشيخ سيديا وسيد المختار ولد الشيخ سليمان الدور الكبير في إقناع الإدارة الفرنسية بإنشاء مدرسة ذات تعليم مختلط يجمع بين اللغة العربية واللغة الفرنسية وبعض العلوم الأخرى وهكذا بدأ مشروع التعليم النظامي أو "المَدَرْصَه" يتبلور على مقربة من زاوية شيخ الطريقة القادرية.

 

وأصبح ضباط الصف الفرنسيون الذين يمثلون مناصب المستعمر الإدارية داخل الأقاليم مسؤولون عن إنشاء مدارس تحضيرية صغرى "مدارس القرى"، والمخصصة بالأساس لأبناء كوميات، وأبناء موظفي الخدمات المدنية وأصحاب المتاجر ، والعاملين.

 

كانت رسالة المَدَرْصَه تتعدى دور المدرسة التقليدي فقد كان المستعمر يريد من خلال الشيوخ أن يتقرب من القبائل التي كانت معادية للوجود الفرنسي وذلك لإعطاء المزيد من الاستقرار والأمن لنظام الإدارة الفرنسية بصفة غير مباشرة والذي أصبح واقعا في هذا البلد البدوي المترامي الأطراف منذ بداية القرن العشرين.

 

فأنشئت "مَدَرْصَة" بوتلميت سنة 1911 وقد استقبلت في سنتها الأولى 9 تلاميذ من بينهم اثنين من أبناء شيخ قبيلة أولاد ديمان واثنين من أبناء أمير اترارزه وما لبثت أن أغلقت سنة 1917 بسبب الحرب العالمية الأولى وتم تحويلها لاحقا إلى المذرذرة نتيجة خلاف بين مدير المدرصة وعلماء المدينة على مناهجها التعليمية ليتم افتتاحها لاحقا سنة 1922 ولكن هذه المرة تحت إدارة جزائري مسلم.

 

لقد شكل نجاح "مَدَرْصَة" بوتلميت دافعا قويا للمستعمر من أجل فتح 3 مدارس أخرى في أرض البيظان: مَدَرْصَة تمبدغة 1933، مَدَرْصَة أطار 1936، ومَدَرْصَة كيفة 1939.

 

وفي سنة 1940 كانت هنالك 14 مدرسة تحضيرية مكونة من قسم واحد و مدرستين جهويتين في كيهيدي وبوكى وثلاث مدارس ابتدائية في تمبدغة وأطار وكيفة..

 

ولكن ماذا تبقى اليوم من هذه المدارس، التي تمثل شواهد حية، تثبت أن البلاد مرت بالكثير من المناورات في مجالات عدة وبالخصوص مجال التعليم قبل أن تستقل عن المستعمر؟