على مدار الساعة

حراك التعديل وقراءة سريعة في الأشكال والمضامين

28 مارس, 2017 - 18:49
محمد يحي ولد الشاه

تماما كقوانين الطبيعة، فإن الاستقطاب السياسي لا بد أن يُسمِعَ صوته في كل مرة. لا بد لكل فعل من ردة فعل ولا بد لكل رأي من رأي آخر ولكل مقام مُخضرَموهُ وجَهابِذتُهُ ولكل زمان شُروخه وشيوخه.

 

فمثلا، من حيث الشكل، فقد صوتت أغلبية من الشيوخ ضد مقترح الحكومة حول التعديلات الدستورية، وهو ما تخوله دستوريا أحكام المادة: 99 ، أما من حيث المضمون فإنه لا خلاف على أن مصدر تخوف وتحفظ بعض الشيوخ الرافضين هو التصويت بإلغاء المجلس، أي الغرفة العليا، مع ما يعنيه ذلك من فقدان مرتباتهم وامتيازاتهم. ويسمي هذا مصلحة.

 

ومن حيث الشكل، فقد تم التوظيف السياسي بجدارة للتصويت بـ"لا" من طرف الشيوخ، أما من حيث المضمون، فلا يختلف اثنان أن تصويت الشيوخ كان بدون شك مجرد مظهر لخلل داخل صف الأغلبية وقلة من ممن يعتبرون أنفسهم في خندق واحد مع رئيس الجمهورية وتوجهاته المعروضة عليهم علنا، وهو أمر لا يدل على أي نوع من الأداء السياسي للمعارضة رغم التوظيف التحريضي. ويسمي هذا مزايدة.

 

ومن حيث الشكل، فقد اعتقد البعض أن تداعيات موقف بعض الشيوخ الرافضين سرا والداعمين علنا، من شأنه إضعاف الأغلبية الرئاسية ودعائمها التشريعية، فبسطوا لهم السجاد الأحمر واقترحوا كتابة أسمائهم بماء الذهب، أما من حيث المضمون فإن الأمر سيكون فرصة سانحة لتنظيف قطار الأغلبية ودعم رؤية الحزب الحاكم كحزب شجاع يستحق بجدارة توجيه وتنسيق التيارات الداعمة. ويسمي هذا درسا.

 

ومن حيث الشكل فإن المؤتمر البرلماني كان ليكون المسار الأقل تكلفة، أما من حيث المضمون فإن هذا المسار لو كان حصريا، لكانت الديمقراطية رهينة لعدد من الأفراد، يمكن أن يسافروا في أقل من ثلث مقاعد إحدى طائرات الموريتانية ولما كان بالإمكان إطلاق تسمية "حامي وضامن الدستور" على رئيس الجمهورية. ويسمي هذا بديلا.

 

ومن حيث الشكل، فإن الغرفتين البرلمانيتين هما مصدر التشريع والتقنين، أما من حيث المضمون فإن الشعب وحده هو مصدر الشرعية، ومن ثم فإن استشارة الشعب - تحت المادة: 38 - هي الخيار الأوحد في ظل جدال دستوري لن ينتهي إلا ليبدأ من جديد. ويسمي هذا فرضَ عينٍ.

 

ومن حيث الشكل، فإن معارضي التعديلات يصفونها بـ"الكارثة" أما من حيث المضمون، فإنهم مصابون بالإحباط لأن الرئيس لا يريد "مأمورية ثالثة"، وهو ما كانت المعارضة تراهن عليه وتعتبره حدثا مؤكدا، بَنَت عليه كافة سيناريوهاتها التكتيكية. ويسمي هذا سحب بساط.

 

ومن حيث الشكل فإن بعض المُشككين يُطْنِبون في انتقاد التعديلات المقترحة، أما من حيث المضمون فإنهم يفشلون في شرح "الأخطار" المترتبة على هذه التعديلات وفي أغلب الحالات، يخرج هؤلاء باستنتاج مجاني بأن تعديلا حول "مأمورية ثالثة" سيخرج لا محالة من عباءة المجالس الجهوية، إن لم يكن من فضفاضة العلم المقترح. ويسمي هذا تأزيما.

 

ومن حيث الشكل فإن البعض لا يتجاوز قضية التشبث بالعلم الحالي والذي لا يعرف أحد لماذا يرمز بالضبط، أما من حيث المضمون فإن الأمر يتعلق بحزمة من التعديلات ذات القيمة لمستقبل البلد. ويسمي هذا حراكا.

 

ومن حيث الشكل فإن إضافة خطين أحمرين هو مجرد لون ثالث إلى ألوان العلم، أما من حيث المضمون فإن العلم المقترح سيعود بنا لذكري دماء الشهداء من أمثال بكار، سيد أحمد، سيدي، سيد اعل، عبدول كان، وجاهه، ول مياره، ول عبدوك، ول امسيكه، ول باريك، ول بحاي، اسويدات.. مرورا إلى آلاف شهداء المقاومة، مرورا إلى شهداء تورين والغلاوية، مرورا إلى آلاف الذين ماتوا من أجل أن تعيش موريتانيا. ويسمي هذا تخليدا.

 

ومن حيث الشكل، فنقول لرئيس الجمهورية لقد أعطيتَ فرصة مناسبة لكل الفاعلين الدستوريين، أما من حيث المضمون فتَقولُ له أغلبية الشعب السائرة معه {فإذا عزمت فتوكل}. ويسمي هذا سيادة.

 

ومن حيث الشكل فإن عشرات الأصوات تباكت على مواد دستورية غير مُحَصنة وغير ذات قيمة تأسيسية حقيقية، أما من حيث المضمون فإن الإصلاحات المنتظرة هي التي يجب أن تصنع الفرق عبر رؤية وطنية وطموحة. ويسمي هذا تخوفا.

 

ومن حيث الشكل فيعتقد بعض السياسيين بإمكانية تخلي الرئيس محمد ولد عبد العزيز عن توجهه الذي أعلنه للشعب والمتعلق بعرض جملة من التعديلات الدستورية التي تخدم الأمة، أما من حيث المضمون فإن الجميع يدرك أن زعيما خاطر بحياته مرات من أجل الأمة، لن تُثَبِطَ من عزيمته مجموعة من السياسيين الحالمين بالوصول إلى السلطة. ويسمي هذا "اتْغَشْمِي".

 

وبين فهمنا للشكل والمضمون، يتعين على الجميع التحلى بالذوق العام والنأي عن التخوين والتجريح. فلا وصاية لأحد على أحد ولا يحق لأحد التفكير بالنيابة عن أحد والتوجهات خيارات والمواقف خيارات والقناعات خيارات وبطبيعة الحال.. "ويْ و نونْ خيارات".

 

السلام عليكم.