على مدار الساعة

المعارضة سلطة مضادة أم حكومة ظل؟

25 ديسمبر, 2019 - 10:33
باباه ولد التراد ـ كاتب

من البديهيات في العلوم السياسية أن لا معنى للحديث عن الديمقراطية، وعن العمل السياسي المنظم والشفاف من دون أن تلعب المعارضة دورها كاملا في العملية السياسية.

 

ذلك أن أهم قنوات التطور السياسي وحمايته من أي ضعف يتمثل أساسا في تفعيل قوى سياسية " معارضة " تمارس عملها بصدق وحرية تامة، بغية مراقبة أداء الحكومة وممارسة عملية نقد موضوعي لأي قرار أو إجراء تقدم عليه السلطة التنفيذية، ويترتب على ذلك أن وجود المعارضة في حد ذاته حالة صحية مؤسساتية، وعدم وجودها ينطوي على مخاطر جمة ، قد تؤدي إلى إخراج المجتمع من مساره الديمقراطي .

 

وهذا يستدعي من الحكومة أن تدرك جيدا أن تقزيم المعارضة أو مجاملتها أو تمييعها بأي وسيلة - حتى ولو كانت ناعمة- يؤدي في النهاية إلى القضاء عليها وعند ذلك تنعدم القوة التي بإمكانها أن تقف في وجه صانع القرار ، وهذا المسار الأحادي يشجع على التفرد والتنائي ويؤدي حتما إلى المواجهة والعنف بغية استرجاع الحقوق الديموقراطية ، لذلك فإن المعارضة يمكن أن تكون صمام أمان ضد الانحراف وتحويل أي خلاف بسيط إلى صراع خطير .

 

ومع ذلك فان انتزاع المعارضة لأي مكسب يأتي عادة ثمرة لجهود مكثفة من الاحتجاجات والضغوط والنقد والاعتراض وإدانة التجاوزات  واقتراح الحلول الملموسة أو البديلة ، بغية تمكين المواطنين من الاختيار بين برامج ومبادئ متعددة  تسمح بتجديد النخب السياسية ، وتجعل من المجتمع شريكا مساويا للدولة ، ليس في الجانب المادي فحسب ، وإنما في الجانب الأخلاقي الذي تتم من خلاله مراقبة سلوك المسؤولين أثناء تأديتهم لمهامهم ، والمساهمة في علاج أي أزمة طارئة أو التقليل من انعكاساتها السلبية على الجماهير ، وبذلك تتحقق الوظائف العامة المنوطة بالمعارضة ، وهي التعبئة ، والتنمية، والاندماج القومي، ودعم الشرعية ، والتجنيد السياسي ،  وعلى هذا النسق ستتجه هذه المعارضة إلى التجذر بعمق في مجتمع حر وعادل ، وعند ذلك يمكنها قيادة وتوجيه الجماهير وكافة عناصر المجتمع المدني،  وبهذا المعنى تشكل المعارضة " سلطة مضادة " لا "حكومة ظل" ويكون عليها واجب الدفاع عن المبادئ الأساسية للديمقراطية والحريات العامة ، والتنافس الإيجابي في ميدان التنمية الاقتصادية والاجتماعية  .

 

ومع هذا كله فإن المعارضة الموريتانية كان باستطاعتها أن تراكم الانشطة والفعاليات ، لأنها ليست مكبلة من طرف الحكومة ، بل إنها تتوفر في الوقت الحاضر على  ما يلزم من الضمانات الدستورية والقانونية التي ستمكنها من القيام بأدوارها ومهامها ، التي ستحتاج إليها ، من أجل موازنة المتطلبات والتطلعات وتحويل ذلك كله إلى سياسات عامة ، ومن ثم توفير قنوات للمشاركة الشعبية والصعود بها إلى درجة من الرقي والتنظيم الفاعل ، لتحريك وتفعيل الجماهير بغية انتزاع القرار السياسي ، وتحويل آراء المواطنين إلى خيارات سياسية واقعية تخدم البلاد والعباد .

 

غير أن ثنائية المعارضة والحكومة التي يرافقها عادة الاختلاف في وجهات النظر حول بعض القضايا الوطنية ، ينبغي أن لا تخضع لمفهوم إقصائي يعتمد "إما معي وإما ضدي"  بل يجب أن تحكمها ضوابط وقواعد واصول وآداب تحفظها من الشطط والفوضى وعلل النفوس  والطواف حول الذات ، فلا يجوز أبدا أن يؤدي أي اجتهاد يهدف إلى خدمة الوطن والمواطنين إلى تباغض أوتدابر أوتقاطع ، لأن أخوة الدين ، والإنتماء للوطن الواحد ، وصفاء القلوب ، قد تسمو بالجميع فوق الخلافات الجزئية " فالاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية " ،  يقول فولتير: " قد أختلف معك في الرأي ، ولكني على استعداد أن أموت دفاعا عن رأيك " .