على مدار الساعة

المحامي والموثق والمادة 116 مكررة من المدونة التجارية

14 نوفمبر, 2019 - 11:14
الطالب اخيار ولد محمد مولود/ محامي لدى المحاكم، عضو سابق في مجلس سلك المحامين

تكمن مهارات المحامى أولا وقبل كل شيء فى إيجاد الحلول للنوازل التي تعرض عليه، فهو يتفحص الوقائع، ويستخلص الفكرة البارزة التي سيركز عليها لإضفاء تكييف قانوني دقيق على تلك الوقائع، وبذلك يستنتج حلا قانونيا للقضية موضوع الدراسة يمكن موكله من أن يعي حقوقه والتزاماته، ويستبين الموقف الذي يجب عليه مراعاته كعلاج وقائي، أو تصالحي، أو قضائي لمشكلته.

 

وبدوره، يقدم موثق العقود شهادته حول الوقائع لمنحها طبيعة الحجية المطلقة، مما يرفع محتوى العقد الموثق إلى مرتبة الورقة الرسمية، وعلاوة على ذلك، إذا ما قام موثق العقود بوضع الصيغة التنفيذية على الوثيقة الصادرة عنه، وهو إجراء يجيزه القانون، فسوف تكتسي هذه الوثيقة  صفة وآثار حكم نهائي لا يمكن القدح فيه إلا عن طريق الطعن  فى محررات رسمية.                                                 .                                                                    

إن موثقي العقود كثيرا ما يتعرضون للمغالطة من قِبل مزورين أذكياء، الأمر الذي يؤدي بهم، في بعض  الأحيان، إلى توثيق وقائع مغلوطة، إلا أن المحاكم تعودت على أن تحجم عن إدانتهم، مستعينة بإعادة تكييف الورقة الموثقة من ورقة رسمية إلى ورقة إدارية، هذا على مستوى التحقيق، وعندما تتعهد محكمة الأصل، تصرح بعدم زورية الورقة معتمدة على الخطأ فى التكييف، كل ذالك فى غياب مراعاة حقوق أصحاب المظالم، ومباركة إثراء المتحايلين اللا شرعي.

 

يلاحظ مثل هذا الموقف على مستوى جميع الأصعدة، سواء تعلق الأمر بالتركات، حيث يمكن أن يتم الحرمان التام للأيتام من حقهم فى الميراث بناء على حصر ورثة مغلوط أوعقود تتضمن تحويلا صوريا لممتلكات الهالك، أحباسا وهمية ، أو على صعيد العقارات، حيث تتم مصادرة الممتلكات من أصحابها دون أي مسوغ قانوني، أو على الصعيد التجاري،إذ يمكن أن لا يتم الاعتداد بالالتزام بصفة مستنيرة من قبل الشخص المتعهد، لاسيما عندما يتعلق الأمر بتوفير ضمانات عينية أو شخصية، الشيء الذي مع مرور الزمن، يُعرِّض صاحب الالتزام للإفلاس بسبب عدم تناسب التزاماته مع ثروته ودخله ......... الخ.

 

لا غرو إن كان ما سبق عرضه، من بين أسباب أخرى، هو ما جعل وزير العدل أنداك المحامى الموهوب ذائع الصيت إبراهيم ولد داداه، يقتنع بضرورة حماية مستهلكي العقود الموثقة عن طريق حثهم على الاستشارة المسبقةً لمحام بغية اطلاعه على الالتزامات قبل توثيقها لدى موثق العقود، وحتى يتم تثقيف الأطراف بما فيه الكفاية عن مضمون ومدى التزاماتهم، علما بأنه بمجرد توثيق العقد، لن يكون بالإمكان مراجعته إلا من خلال الطعن بالتزوير فى الأوراق الرسمية، ذالك أن السلطات القضائية ليست ميالة على فتح مسطرة ضد موثقي العقود.            

                                                                                                                              

إن التعديل الذى ادخله الأستاذ إبراهيم ولد داداه لم يمله أبدا أي انحياز لفئة، ولا الحصول على منفعة  أيا كان نوعها. لا شيء في ثقافة الرجل، ولا في مقامه الاجتماعي، يحمله على مثل هذه الانحرافات السخيفة.

 

إن  لهذا القانون الذي تم إعداده تحت رعاية هذا القانوني المتميز، خصوصية وقائية تخدم مصلحة أقل طرفي العقد خبرة بالقانون، ويهدف إلى أبعد من ذلك، من خلال الاستشارة المسبقة لمحام، فهو ينير الطريق أمام أي شخص طبيعي أو اعتباري يكون على وشك أن يوقع التزاما موثقا، لتتم إحاطته علما بحيثيات العقد حتى لا تسلب حقوقه عن طرق تدليسية،كثيرا ما يكون الموثقون أنفسهم ضحية لها.

                                

ففي فرنسا إذ يجب الرجوع إلى ذكر هذا البلد الذي نتقاسم معه نفس الثقافة القانونية في مواضع شتى، ظل الحل لجميع هذه الإشكالات لفترة طويلة من الزمن خاضعا للفقه القضائي،مع الاحتفاظ بقانون نابليون الصادر سنة 1804، ثم أقحم المشرع نفسه فى الموضوع، عبر استحداث نصوص جديدة بغية التمكن من مواجهة التحديات المتلاحقة، وبفضل الإصلاح أدخل توازن تعاقدي للخدمات يجعل قانون العقود أكثر حيوية، بما يتماشى مع احترام مبدأ الانضباط وحسن النية، كل ذالك مع منح المحامين الذين تم إشراكهم بقوة في هذه الديناميكية، أدوات تسمح بتأمين العلاقات القانونية، حرصا على مصالح الأطراف المتعاقدة.

 

إن تدخل المشرع الفرنسي الذي يُعد جزءًا من جملة واسعة النطاق من جهود التوضيح والتحديث للعقود، والذي تم اعتماده بموجب الأمر القانوني رقم 131 لسنة 2016، الصادر بتاريخ 10 فبراير 2016، المتضمن إصلاح قانون العقود، والنظام العام ودليل الالتزامات، يخصص المادة 1374 من هذا الأمر القانوني للعقد الموقع من قبل المحامي والموصوف في النص بأنه ذو حجية اتجاه موقعيه وذويهم وورثتهم من حيث المضمون والتاريخ وجاء في نفس المادة أن العقد لا يمكن الطعن فيه إلا مدنيا.

 

يلاحظ أن هدف المشرع الفرنسي هو رفع العقود الموقعة من طرف المحامي إلى رتبة أدلة غير قابلة للضحد " بين الأطراف "، وجعلها عقودا منزهة عن القدح فيها بالتزوير الجنائي، لا يطعن فيها  إلا عن طريق المسطرة المدنية بواسطة الطعن بالتزوير الفرعي، الذي هو إجراء مدني بحت.

 

                                                                                                                  إن هذا النص يكرس بما فيه الكفاية مكانة المحامي في دولة القانون كما في فرنسا، ويثبت بارتياح أن الأستاذ ابراهيم ولد داداه كان لديه نفس الاهتمام، وهو شعور سيادي يوحى باهتمامه كوزير للعدل في بناء دولة القانون، بعيدًا عن أية أغراض نفعية أو أي تحيز، وذلك من خلال تعديل هذا القانون الغابر، أي القانون التجاري، بفضل إدخال المادة 116 مكررة، فقد كان اهتمامه الوحيد هو إخراج موريتانيا من الظلامية البدائية التي تهمش البلد وتبعده عن قيم العدالة المتأصلة في المجتمعات التي تسود فيها المساواة.

إن الأستاذ ابراهيم ولد داداه ينتمي إلى فئة المحامين ذوي المواهب العظيمة الذين يعملون على إيجاد الحلول المناسبة لمعالجة عدم المساواة، وبالتالي يعالجون الإختلالات الاجتماعية التي تحصل لسبب أو لآخر على أن يكون العلاج قانونيا ويخدم النفع العام.

 

يجب ألا يغيب عن الأذهان أن عقود التوثيق غالباً ما تنشأ بين ذوي الخبرة الواسعة في فن التفاوض وصياغة العقود،أصحاب قدرات اقتصادية واسعة، و بين أطراف تفتقر إلى الثقافة القانونية، وهي مبتدئة في هذا المجال، وغالبًا ما تكون لها مؤهلات اقتصادية محدودة وإذا ما أجرينا تحقيقًا إحصائيًا لبلورة فكرة تقريبية تتسم بشيء من الدقة عن الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين الذين سلبوا ممتلكاتهم استنادا إلى عقود موثقة معيبة،سنكتب حينها في منظومتنا القانونية، وبأحرف من ذهب، هذا الإصلاح الذي استحدثه الأستاذ ابراهيم ولد داداه.