على مدار الساعة

القاض عمر السالك يكتب: لا مستقبل لأمّة لا تحترم قُضاتَها!

5 سبتمبر, 2019 - 16:12
القاضي عمر السالك بن الشيخ سيدي محمد بن عمر السالك

إهانة القضاء إهانة للدولة

وهيبة القضاء من هيبة الدولة

ولا مستقبل لأمّة لا تحترم قُضاتَها!

 

نندّد بما وقع اليوم من تدنيس لمكاتب محكمة مقاطعة گرو، التي تعرض أحدُ أبوابها للتكسير وبعضُ مكاتبها للعبث والتدنيس.. ويحْدث لها ذلك؛ للمرة الثانية خلال هذا العام؛ وللمرة الرابعة منذ العام 2015 م.

 

إن هذا الحادث يأتي ليذكّرنا بما وقع يوم الاقتراع، في الانتخابات الرئاسية الماضية، حينما تعرض رئيس محكمة مقاطعة الشامي (رحمه الله) للأذى البدني والنفسي، على يد أحد الضباط الذين هم حماة الوطن، رغم أن المرحوم إنما كان يؤدي عمله ولكنه ربما أراد الدخول في وقت لم يكن فيه مزاج الضابط على ما يرام! ومع ذلك سايره وقدّم له نفسه وأخبره أنه القاضي الممثل للمجلس الدستوري في الانتخابات، ولكن الضابط قال له فلتكن من تشاء، ثم وبّخه وأمر اثنين من الجنود بجرجرته أمام الملأ!

 

وقبل ذلك بأسابيع قليلة، تعرض أحد قضاة المحكمة العليا للسب والشتم على يد أحد الضباط السامين، رغم أنه يعرف وظيفته!

 

كل ذلك جعلنا نقلل من أهمية ما حدث لرئيس محكمة مقاطعة السبخة، حين تعرض للاعتداء بالسلاح الأبيض، على يد أحد المتقاضين العاديّين..

 

إن هذه الحوادث المتكررة التي يطول ذكرها، تدل على أن قضاتنا الأجلاّء ليسوا في وضعية يستطيعون معها تأدية واجبهم في إحقاق الحق ونشْر العدل بين الناس.

 

لقد كنّا نطالب بأن نُولَى معاملةً كتلك التي كان سكانُ هذه البلاد يُعامِلون بها زملاءنا القضاة في عصر ما قبل قيام الدولة، حين كان "الْگالْ القاضي ماضي".

 

أو مِـثْـلَ معاملة زملائنا القضاة في الدول المتقدمة:

- مثل فرنسا التي ربما شَرُفَ فيها ضابطٌ سامٍ في الدرك بالعمل سكرتيرا لوكيل الجمهورية (أو المدعي العام)؛

- أو مثل بريطانيا التي تعامل القضاة وفق ضوابط الشريعة الإسلامية فتفتح لهم حسابات مصرفية يأخذون منها ما شاءوا، متى ما شاءوا.. تطبيقا لقواعد الفقه الإسلامي التي تنص على أن القاضي "إن كان فقيرا أغناهُ الإمام"؛ حتى يكون في ظروف تساعده على التفرّغ للعدل بين الناس والحُكم بتجرُّد في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، بحيث يكون القويُّ عنده ضعيفاً حتى يأخذ الحقّ منه، ويظلّ الضعيفُ عنده قويّاً حتى يُرِيح عليه حقّهُ.

- أو نُعامَل معاملةَ زملائنا القضاة الأميركيين، حيث تتحقق دولة القانون ولا يخشى القاضي في الحقّ لومةَ لائمٍ، لدرجة أن رئيسة إحدى محاكم الاستئناف تُصْدر حُكما قضائيا يعطّل قرارا رئاسيا تُجاه مواطني ستّ دولٍ معظمُ سكّانها مسلمون.. فيوقَف العملُ بالقرار الرئاسي؛ تنفيذاً لحكم المحكمة. وعندما يخْطئ الرئيسُ الأميركيّ ويخالف الدستور، يَخرُج المدعي العام (وكيل الجمهورية) في العاصمة واشنطن، ويرفع دعوى ضد الرئيس، متهما إيّاه بخرق دستور الولايات المتحدة.

 

كنا نطمح لأن نكون كذلك، وكانت تلك بعض مطالبنا، ولم نكن نظن أن يأتي علينا يومٌ نحتاج فيه إلى المطالبة بتوفير الأمن للمحاكم، بعد أن سُحِب الحرس منها عام 2011 م.

 

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 

اللهم إليك نشكو ضعف قوتنا، وقلة حيلتنا، وهواننا على الناس، يا أرحم الراحمين، إلى من تكلنا؟! إلى عدوّ يتجهمنا، أو إلى قريب ملّكته أمرنا!

اللهم، إن لم يكن بك غضبٌ علينا فلا نبالي، غير أن عافيتك أوسع لنا..

 

نعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة؛ أن تُنزل بنا غضبك، أو تُحِلّ علينا سخطك..

 

لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك.