على مدار الساعة

للإصلاح كلمة تبحث في: ما هي حقيقة رعاية حقوق الإنسان

16 أغسطس, 2019 - 15:00
بقلم الأستاذ / محمد بن البار

  الحلقة الثانية

كلمة الإصلاح انتهت في الحلقة الأولى لهذا العنوان بأنه من المؤسف أن المسلمين الذين بدأوا يبحثون عن رعاية حقوق الإنسان لم يلتـفتوا إلى دينهم وإلى ما أنزله ربهم عليهم في شأن حقوق الإنسان وهو: خالق هذا الإنسان ومصور الإنسان في أحسن تقويم، ولم يلـتـفتوا إلى أن موضوع القرآن كله هو هذا الإنسان الذي خلقه الله في الدنيا وأمره بالعمل فيها ووعده بأنه سيقف أمامه ليسأله عن ما فعل بقلبه وسمعه وبصره.

 

وقد قدمت أن سبب كتابة حلقة كلمة الإصلاح هذه ـ هو صدور ثلاثة عناوين في المواقع في هذه الأيام كلها تذكر حقوق الإنسان، والآن ظهر عنوان أكبر بعد صدور تشكيل الحكومة في عهدها الجديد وأن من بين مهام إحداها تحقيق حقوق الإنسان في الدولة.

 

وبناء على ذلك فإن هذه الحلقة الثانية من هذه الكلمة سنوضح فيها مقارنة مقروءة فقط بين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والآليات التي وضعها البشر لتنـفيذه وبين حقوق الإنسان التي سجلها القرآن داخل آياته وجعل أحكامه من بين الأحكام التي أمر بالعمل بها ووعد كل الخير لمن عمل بذلك وأوعد كل الشر على حكم يغير ما أنزل الله من أحكام بين عباده.

 

وقبـل هذه المقارنة سأكتب للقارئ الكريم لأضع بين يديه الحديث الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم وخاطب به المسلمون بأنهم سيتبعون سنن الذين من قبلهم شبرا بشبر وباعا بباع إلى آخر الحديث وهؤلاء الذين من قبلنا هم: اليهود والنصارى كما فسرها هو بذلك، ولكنه عليه الصلاة والسلام ضمن حديثه هذا التحذير من هذا الإتباع، ففي ثنايا كلامه يفهم منه تحذيرا خطيرا للمسلمين عندما يقومون بهذا الإتباع.

 

أما المقارنة: فمعلوم أن دول العالم ليس عندها لتحقيق حقوق الإنسان إلا ذلك الإعلان العالمي الصادر سنة 1948.

 

وهذا الإعلان يتضمن 30 مادة فقط سجلها ووزعها على العالم ليقوم بتطبيقها على شعوبه لتحفظ للشعب بها حقوقه، أما آلية تطبيقها فهي منظمات بشرية ليس لها نار في الدنيا ولا في الآخرة تعذب فيها المخالف لأوامرها، وآخر مجهودها في أن تطلب من السلطات في الدولة أن تمكنها من الإطلاع على تعاملها للمسجونين لديها على كل الجرائم.

 

أما عقوبتها على المخالفة فلا يتجاوز أن تهدد الدولة بأن تطلب من الدول العظمى معاقبة تلك الدولة بعقوبات دنـيوية قد لا تستجيب الدول العظمى لذلك الطلب.

  

والآن سأكتب أهم ما جاء في تلك المواد المنشورة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليدرك المسلمون أن الله بين لهم في دينهم تبـيـينا شافيا ما هي حقوق الإنسان؟ ورتب على ذلك التبـيـين أجرا عظيما لمن قام بالمحافظة على تلك الحقوق وأعد للمخالفين عذابا أليما في الدنيا والآخرة ـ ولا شك أن المؤمن حقا سيتـقي تـلك المخالفة اتـقاء يقيه من الإفلاس في الآخرة الذي صرح النبي صلى الله عليه وسلم أنه هو المصير في الآخرة لكل من ينتهك حقوق الإنسان.

 

فقد سأل رسول الله عليه وسلم أصحابه عن المفلس قالوا: إنه من لا دينار له ولا درهم فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن المفلس هو الذي يأتي يوم القيامة بحسنات مثل الجبال ولكنه قد سفك دم هذا وأكل مال هذا وشتم هذا فأخذ من حسناته حتى إذا لم تـف حسناته بما عليه من الحقوق أخذ من سيئات خصمه فطرحت عليه ثم طرح في النار، فأي مسلم فكر في هذه العملية لا شك أنه سوف يتقاصر عن انتهاك حقوق الإنسان.

 

وحقوق الإنسان عند الإسلام هي حقوق كل مولود لآدم ، فـ(الْـ) في الإنسان بالنسبة للإسلام استغراقية .

وبعد تـتـبع مواد هذا القانون الوضعي الذي وضعته الأمم المتحدة لحفظ حقوق الإنسان يجد العاقـل أن وجوده لا يغنى من جوع عن رعاية حقوق الإنسان، وهذا القانون يشتمل على 30 مادة وأهمها ما يلي:

المادة (1): يولد جميع الناس أحرارا في الكرامة والحقوق، وعليهم أن يتعاملوا بروح الإخاء.

المادة (2): لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق التي يتضمنها هذا الإعلان.

المادة (3): لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه.

المادة (4): لا يجوز الاسترقاق ولا الاستعباد.

المادة (5): لا يتعرض أي إنسان للتعذيب ولا العقوبات الخ.

المادة (6): لكل شخص أن يعترف بشخصيته القانونية.

المادة (7): كل الناس سواسية أمام القانون.

المادة (8): لكل شخص الحق في أن يرفع قضيته أمام المحاكم.

المادة (10): لا يجوز القبض على شخص ولا نفيه تعسفا.

المادة (11): كل شخص يعتبر بريئا قبـل إدانته.

المادة (12): لا يدان أي شخص إلا إذا ارتـكب جريمة.

المادة (13): لكل فرد الحق في التـنقل والدخول والخروج في دولته أو أي دولة أخرى.

المادة (14): لكل فرد الحق في أن يلجأ إلى دولة أخرى لحماية نفسه.

المادة (15): لكل فرد حق بالتمتع بجنسية ما.

المادة (16): للرجل والمرأة حق الزواج إذا بلغا سنه، مع كل المساواة بينهما بلا تدخل من أي أحد وحقهما متساو في قيامه أو حله.

المادة (17): لكل شخص حق التملك بمفرده أو بالاشتراك.

 

هذه هي أهم بنود مواد هذا القانون الذي أعدته الدول لحماية حقوق الإنسان بدون أي عقوبة لا في الوعيد بها في الآخرة ولا في رؤية قوة ماثلة يمكنها إيقاع العقوبة بالمخالف.

 

فالدول ليس عندها من العقوبة للمخالف لهذه القوانين ما يردع أي مجرم عن القيام بها بل الجمعية العامة لا تسمح لأي دولة بالعقوبة على مجرميها مهما عملوا إلا الحبس بشروط مخففة يتمنى فيها المجرم أن يكون دائما مسجونا ليتمتع بأحسن رعاية نفقة وسكنا وصحة.

 

وعلى القارئ الكريم أن يحتفظ في ذهنه بفحوى هذه المواد الحقوقية الهزيلة هي ورعايتها وعقوبة مخالفيها ليستمع إلى ما وضعه خالق الإنسان لحماية هذا الإنسان وإبراز حقوقه التي وضع الله لها عقوبة في الآخرة يتـفطر بسماعها قـلب المسلم الذي لا يكون مسلما إلا إذا صدق بوقوعها كما هي، وبعد ذلك جعل لها عقوبة عادلة مجسمة وكلف قائد المسلمين خاصة وأمره بتـنفيذها وألزمه أن يلزم بعض المسلمين بالحضور لذلك التنفيذ يقول تعالى {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين}.

 

كما ألزم أن يكون هذا التنفيذ بعد حكم أمر فيه القاضي بأن يحكم فيه بما علمه الله ولو كان الحكم على أقرب المقربين إليه يقول تعالى {يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين}.

 

هذه العقوبات التي خصصها المولى عز وجل لكل من أهان الإنسان بقـتـله أو أخذ ماله أو هتك عرضه أوضحها النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه المتفق عليه والذي خاطب به المسلمون وهم مجتمعون معه في حجة الوداع وخطب فيهم خطبة جعلها هي آخر تعليماته لهم وأشهدهم بعدها بأنه قد بلغ إليهم رسالته امتثالا لقوله تعالى {يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته والله يعصمك من الناس}.

 

ومن المعلوم هنا أن الله قد أنزل هذه الآية على نبيه أمرا له فيها بأن يبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتـفكرون.

 

وكان من بين ما أنزله إليه في شأنهم جميع العقوبات التي تحفظ لهذا الإنسان كرامته من قـتل وغصب للأموال وهتك للأعراض، فالقـتل قد أنزل الله عقابه الدنيوي لمكافحة وقوعه على إنسان في قوله تعالى {يأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القـتـلى} ويقول في شان الأموال {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتاكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون}.

 

أما عرض الإنسان والتحذير من هتـكه والايقاع فيه فقد جاء في سورة الحجرات ما يوضح بشاعة ذلك وقبحه يقول تعالى {يأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا} إلى قوله تعالى {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم}.

 

هذه العقوبات الواضحة المتعلقة بحقوق الإنسان والتي نزل فيها كثير من الآيات بين النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع تفصيلا في احترامها وعقوبتها وشناعة فعلها.

 

ففي الحديث المتفق عليه في أعقاب حجة الوداع بعد ما سأل الصحابة عن اليوم والمكان ليقول فيه هذه التوصيات وهو يوم عرفة والمكان هو مكة المكرمة الذي يوجد فيها بيت الله الحرام، وذلك ليعقلوا عنه جيدا هذه التوصيات وبعد ما أعلنوا أنهم يعرفون أنه يوم عرفة والمكان مكة.. صرح لهم بقوله: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا"، أي الجميع محرم من الله فالبلد حرام واليوم حرام من شهر حرام، فكذلك كل ما حرم فيه فهو حرام ولذا اتبع هذا الحديث بقوله: "ألا هل بلـغت"، وبعد ذلك أشهد عليه أمام المسلمين عالم الغيب والشهادة الذي هو أول متلق لكل نفس تخرج من هذه الدنيا بعد مدتها المحدودة عندما يأتي إليها الملك الموكل بإخراج الروح من جسدها كما قال تعالى {قـل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون} فإن كانت هذه النفس منتهكة لحرمات الله التي حرمها على لسان نبيه يقول لها ملك الموت عند نزعها {أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تـقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون} فالاستكبار هنا يدخل فيه عدم تنفيذ حدود الله الضامن تنفيذها مراعاة حقوق الإنسان كما قال تعالى {ولكم في القصاص حياة يأولي الألباب لعلكم تـتـقـون}.

 

فالمسلمون الذين يظنون أنهم ملاقوا الله أو المنخرطون في مراعاة حقوق الإنسان كان عليهم أن لا يكونوا عالة على إعلان قوانين حقوق الإنسان التي لا تغني شيئا عن الإنسان.

 

ولذا فتسميتها بحقوق المجرم أولى من تسميتها بحقوق الإنسان فقوانين الشريعة اقـتصت من الإنسان المجرم للإنسان الضحية بتوقيع العقوبات القرآنية عليه وويل ثم ويل لقائد مسلم يذهب إلى الله وقد مكن له في الأرض ولم يقم حـدا واحدا من حدود الله في زمن حكمه وهو يستمع إلى الله يقول لنبيه مخاطبا عن طريقه جميع قادة المسلمين {واحذرهم أن يفـتـنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فأعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون}.

 

وبالمناسبة فإني أقول للموريتانيين إن هذا الرئيس المنصرف بعد أكثر من عشرة سنين، وقد مكن الله له في الأرض كما نعلم جميعا ذهب ولم ينفـذ حكما واحدا من أحكام الله المتراكمة في رفوف مكاتب المحاكم لا ينقصها إلا التنفيذ وهي كثيرة مثـل: القصاص والجلد والقطع فلم ينفذ إلا السجن تعزيرا وكل هذا خشية البشر في الدنيا والله يقول {يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم} والمعلوم أن القانون الجنائي الموريتاني وهو قانون إسلامي قرآني وبذلك برئ الشعب من المطالبة بتـقنين قوانين الإسلام فإذا حكم القاضي بالحكم الإسلامي فقد برئ القاضي أيضا فلم يبق إلا التنفيذ الذي يختص الأمر به بالرئيس والرئيس فقط ولو منفذا على الأقربين فهذه أسوء تركة تركها الرئيس المنصرف لنفسه في الآخرة ولخلفه في الدنيا ولا يضاهيها إلا العلاقة التي ربطها في آخر أيامه بين موريتانيا وولي عهد أبو ظبي الممزق للمسلمين شر ممزق في جميع أنحاء العالم والذي نرجو من الله إن كان على الحق فليعنه عليهم إعانة لا كدر فيها في الدنيا ولا في الآخرة وإن كان على الباطل في قضية المسلمين فليأخذه إليه عاجلا أخذ عزيز مقـتدر حتى يشرد به من خلفه لعلهم يذكرون.

 

وأظن هذا هو أنصف موقف لأي مسلم في قضية فعلها دنيوي وعقوبتها أخروية: وهنا أضرب المثـل العربي (إياك أعني وأسمعي يا جاره).

 

فكان على مكتب حقوق الإنسان الموريتاني الذي يذهب إلى مراكز حقوق الإنسان في العالم أن يأتيها وهو حامل لها هذه التحفة الكاملة لتطبيق حقوق الإنسان الضحية على حقوق الإنسان المجرم ليتخذوا عقوبة الله لإحقاق حقوق الإنسان.

 

فنحن نشاهد أفراد مكتب حقوق الإنسان يزرون المجرمين في السجون لتفقد أحوالهم المعيشية والأمنية ولا يزورون (اليتامى)الضحايا الذي قتـل عائلهم ولا الجرحى بالسلاح الأبيض وهم يدافعون عن أنفسهم وأموالهم والجميع: الضحايا ـ المجرمون كثر في موريتانيا فعلى المكتب أن يزور الجميع وإلا فسيصطدم بقوله تعالى عن فعل بني إسرائيل {ويقولون نؤمن بعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا} إلى آخر الآية.