على مدار الساعة

قصاصات في بريد القائد..

1 أغسطس, 2019 - 14:16
سيدي محمد ولد ابه - Sidimoha@yahoo.fr

.. وأنت تخطو من قصرك المنيف، إلى بيتك المعمور، ترسم ملامح مشهد لا يتكرر عادة في وطننا العربي المسكون بالأوجاع.. تكتبُ صفحة جديدة من تاريخ بلد أنهكته قرون "السيبة"، وعبثت به عقود الدكتاتوريات المقيتة، بلد انتشلتَه من بين أنياب التخلف، ومخالب الفقر، ومتاهات الضياع الأبدي..

 

***

كنتَ استثناءً في كل شيء، حين دخلتَ تاريخنا ذات يوم مشهود، شاهرا سيفك في وجه الفساد، تحمل إرادة تنهار أمامها راسيات الجبال، فعمرتَ الأرض، ورسمتَ البسمة على شفاه المحرومين، ومسحت دموع الثكالى..

 

آثار كفك البيضاء في كل شبر من الوطن الذي تغادر كرسي حكمه اليوم مختارا، لا محتارا..

 

الوطن الذي كان قبلك أطلالا دوارسَ تذروها السوافي، وبات في عهدك الميمون ورشة بناء وتعمير، وواحة أمن للخائف المترقب..

 

***

كنتَ تبني وغيرك يهدم، ومع ذلك صبرتَ وصابرتَ، ما خارت لك قوة، وما لانت لك عزيمة، وما قابلتَ إساءاتهم وبذاءاتهم التي بها ينطقون إلا بالصفح الجميل..

 

عشر سنوات ولم تعتقل صاحب رأي واحد، ولم تستخدم سلطاتك الدستورية الواسعة في النيل من خصم سياسي، أو التعريض بآخر، لا سجن ولا حظر ولا مصادرة.. ولسان حالك يقول لمن أساؤوا وحرضوا وحرفوا "اذهبوا فأنتم الطلقاء".

 

***

أسستَ بنيانا متماسكا محكما مستحكما وثيقا جبارا.. في ظرف زماني وجيز رغم شح الموارد، والإرث الثقيل من الفساد والإفساد في الأرض.

 

وها أنت اليوم تغادرنا بعد أن رفعتَ القواعد من هذا البناء، تعليما وصحة وأمنا ومشاريعَ لم تدرْ بخلد من مروا قبلك ولو في عالم الأحلام..

 

***

ستبقى في وجوه الكادحين في سهول شمامة، وفي عرق عمال اسنيم وهم يهرسون الصخور الصلدة في تازاديت وامهاودات وقلب الغين..

 

ستبقى في مرابط خيول الفاتحين، في "تيدره" و"آزوكي" و"مكسم بن عامر"، وفي عيون أبناء شهداء القوات المسلحة وأحفاد أبطال المقاومة..

 

ستبقى في تراتيل طلاب المحاظر، وفي ميراث السنين بكنوز ولاتة التاريخية، وفي قراطيس مصحف شنقيط، وأروقة جامعة العيون الإسلامية..

 

ستبقى في أعمدة مطار أم التونسي، ومنارات ميناء "انجاكو"، ومشروع بحيرة اظهر، وغرف عمليات المشافي، وفي خرير مياه قناة آفطوط الساحلي...

 

***

تدخل التاريخ من أوسع أبوابه، وهم يخرجون كما دخلوا أول مرة، لا ظهرا أبقوا ولا أرضا قطعوا..

 

تمر على آثارهم بين "الدار والمسجد" مع إشراقة كل يوم كمن يمر بخربشات أطفال على جدار مهجور لا تستوقف العابرين، ولا تعني شيئا في قاموس الكبار..