على مدار الساعة

حصاد العشرية الأمني (3).. مقاربة وإعادة هيكلة وإنشاء وتجميد*

30 يوليو, 2019 - 22:17

الأخبار (نواكشوط) – عرفت عشرية حكم الرئيس محمد ولد عبد العزيز في حصيلتها الأمنية عناوين كبيرة، أبرزها إعلان موريتانيا لمقاربة أمنية خاصة بها، وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية وتحديثها، فضلا عن إنشاء جهاز أمني جديد، و"تجميد" قطاع الشرطة، إضافة لأحداث أمنية حبست أنفاس الموريتانيين لفترة قبل أن تنجلي.

 

وقد أعلن الرئيس ولد عبد العزيز مبكرا اهتمامه بالمجال العسكري والأمني، وهو القادم للحكم من قيادة كتيبة الأمن الرئاسي التي ظلت لسنوات عنوان القوة، والتدريب والتسليح في المؤسسة، كما كان من أول قراراته توجيه 50 مليون دولار منحها السعودية لموريتانيا لشراء معدات للجيش، وهو الملف الذي ظل عنوان جديد سياسي طويل في البلاد.

 

شكل المجال العسكري والأمني أحد الاهتمامات الرئيسية للرئيس ولد عبد العزيز، كما صرح بذلك أكثر من مرة، وفي نهاية عشريته نرصد في هذا التقرير معالم هذا المجال.

 

هيكلة ومقاربة أمنية

في العام 2010 أعلنت الحكومة ضمن سياستها السنوية عن اتخاذها "الإجراءات الضرورية لتحديث القوات المسلحة وقوات الأمن الوطنية لتعزيز قدراتها الدفاعية وتوطيد مساهمتها في التنموية في أوقات السلم".

 

كما أعلنت عن عزمها "إعادة تنظيم الجيش الوطني، وقوات الأمن، وتمهينهما ووضع رجالهما في الظروف الملائمة حتى يصبحوا قادرين على القيام بمهامهم على أحسن وجه".

 

وفي العام ذاته نظمت القوات المسلحة وقوات الأمن أضخم استعراض عسكري في تاريخها، وجابت خلال الآليات والحشود العسكرية أكبر شوارع نواكشوط، مستعرضة مختلف المعدات، والأسلحة التي حصلت عليها.

 

كما أعلنت الحكومة بالتزامن مع تحديث وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية عن مقاربة أمنية متعددة الأبعاد، تتضمن اعتماد الأبعاد العسكرية والأمنية في مواجهة التحديات، فضلا عن فتح الحوار مع السجناء المتهمين بالانتماء لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي.

 

وتحدثت الحكومة خلال السنوات اللاحقة عن نجاح هذه المقاربة، وتزكيتها من طرف العديد من الشركاء، إضافة لاتخاذها نموذجا لدى العديد من الدول.

 

وكان لافتا أن شق المقاربة المتعلق بالحوار لم يتجاوز نسخة واحدة، وذلك رغم تأكيد الرئيس ولد عبد العزيز أكثر من مرة نجاح المقاربة، حيث لم يتراجع أي من السجناء الذين أطلق سراحهم بناء على هذا الحوار باستثناء واحد، قيل إن إطلاق سراحه تم بطرق غير شفافة.

 

وكان من أبرز التحديثات التي عرفتها المؤسسة العسكرية، والتي أعلن عنها منتصف 2013، إعادة هيكلة بتحويله إلى أركان برية، وأخرى جوية، وثالثة بحرية، كما تطورت على مستوى التدريب والتسليح كتائبه المتخصصة في مجال مكافحة الإرهاب.

 

استحداث وتجميد

كما عرفت العشرية إنشاء جهاز أمني جديد عهد إليه بـ"أمن الطرق"، وحمل اسم "التجمع العام للأمن الطرق"، وتزامن إعلان الجهاز الجديد مع تجميد للاكتتاب في جهاز الشرطة، وكذا وقف التقدمات في صفوف المنتسبين له، وهو التجميد الذي استمر عدة سنوات.

 

واستفاد الجهاز الجديد الذي أوكلت مهمة إقامته للواء مسغارو سيدي اغويزي من تمويل سعودي، كما حمل الجهاز ـ شعبيا ـ اسم هذا القائد إلى اليوم. بالرغم من تعاقب عدد من كبار الضباط العسكريين على قيادته.

 

واستعان الجهاز في بداية انطلاقته بضباط من الحرس، قبل أن يتم استبدالهم بضباط من الدرك.

 

وانتشر الجهاز في العاصمة نواكشوط لتنظيم الطرق، وضبط المخالفات، قبل أن يتوسع لاحقا إلى بعض عواصم الولايات الداخلية كنواذيبو، والزويرات.

 

واستمر وقف الاكتتاب في قطاع الشرطة، وتجميد رتب العاملين فيه أكثر من نصف العشرية، حيث امتد من 2009 وحتى 2015، قبل أن يعلن القطاع عن اكتتاب 500 عنصر، كما اكتتب بعدها 300 آخرين.

 

وشمل التحديث، والتسليح والتدريب قطاعات الدرك، والحرس، كما أنشأت هذه القطاعات كتائب خاصة بمكافحة الإرهاب.

 

مواجهة قبل الهدوء

وعرفت الأعوام الأولى من العشرية مواجهة مفتوحة بين الجيش الموريتاني ومسلحي تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، حيث نفذ التنظيم عدة هجمات داخل الأراضي الموريتانية، كما نفذ الجيش هجوما على معاقل هذا التنظيم في الشمال المالي.

 

واستمرت المواجهة المفتوحة بين الطرفين حتى نهاية 2012، حيث توقفت العمليات بينهما بشكل كلي، قبل أن تدخل منطقة الساحل بشكل عام في تطورات سيطرت خلالها الجماعات المسلحة على الشمال المالي ليبدأ بعدها تدخل فرنسي ودولي في المنطقة استمر إلى الآن.

 

ومن أبرزت العمليات التي وقعت بين الطرفين خلال الفترة من 2008 إلى 2012 اختطاف رعايا أسبان على طريق نواذيبو 2009، وتفجير سيارة مفخخة في النعمة 2010، والهجوم على مدينة باسكنو شرقي موريتانيا 2011، كما نفذ الجيش الموريتاني هجمات ضد مسلحي هذه الجماعات في حاسي سيدي في عمق الأراضي المالية 2010، وفي غابة وقادو 2011.

 

وقد تعددت تأويلات سبب الهدوء بين الطرفين بعد هذه المواجهات الدموية، وجرى الحديث عن هدنة بينهما، بناء على ما قيل إنها وثائق سربتها الولايات المتحدة الأمريكية من ضمن وثائق وجدتها لدى أمير تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.

 

حوادث وصفقات

كما يبرز ضمن حصيلة العشرية عدد من الحوادث التي تعرض لها الطيران العسكري، إذ فقدت موريتانيا خلال النصف الأول من العشرية نصف أسطولها في حوادث الطيران، كما فقدت أفضل طياريها وفنييها في هذه الحوادث.

 

وعرفت السنوات الأولى حوادث للطيران العسكري، بلغ عددها أربعة حوادث، وكان عدد ضحاياها 8 أشخاص، كما فقد الجيش فيها 4 طائرات، وهو ما يمثل حينها ثلث أسطول موريتانيا العسكري الجوي.

 

وفي مجال الصفقات، كان لافتا صرف الجيش الموريتاني لمبلغ 1.5 مليار أوقية من خارج ميزانيته لشركة صينية تسمى "بولي هوندونغ"، دون الكشف عن طبيعة الصفقة التي تمت بينهما، وتم صرفها من بند النفقات المشتركة، ووقعها وزير المالية المختار ولد اجاي يوم 12 نوفمبر 2015.

 

كما أثار استيلاء الشاب اعبيدي ولد الخوماني على مئات الملايين من أموال الجيش جدلا واسعا في البلاد، حيث منحت له للمتاجرة بها قبل إعادتها لكنه لم يعدها ليتم القبض عليه ومحاكمته، قبل أن يحال إلى سجن أكجوجت ليطلق سراحه لاحقا.

 

وقدر المبلغ الذي حصل عليه الشاب من أموال الجيش بأكثر من نصف مليار أوقية قديمة.

 

كما عرفت العشرية إخفاء الحكومة لميزانية الجيش وقوات الأمن من موقع الخزينة الإلكتروني، بعد أن كان يظهر مبلغ الميزانية، ويغطي نسبة إنفاقها.

 

دور أممي وإقليمي

كما سجلت العشرية نجاح موريتانيا في المشاركة في القوات الأممية لحفظ السلام في العديد من المناطق الملتهبة، وذلك لأول مرة في تاريخها، حيث شاركت في البعثة الأممية في ساحل العاج، وما يزال جنودها يعملون ضمن البعثة الأممية في وسط إفريقيا.

 

كما لها الدور الأبرز في إنشاء مجموعة دول الساحل الخمس، والتي أعلنت عنها من نواكشوط 2014، واختيرت لتكون مقرا لأمانتها الدائمة، كما كان لموريتانيا دورها في إنشاء القوة المشتركة لهذه الدول، والتي يبلغ تعداد جنودها 5 آلاف جندي.

 

جيش من الجنرالات

كما سجلت العشرية قفزة كبيرة في عدد حملة رتبة جنرال في الجيش والدرك والحرس، حيث لم يكن عددهم يتجاوز 4 إبان وصول الرئيس ولد عبد العزيز للحكم، ليقفز قبل نهاية العشرية إلى أكثر من 40 ثلاثة أرباعهم ما زالوا في الخدمة.

 

وكان لافتا تضاعف أعداد جنرالات الجيش في حين أن الزيادة في تعداد المنتسبين لهم بشكل عام ظلت بطيئة، ولم تواكب قفزات أعداد الجنرالات.

 

كما أن التطور والتحديث الذي تحدثت عنه الجهات الرسمية الموريتانية لم ينعكس على تصنيفه في المؤشرات الدولية المعتمدة لتنصيف الجيوش، فموقع "غلوبال فاير باور – globalfirepower"  الأمريكي المتخصص في تنصيف الجيوش يضع الجيش الموريتاني في مرتبة متدنية إفريقيا وعالميا، حيث لم يأت بعده سوى دولة واحدة إفريقيا، وثلاث دول عالميا.

 

فقد حل الجيش الموريتاني في تصنيف هذا الموقع في الرتبة 130 عالميا، من أصل 133 دولة شملها تصنيفه، كما وضعه في الرتبة 32 إفريقيا من أصل 33 دولة مصنفة لديه، حيث لم تتقدم موريتانيا إفريقيا سوى على دولة سيراليون، وكان لافتا تقدم مالي المجاورة عليه.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* يدخل هذا التقرير ضمن سلسلة تقارير تنتجها وكالة الأخبار المستقلة عن حصاد عشرية الرئيس محمد ولد عبد العزيز، من بينها: 

حصاد العشرية: تزايد المؤسسات المالية وارتفاع الأسعار وتدهور الأوقية

حصاد العشرية السياسي.. أزمات متتالية وحوارات ناقصة