على مدار الساعة

تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الدولة: ضرورة قرار استعجالي

16 يوليو, 2019 - 03:18
د. أحمد ولد المصطف

يعتبر القضاء إحدى السلط الثلاث الدستورية في نظامنا الجمهوري، إلى جانب السلطتين التنفيذية والتشريعية. فإليه يحتكم المتنازعون في مختلف القضايا وإليه تعود الكلمة الفصل في أي خلاف يستدعي اللجوء إلى المحاكم وفق المساطر القانونية التي ترتب ذلك: محاكم ابتدائية، محاكم استئناف، محكمة عليا، إلخ.

 

ومع أن الجميع، رغم الاختلاف في تقييم أداء المحاكم وعدالة أحكامها، يعتبرون القضاء وجهتهم الرئيسية وموئلهم الأخير في حل الخصومات والنزاعات ويطبقون أحكامه طوعا أو بالإكراه القضائي، فإن الأحكام الصادرة في حق الدولة لا تجد طريقها للتنفيذ إلا بشق الأنفس وبعد مماطلة تضيع فيها الحقوق ويتضاعف فيها الظلم.

 

السبب في كل ذلك أن القضاء لا يقوم بالتنفيذ الجبري على الدولة ويترك للمسؤولين العموميين حرية إيجاد الطرق الأنسب لتنفيذ الأحكام الصادرة ضد الدوائر الحكومية. إلا أن هذه الحرية غالبا ما يساء استغلالها من طرف بعض المسؤولين، حتى بات تنفيذ حكم صادر ضد جهة عمومية يخضع للسلطة التقديرية لهذا المسؤول أو ذاك، وفي أحيان أخرى لعوامل ذاتية، كالقرابة والمحسوبية والزبونية، إلخ.

 

ثم إن بعض المسؤولين، جهلا منهم للقانون أو تجاهلا له، لا يعيرون الأحكام القضائية الصادرة ضد قطاعاتهم كبير اهتمام، لدرجة أنهم يرون أن القرارات الصادرة عنهم أقوى من القرارات القضائية نفسها أو أنهم لا يحتكمون في تنفيذها إلا إلى الجهات العليا التي عينتهم والتي يرون أن تعليماتها ومزاجها أهم بكثير من أحكام القضاء.

 

هكذا يتعين إيجاد حل جذري ودون تأخير لمعضلة تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الإدارات والقطاعات الحكومية. فلا معني أن يتعرض الناس للظلم ثم يلجؤون إلى القضاء ويخوضون معركة طويلة وقاسية وعند ما ينصفهم هذا القضاء تبدأ مرحلة جديدة من المعاناة أقسى وأمر من الأولى.

 

ذلك أنه في مرحلة التقاضي يضع المتظلم، مهما كانت قناعته بعدالة قضيته، احتمالين: إما أن ينصفه القضاء، وهذا ما يأمله، وإما أن يرفض القضاء نهائيا تظلمه بعد استنفاد طرق الطعن المتاحة. فحين يصدر القرار القضائي لصالحه، مؤكدا صحة دعواه في الظلم الذي لحق به وضرورة جبر هذا الظلم من طرف الإدارة أو القطاع الحكومي المعني، فإن أي مماطلة أو تسويف في تنفيذ هذا القرار يعتبر ظلما إضافيا، وبالتالي تزداد مرارة صاحب الحق ويصبح في حيرة من أمره: لماذا تطبق الأحكام القضائية على جميع الأطراف باستثناء الدولة التي كان يتعين أن تكون هي مضرب المثل في سرعة تطبيق الأحكام القانونية الصادرة ضدها.

 

الواقع أنه لا شيء يقف أمام أي قطاع حكومي في تنفيذ القرارات القضائية الصادرة ضده سوى تحلي القائمين عليه بالإرادة الصادقة والمسؤولية والاستعداد لتطبيق القانون، لأن ما يُتَعَلَّلُ به أحيانا من عدم الحصول على الضوء الأخضر من "السلطات العليا" أو عدم وجود اعتمادات مالية متاحة حجج لا تستقيم، لأن أي سلطة في دولة المؤسسات والقانون ـ مهما كان مستواها ـ لا يمكنها ولا يحق لها أن تمنع الناس من حقوقهم التي منحهم إياها القضاء لأن مثل هذا الفعل، أي تعطيل تطبيق الأحكام القضائية، يجرمه القانون ويردعه بعقوبة قاسية، ثم إن المبالغ المترتبة على تطبيق أحكام القضاء ستكون سهلة التبرير عند إدراجها في أي تعديل على الميزانية الأصلية للدولة يعرض أمام البرلمان.

 

تأسيسا على ما سبق، فإن تنفيذ الأحكام القضائية التي صدرت حتى الآن على الدولة يتطلب قرارا استعجاليا من رئيس الجمهورية المنتهية ولايته، السيد محمد ولد عبد العزيز، رئيس المجلس الأعلى للقضاء، لأنه المسؤول الأول والأخير عن تنفيذ مثل هذه القرارات، ذلك أن عدم تنفيذها يضع هيبة الدولة ومصداقيتها على المحك ويتسبب في حرمان أصحاب الحقوق من حقوقهم، وبالتأكيد سيكون لمثل هذا القرار الاستعجالي ـ إن تم اتخاذه قبل مغادرة الرئيس للسلطة ـ صدى إيجابيا، كما كان الحال مع التسوية النهائية لوضعية العمال غير الدائمين الأكثر استعصاء، إذ إن عدد المستفيدين من تطبيق هذه القرارات القضائية محدود جدا مقارنة بهؤلاء وكانوا الأولى والأجدر بأن تحل مشكلتهم وتتم تسوية وضعيتهم.

 

أما الرئيس المنتخب، السيد محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الشيخ الغزواني، الذي نرجو له التوفيق و السداد في مهامه، فإنه يتعين عليه في هذا الإطار استحداث آلية تضمن التطبيق الفوري للأحكام القضائية النهائية الصادرة ضد قطاعات وإدارات الدولة، لقطع الطريق أمام مماطلة وتضييع حقوق المواطنين التي أقرها القضاء وأثبتها.