على مدار الساعة

هل ينعش محمد ولد الغزواني العلاقات المغربية الموريتانية؟

26 يونيو, 2019 - 23:25
بقلم: أحمد سالم أعمر حداد - باحث مغربي في العلاقات الدولية متخصص في تحليل الصراع السياسي – newsdata1@gmail.com

عندما نجح الانقلاب العسكري لمحمد عبد العزيز على حكم سيدي محمد ولد الشيخ، سنة 2008، بادر العديد من الكتاب في الشؤون السياسية، والاعلاميين، وحتى بعض الجهات الرسمية من البلدين المغرب وموريتانيا، إلى الاعتقاد والقول بأن وصول العسكري محمد ولد عبد العزيز فرصة دبلوماسية للنهوض بعلاقات البلدين، بل تمادى البعض واعتبر أن فترة حكم ولد العزيز سوف تكون لا محالة فترة تحصيل المغرب لمواقف موريتانية رسمية تخدمه في حل معضلة نزاع الصحراء الغربية.            

بنى أصحاب هذا الطرح المتفائل خلاصاتهم على ملاحظات غير واقعية ولا تتصل بميكانيزم صنع السياسات الخارجية للدول، وهي ملاحظات أقرب إلى تحليل السمات الشخصية للحاكم، دون إبداء أية مخاوف منهجية من كون السياسة الخارجية، صعبة جدا في جميع مراحل تشريحها، عند التحليل، محاولة الفهم، والاستشراف، على أساس أن السياسة الخارجية مجال المفاجئات بامتياز، وكانت أبرز تلك الأسانيد تلقي الرئيس المنتهية ولايته محمد عبد العزيز تكوينا عسكريا في المغرب، وعلاقاته الأسرية المعروفة بالمغرب، والفرق شاسع بين السمات الشخصية للحاكم وسياساته الخارجية.                       
مرة أخرى، وبعد الفوز الكاسح والمستحق للعسكري الثاني محمد ولد الغزواني، نهض أصحاب تلك النظرية بسذاجة مكررة، وهذه المرة كان تفاؤلهم أكثر متانة من ذي قبل، وقالوا إن فوز محمد ولد الغزواني برئاسيات موريتانيا سوف ينهي حالة الموت السريري للعلاقات المغربية - الموريتانية، وفرصة كبيرة للمغرب لأن الرئيس محمد ولد الغزواني كما ذهبت بعض الصحف المغربية يعتبر "عدوا لجبهة البوليساريو عدوة المغرب"، هذا لأن محمد ولد الغزواني سوف يرفض التعامل مع جبهة البوليساريو، ويطالب حقا بمراجعة قرارات منح سكان مخيمات تندوف أوراق الاقامة في نواكشوط.

 

هل ينعش الرئيس الموريتاني المنتخب محمد ولد الغزواني فعلا العلاقات المغربية – الموريتانية، أم أن تصريحاته اتجاه العلاقات مع الرباط ومصالحها الاستراتيجية مجرد "غزل انتخابي" لا يعتد به، ولن تراوح العلاقات بين البلدين حالة الجمود؟

 

على عكس انتظارات الرباط والكثير من المتابعين للشأن المغربي - الموريتاني، من البلدين، اتسمت حقبة حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، بطابع الأزمة والركود الواضح، وكادت أن تصل في العديد من المناسبات حد القطيعة، على الرغم من أهمية السيرة الذاتية الشخصية لمحمد عبد العزيز بالنسبة له وللمملكة المغربية، وكانت أوضح محطات التوتر أزمة معبر الكركرات الشهيرة، التي اعتبرها بعض المراقبين دليلا على تعاون عسكري سري بين عسكر محمد ولد عبد العزيز وعسكر جبهة البوليساريو، بينما همت محطة التوتر الثانية الكبرى تصريحات الأمين العام السابق لحزب الاستقلال المغربي حميد شباط التي اعتبر من خلالها أن موريتانيا كانت تشكل جزءا من المملكة المغربية، وكادت تلك الأزمات أن تعصف بالعلاقات بين البلدين لولا تدخل الملك محمد السادس الذي خفف من حدة التوتر، وأعاد علاقات البلدين إلى سكة الاستقرار دون تسجيل حالة نمو تذكر.

 

تفاءل الصحافة وبعض الدوائر المؤثرة في الرباط ونواكشوط، بإمكانية تحسن العلاقات المغربية الموريتانية، في عهد محمد ولد الغزواني، استنتاج مستعجل جديد غير مبرر بالنظر إلى أن السياسة الخارجية لأي دولة، تصنع وتبرز بعد تفاعل صعب ومعقد بين إكراهات المصالح الداخلية الوطنية، والأعراف والقوانين الدولية، والمحدد الحقيقي لمواقف الدول اتجاه بعضها البعض، هو مواقع تلك الدول في النظام الدولي، ولا يمكن أبدا بأي شكل من الأشكال الاستناد الى التصريحات الاعلامية في بناء تصور استشرافي للعلاقات المغربية – الموريتانية، بل العبرة بإكراهات المصالح الوطنية.

بالعودة لفترة حكم العسكري محمد ولد عبد العزيز، وعلى عكس كل التوقعات، عرفت علاقات المغرب وموريتانيا انتكاسة حقيقية، وكانت نتيجة تفاعلات مصالح البلدين، مع إكراهات الأعراف والقوانين الدولية، وتوترات إملاءات المحاور إقليميا ودوليا، كارثية على طبيعة العلاقات بين البلدين، حيث تفاجأ المغرب باستقبالات رسمية متكررة خص بها محمد ولد عبد العزيز - الذي اعتبره البعض ابنا للمغرب - للكثير من القيادات البارزة في جبهة البوليساريو، في القصر الرئاسي بنواكشوط، تلك الاستقبالات التي كانت كافية ليجدد المغرب اتهامه لموريتانيا بالانحياز لأطروحة البوليساريو ومعاكسة مصالح المغرب، وقامت الرباط بالرد على نفس الشاكلة بدعم وايواء معارضين بارزين لنظام محمد ولد عبد العزيز آنذاك.

 

من جهة الرئيس المنتخب محمد ولد الغزواني، الجنرال المتقاعد ووزير الدفاع السابق، شريك عسكري وسياسي لسلفه ورفيق دربه محمد ولد عبد العزيز، وسنده الرئيس الداعم لتوجهاته في الانقلابين العسكريين الأول سنة 2005 على الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، بقيادة الرئيس السادس علي ولد محمد فال، والثاني على حكم الرئيس السابع سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، ومن جهة ثانية، الرئيس محمد ولد الغزواني مثله مثل سلفه محمد ولد عبد العزيز، تلقى تكوينا عسكريا بالمملكة المغربية بمعنى أننا سوف نكون أمام نسخة سياسة خارجية موريتانية غير منقحة وغير مزيدة، ولن تتغير سياسات محمد ولد الغزواني اتجاه العديد من القضايا، خصوصا علاقات بلاد شنقيط مع المملكة المغربية، وقد يفاجئ الرئيس الجديد المغرب بالسير على نهج سلفه محمد ولد العزيز، لسبب واحد قوي هو: أننا في العالم العربي أمام عودة قوية للمؤسسة العسكرية للحكم، والعسكر دماغ واحد، بذلة واحدة، وحركة واحدة، والجميع مطالب، خصوصا صناع القرار في المملكة المغربية بنسيان كل تصريحات ولد الغزواني وكل عبارات الغزل السياسي التي ألقاها تجاه الرباط، إبان الفترة الانتخابية لتمكين مكانه على كرسي الرئاسة، والبحث عن معطيات جديدة، لتحريك العلاقات الثنائية بين المملكة المغربية، وبلاد شنقيط، بشكل يوازن بين المصالح الإستراتيجية للبلدين، ويقلل من حدة خسائر حالة الركود الحالية.