على مدار الساعة

للإصلاح كلمة سواء: بين السيد الرئيس وغالبية الشعب الموريتاني في قضية تعديل الدستور

28 فبراير, 2017 - 20:23
بقلم: محمدو بن البار - بتاريخ : 28 /02 / 2017

كلمة الإصلاح تحاول دائما تجاوز المصطلحات التي يضعها البشر ـ ولا سيما إذا كان المسلمون وضعوها تبعا لسنن أهل الكتاب قـبلنا طبقا لـتـنبـئات النبي صلى الله عليه وسلم بأننا سنـتـبع سنـنهم وهو بذلك ينهانا عنها لكنـنا سوف لا نـنـتهي لأن الشيطان لا يألوا جهدا في صدنا عن توجيهاته صلى الله عليه وسلم مع أنه لا ينطق عن الهوى.

 

والمصطلحات التي نـتـبع فيها من قـبلنا الآن هو وجود مجلس الدستور ومجلس النواب والشيوخ وتسميتهما بالبرلمان ووجود كل من الموالاة والمعارضة وزعامتها وحرمة اختراق الدستور وما جاء فيه من مواد مثـل تحديد المأمورية وسن الترشح ومساءلة الوزير الأول أمام البرلمان دون الرئيس مع أن الرئيس هو المسؤول أولا وأخيرا في الآخرة، وبما أن كل هذه المصطلحات الآن أمرا واقعيا تحاسبنا الأمم على عدم وجودها عندنا.

 

فإن كلمة الإصلاح سوف تناقش ما هو واقع فيها الآن وهو الخلاف بين السيد رئيس الجمهورية من جهة وغالبية الشعب الموريتاني في بعض التعديلات الدستورية بناء على مخرجات الحوار الأخير من جهة أخرى.

 

فمعروف أن من شارك في الحوار لا يمثـل الشعب كله كما أن من تغيب عنه لا يمثـل الشعب كله كذلك ، والمتأمل في القضية كمثـلي أنا غير موال لأي أحد إلا إذا أمر الله بمولاته ولست معارضا لأحد إلا كذلك فإني سوف أقدم رأيا في هذا الموضوع الذي أصبح هدفا للنـقاش أمام الغرفـتين.

 

فجميع المخرجات التي وافق الحوار على تغيـيرها في الدستور لا يتساوى الشعب في الاتفاق على إزالتها بل تـغيـير بعضها مثـل: العلم والنـشيد.. سوف يكون قاصمة الظهر عند البعض.

 

فعموم اعتبارهما كما هما هو الذي تـتـفق عليه غالبية الشعب وتغيـيرهما سيترك حفرة عميقة لدى غالبية الشعب، كما أن تغيـيرهما يوضح فرض فكرة شخص واحد بالآليات الانتخابية على حساب غالبية الشعب كما يترك وصمة ماثـلة أمام غالبية الشعب تلاحق صاحبها ما دام حـيا وحتى بعد الموت ولا ضمان لبقائهما بعـده.

 

فهذان الرمزان لعموميتهما عند جميع شرائح الشعب سوف لا يقوم أي تـغيـير آخر مقامهما، فأي تغيـير جاء بدلهما فسوف يفسر بأنه جاء بنظرة خاصة لا تـتـفق عليها غالبية الشعب.

 

مع أنـنا إذا نظرنا إلى جميع الولايات الموريتانية فسنجد في كل منها من قام بهذه المقاومة المراد تخليدها في العلم والنشيد، ولكن المتفق عليه أن تـلك المقاومة لم تـقم بمقاومتها إلا عن طريق أشخاص عقيدتهم أنه يجب عليهم رد الكفار عن بلاد المسلمين أو الشهادة لأجل ذلك بعيدا عن المصطلحات اليوم في الدفاع الذي يكون عن الوطن أو الشعب وتحت راية مشتركة لجميع الشعب مجردا عن فكرة الدفاع عن الإسلام ذاته فمن لم يشـترك آباؤه في الدفاع عن الإسلام آنذاك سوف لا يعـتـبره جهادا مشـتركا بـين جميع المواطنين يجب تخـليد شهدائه مع أن هذا التـخليد كان بعيدا عن أذهان المجاهدين أيام جهادهم فكلهم يقاتـل من مكانه بقناعة أنه مسلم والغازي كافر.

 

ونحن المسلمون الذين ما زلنا أحياء لمدة محدودة علينا أن لا نلطخ جهاد هؤلاء في أذهان أهل الدنيا اليوم باصطلاح لا يغني عنهم من الله شيئا لا في الدنيا ولا في الآخرة وربما يكرهونه لأن تحويل جهادهم بأنه جهاد عن الوطن فقط ينبغي تخليده بخط أحمر أو بتلحين أبيات تمجدهم في النشيد فهذا يقال له استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير.

 

ففكرة الدفاع عن الإسلام والشهادة في ذلك لا تساوي مجرد فكرة الدفاع عن الوطن المتبادرة عند ذهن أهل الدنيا الآن مع أن ذلك يجب الجهاد فيه إذا كان القادم سيفسد في الأرض.

 

وبما أن أولئـك المجاهدين جاهدوا أفرادا فنرجو من الله أن يتـقـبل فكرة جهادهم كذلك وأن يجعلهم الآن أحياءا يرزقون عند ربهم ويستبـشرون بمن سيلحق بهم على فكرتهم أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

فمن تـقـبل الله فكرته (وهو أعلم بما في الصدور) فلا يحتاج إلى مصطلحات أهل الدنيا لأنها إن لم يكن على الحق فسوف تـكون توبـيخا له وإن كان قـبل جهاده فكلمة التخليد التي لا معنى لها في الدنيا لاستحالتها فسوف لا تمثـل شيئا من مجازاته عند الله.

 

ومن جهة أخرى فإن الشريعة تـقدم حق الأحياء الذين لا يتـفقون على هذا التخليد عن طريق تغيـير العلم والنشيد على حق الأموات المراد تخليدهم فكريا فقط، وكل فكرة غير مجمع عليها سوف تذهب مع من فرضها لأن المناصب محدود زمنها مع صاحبها إن أحسن فيها فـله الإحسان الدائم في الدنيا والآخرة وإن أساء فيها فإن صاحبها إن كان حيا يـبقي مع إساءته لا حول له ولا قوة وإن مات فهناك حساب آخر له مع الله طبقا لقوله تعالى: {إن أحسنـتم أحسنـتم لأنفسكم وإن أسـأتم فـلها}.

 

هذه الكلمة أعلاه تعنى قضية تعديل العلم والنشيد فقط أما المقترحات الأخرى فإن تعديلها يظهر أنه قريب من الإجماع فلا يظهر له معارض إلا المنـتـفعـين بعدمه.

 

فجميع ما يطلق عليه البرلمان بهذا الشكل هو كما قـلت سابقا تبعا لسنـن من قبـلنا وإلا فإن الشريعة الإسلامية تـقول لمثـله في الشعوب الإسلامية (أهل الحـل والعقد) من المسلمين ويكونون من أمثـل مجتمعهم سواء كان في المدن أو القرى أو الريف فهم يكونون مزكون من طرف مجتمعاتهم تـلقائيا نظرا لسلوكهم المتماشي مع الالتـزام بتعاليم الدين من مكارم الأخلاق وتعميم تلك الأخلاق على كل من يطلق عليه اسم البشر ويعاملون الكل حسب توجيه النصوص الإسلامية في كل موضوع بعـينه، ومن كان هذا وصفه فيجب تغيـير الدستور للإتيان به وأقرب هيئة مرشحه لذلك هو المجالس الإقليمية التي جاء مضمون الحوار لإنشائها بعـد التعديل وهذه المجالس الإقليمية نظرا لوجود رواتب لأهلها يجب أن تعدل لأجل إنشائها جميع القوانين التي قـنـنت من قـبل حتى يقرب نوع هذه المجالس من قضية تشـكيل تهذيب الجماهير ويجب أن لا يحول بين الاتجاه إلى تـلك الفكرة أنها فكرة أشخاص سابقين لأن فكرة تهذيب الجماهير هي أقرب وسيلة للتلاحم بين الشعب واختلاط بعضه بـبعض فلو كان الآن كل عشر أسر يوجد مسؤول عنهم من بينهم لقـلت اللصوصية والعنصرية ولجاء مكانهما التكامل الاجتماعي والتضامن الشعبي، فلو كانت مجالس تهذيب الجماهير عند إنـشائها قيم بتـفعيلها بوجود الرواتب قبل البرلمان الآن لكانت موريتانيا أكثر أمنا وتضامنا وانسجاما إلى آخره.

 

وبناء على ذلك فإن تعديل الدستور عليه ألا يقـتصر على ما جاء في الحوار فقط ، فالدستور ينبغي أن تطرح أكثر مواده للتعـديل فزيادة على تغـيـير جميع المجالس الموجودة فيه مثـل: المجلس الأعلى الإسلامي والمجلس الاجتماعي الاقـتصادي ومحكمة العدل السامية وكثرة صلاحيات الرئيس مع قـلة ما يتحمله من المسؤولية وقـلة صلاحية الوزير الأول مع كثرة ما يتحمله من المسؤولية بإدارته لجميع الوزارات هذا كـله يجب تعـديله، والضابط في تعديل الدستور أو غيره من القوانين هو مردودية هذه الهيئات على الدولة.

 

فنحن الآن في رأس سنة تـقريبا فينظر إلى كل مؤسسة دستورية ويقارن بين تفعيل مضمونها وبين النفقة عليه فسوف لا نجد أي عمل لها مدة السنة وبذلك سوف يشطب على كثير من مواد الدستور على رأسها المجالس أعلاه وكذلك المادة السادسة المتعلقة بترسيم اللغة العربية فـتـلك المادة تعدد اللغات بما فيها العربية وتذكر أنها لغات وطنية وتخص العربية بعبارة هي حصرية في البلاغة بترسيم اللغة العربية إلا أن تطبـيقها عجزت عنه جميع الأحكام العسكرية وما تحتها من السلطات المدنية حتى أصبحت مثـل اللغات الأخرى لغة وطنية، فكثرة وجودها في الإعلام ووسائل الاتصال الاجتماعي هو وجود لها من تـلقاء نفسها وعدم وجودها في جميع الإدارات الحكومية تـقريبا يبرر جدا تعديل مادتها حتى تـكون هكذا المادة (6): نظرا للعجز المستمر من الإدارة العامة عن العمل بما جاء في هذه المادة، ونظرا لفضيحة دوام تـلبس جميع المسؤولين من الرؤساء والوزراء والإدارات التابعة لهم بجريمة ترك العمل بهذه المادة الدستورية والعمل بدلها بلغة المستعمر المخالف في الدين ولمدة 57 سنة، ونظرا لما يترتب على هذه الجريمة المستمرة من احتقار تـلك اللغة في نظر المواطنين والأجانب مع أنها لغة جميع الموريتانيين تقريبا ولغة دينهم اتفاقا، فإن تـلك المادة أصبحت كالتالي: اللغة الرسمية في الإدارات العمومية هي اللغة الفرنسية والعربية مثـل: اللغات الأخرى لغة وطنية.

 

وهذا العجز المذكور أعلاه إما لجهلها من المسؤولين، أو عدم إدراك أنها من الثوابت الدستورية للدولة أو عدم ملاحظة أنها لغة القرآن أو الجميع.

 

ومن هنا أعود لمخاطبة السادة البرلمانيين في شأن تعديل الدستور طبقا لمخرجات الحوار الماضي لأنبههم أولا: بأن تعديله لا يلغي مجلس الشيوخ فقط فهو يـلغي كذلك مجلس النواب الحالي، فـتعديل الدستور يلزم الدولة بانـتـخابات مبكرة سابقة لأوانها، وعليه فإن رحيل الشيوخ يكون رحيلا عاديا لأنهم جلسوا في هذا المنصب أكثر من ما هو مقرر لهم فأكلوا رواتب من كان سيجيء بعدهم بعكس النواب فإن انتخابات مبكرة سوف تفقدهم أغلى من وظيفة انـتـخابهم ألا وهو حرمانهم من راتب تقاعدهم عن خمس سنوات من النيابة لا يفصلهم الآن عن استحقاقها إلا سنة واحدة وعدة أشهر مع أن حل البرلمان يجب أن لا يصدر إلا عن أزمة في الدولة لا يمكن تجاوزها إلا بحـله فهم انـتـخبوا استحقاقيا لمدة خمس سنوات وذلك يلزمهم لمنـتخبيهم ولغيرهم بالتزامات في تـلك المدة المستحقة فتـقليصها عن تـلك المدة يعد نـقضا للعهود من الجميع ولا سيما إذا كان بلا سبـب قاهر، زيادة على أن النواب جاءوا عن طريق الأحزاب إما في الدوائر أو اللوائح العمومية المقدمة من طرف أحزابهم وتـلك لا تكون إلا دورية داخل الحزب ليخفف الغبن داخله وذلك يعنى أن هؤلاء النواب سوف لا يعودون وتـلك ضربة قاتـلة لتعهداتهم لمنـتـخبـيهم.

 

ومن جهة أخرى فإن على النواب أن يتـنبهوا أن تصويتهم على رزمة مخرجات الحوار دفعة واحدة يكون فيه عدم احترام لمشاعر أغـلبية الشعب، فيجب أن يكون التصويت على تعـديل العلم والنشيد في جلسة غير جلسات التصويت على باقي التعديلات لأن التصويت على الجميع في مكان واحد يعـد خلط رديء بجيد وذلك نهى الإسلام عنه، كما أن أي صفقة شملت الصحيح والفاسد في عقد واحد فسد الجميع كما هو واضح في الشرع الإسلامي.

 

فقضية عمر بن الخطاب يجب أن يتذكرها البرلمان هنا وهو كونه عندما أدخل يده في طعام يباع في الشارع فوجد في آخره بـللا يفسده فقال لصاحبه ما هذا؟ قال له: أصابته سحابة فقال له: هل لا جعلت البلل في الأعلى ليراه المشـتري، فكذلك على النواب أن يجعلوا التصويت على تـغـيـير العلم والنشيد له جلسة خاصة به وحده وعليهم كذلك أن يعـتـقدوا ساعة تصويتهم عليهما بالموافقة أنهم لا يمثـلون إلا أنفسهم، وهذه المعلومة يمكن للنواب التأكد منها باستماعهم إلى ردود الأفعال من المواطنين الخاصة بتعديل العلم والنشيد فعلى النواب أن يقوموا باستـقراء في الموضوع من جميع الولايات ومختـلف فئات الشعب ليصوتوا على بـينة من أمرهم ونيابتهم عن الشعب، ويتـذكرون أن جميع فئات الشعب عند ما كان يرفع العلم أمامها تقف له تـلقائيا وتقديرا له بأنه العلم الوطني الذي تعايشوا معه من الاستـقلال وحتى الآن، وكذلك إذا سمعوا نغمات النشيد الوطني يقفون بمجرد السماع له إعجابا به وتـقديرا لما يحث عليه من التمسك بالإسلام وأوامره، أما إذا تـغـيرا فسوف يكون لهذا التـغـيـير نقصا في التقـدير والإعجاب ومثبطا عن الوقوف لهما بنية تعـبـر عن ذلك.

 

وأخـيـرا فأقول اللهم اختـر لنا ما هو خير لنا ورضنا به، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.