على مدار الساعة

 للإصلاح كلمة تسأل: ماذا بعد إلقاء القبض على قـتلة بن برو ؟       

19 مارس, 2019 - 17:48
بقلم الأستاذ / محمدو بن البار

كلمة الإصلاح تحاول الآن في كلمتها أن تقض مضاجع القادة والرؤساء والملوك المسلمين لتذكيرهم بما ينتظرهم يوم القيامة من عذاب مهين نتيجة عدم تطبيقهم لشرع الله فوق أرض الله على عباد الله.

 

يقول تعالى مخاطبا جميع من مكن الله له في الأرض من المسؤولين {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} وعلى رأس الأمر بالمعروف إقامة حدود الله طبقا للشرع بين عباد الله يقول تعالى {تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله ندخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده ندخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين}.

 

ويقول في قضية القتل خاصة {ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب لعلكم تتقون} وهنا خاطب أولى الألباب أي أصحاب العقول الذين يخافون حسابه يوم القيامة، فأولو الألباب يعنى البصيرة التي تنظر إلى مصيرها الذي لا محيد لها عنه.

 

فكلمة: ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب: جاءت بعد قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد} الخ الآية.

 

فهذا الأمر يساوي بالضبط قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} في وجوب الصوم .

 

أما تفاصيل أنواع التماثل أو الاختلاف في القصاص فهو موضح في التفسير الفقهي للآية، وأكثر تفسيرها جاء واضحا في الفقه بالأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

فالمعروف أن الآيات القرآنية نزلت بلسان عربي يخاطب البشر كخطاب بعضهم لبعض في فهم الألفاظ فلا غموض ولا تأويل إلا بنص شرعي آخر وإلا فإن الألفاظ القرآنية سيحاسب المرء على ما يفهم من فحواها العربي.

 

فقوله تعالى {السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله} وقوله تعالى {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} إلى آخر الآية وأمثال هذا من الأوامر الواضحة في تطبيق هذا التشريع تخاطب من؟

 

فالقرآن لم ينزل على الملائكة ولا على الحيوان ولا الجمادات لتطبيقه على أفرادها، كما أن شمول دعوته للإنس والجن لم نعلم نحن الإنس كيف تطبقه الجن لعدم رؤيتها، ولكننا نعلم كيف نطبقه نحن الإنس على أنفسنا أو نرفضه تحت أي عذر كان لنستعد من وراء هذا الرفض أو الترك للعذاب المهين الذي لا مرد له من الله.

 

ومن هنا سوف نحشد للقارئ الكريم الآيات التي تنص بصراحة على تطبيق أحكام العقوبة الشرعية على عباد الله من طرف من مكن الله له في الأرض.

 

فهناك آيات تتعلق بفعل من لم يحكم بما أنزل الله ووصفهم بأنهم: كافرون ـ ظالمون ـ فاسقون ولكن هذه الآيات فيها كثير من البحث والتأويل نترك ذلك جانبا ونورد نص الآيات الأخرى الظاهر فحواها.

 

يقول تعالى مخاطبا رسوله ومعلوم أن خطابه للرسول بالأوامر العامة خطابا لنا نحن أمته صلى الله عليه وسلم يقول تعالى {وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك} وهذا يعنى أن جميع ما أنزله الله من الأحكام مطلوب تطبيقه، ويقول تعالى {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدون في صدورهم حرجا من ما قضيت ويسلوا تسليما} وهذه الآية نصها قد تضمنه أيضا قوله تعالى {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا واطعنا} إلى آخر الآية.

 

فإيراد هذه الآيات ووضوحها يكفي لإقناع من مكن الله لهم في الأرض وأصبحت أوامره هي المنفذة ولو على قليل من عباد الله ـ أن يطبق عليها أحكام الله في كل ما شجر بينهم ـ فإذا لم يفعل فإن عقاب الله له بالمرصاد.

 

ومن هنا أنبه السادة الرؤساء الذين مكن الله لهم في الأرض أن عدم تطبيقهم لشرع الله على عباد الله وفي نفس الوقت ارتياحهم لمسؤوليتهم المطلقة على الشعوب الإسلامية، وتمكنهم من التصرف في جميع ممتلكاتها العامة وعدم قدرة أي شخص آخر على التدخل لديهم، فهذا يشبه تماما قدرة اللصوص على تنفيذ عمليتهم وهم أحرار ساعة تنفيذها، فاللصوص ساعة تنفيذهم لجريمتهم ولا يوجد بجانبهم إلا الضحية الذي يتصرفون فيه كيف شاءوا لا حول له ولا قوة يفرحون ويمرحون.

 

فهذا بالضبط يشبه الرئيس أو الملك الذي يدخل ويخرج كيف شاء وتنفذ أوامره ـ إلا أنه بعد موته مباشرة يتـنزل موقفه مثل موقف اللصوص الذين تم القبض عليهم فلحظتهم الأولى وهم مغتبطون بقوتهم على الضحية، ويجلسون أمامه لتقسيم الغنيمة وهي مال الضحية الذي لا يستطيع النطق أمامهم فكذلك الرؤساء والملوك في حياتهم مبسوطين من سيطرتهم على الجميع إلا أنه بعد إلقاء القبض عليهم بعد موتهم مباشرة كما قال تعالى {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون}.

 

فإذا كان هذا الرئيس أو الملك ظالما في شأن ربه سواء بعدم تنفيذ أحكامه أو أي ظلم مادي آخر لفرد أو أكثر أو امة فما ينتظره في تلك الساعة التابعة لموته مسطر في كتاب الله يتلى آناء الليل وأطراف النهار يقول تعالى {وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل} ويقول تعالى {وترى الظالمين مشفقين من ما كسبوا وهو واقع بهم} إلى آخر كثير من الآيات الواضحة الدلالة قريبة المعنى الموجهة لكل أفراد الأمة والخاصة منها بالقيادة للأمة المسؤولة عن تطبيق الشرع الإسلامي وأحكامه سواء سمي أحكاما جنائية أو أحكاما مدنية في الأحوال الشخصية.

 

فمثلا ما هو الفرق بين قول الله تعالى في وجوب تطبيق الأحكام {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله} وقوله تعالى {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} فالحكم الأول إن لم ينفذ قطع اليد فستسرق كثير من أموال المسلمين كما هو مشاهد، وإن نكح الرجل المرأة بعد ثلاث تطليقات فيكون هذا النكاح زنى ولا يترتب عليه أحكام النكاح الصحيح، وهنا يقول تعالى يخاطب قادة المسلمين {واحذرهم أن يفتـنوك عن بعض ما أنزل إليك} إلى آخر الآية .

 

وإن أكبر الكبائر وهو عين الانتحار الأخروي بمعنى رمي الرئيس أو أي قائد لنفسه مباشرة في نار جهنم خالدا فيها وله عذاب مهين عندما يلقي أحكام الله المنزلة في كتابه وإبدالها بشريعة أخرى متذرعا من الخوف من المجتمع أو محاكاة لقوانين الذين لا يؤمن أهلها بلقاء الله، يقول تعالى {وترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين}.

 

ومن جهة أخرى، فإني أذكر الشعب الموريتاني أن جميع قوانين الجنايات الإسلامية هي مقننة أمام القضاة من عهد الرئيس هيدالة أطال الله عمره في صحة جيدة وأجازه على فعله ذلك بعد موته مباشرة بأعلى الفردوس.

 

وبوجود هذا التقنين مكتوبا فعندئذ تنتهي مسؤولية الشعب بطلب تـقنينه وتبقي المسؤولية على القاضي بالحكم به وبعد ذلك على الرئيس تنفيذ حكم القاضي به وإلا فلينظر الرئيس بعد موته مباشرة هذا التأنيب {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغـنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين}.

 

فالأحكام الشرعية المطلوبة تطبيقها على عباد الله واضحة في القرآن وموضحة في الفقه ومكتوبة في التقنين فلم يبق إلا شقاوة الإنسان في رئاسته للمسلمين أيا كان عددهم ولم يهده الله إلى تطبيقها وهو يستمع إلى قوله تعالى {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما يذكرون}.

 

وبناء على طلب تنفيذ أحكام الله على عباد الله فإني أذكر المواطنين بمسيرتهم التي توجهت إلى إدارة الأمن بعد الجريمة تطلب وتتظاهر على هيئة الشرطة أنها قصرت في البحث عن المجرمين، والآن قبضت الشرطة على المجرمين، فأين نتيجة هذا العمل الوطني وماذا يعود على المواطنين منه إن لم تنفذ حدود الله أمام عباد الله في مجرمي القتلة الجناة.

 

وفي الأخير فإن ملخص هذا المقال هو ما يلي:

أولا: أن أحكام الله أنزلها في كتابه المحكم لتطبيقها على عباده ـ ومن لم يقم بذلك فإن وقوفه أمام الله وهو متلبس بهذه الجريمة ينتظره ما ينتظره ولو كان في الدنيا يفرح ويمرح.

ثانيا: أن المسؤول عن التطبيق هو من مكن الله لهم في الأرض بسماع أقوالهم وتنفيذها.

ثالثا: القوانين الموريتانية الإسلامية موجودة مقننة من عهد الرئيس هيدالة وهي حجة الآن على كل من لم يطبقها.

رابعا: معلوم أن المواطنين تظاهروا على الأمن طلبا لإلقاء القبض على المجرمين ـ فها هو الأمن قد قبض على المجرمين فأين التنفيذ الذي هو النتيجة، والله يقول: {ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب لعلكم تتقون}.

   

محمدو بن البار