على مدار الساعة

 للإصلاح كلمة: مفتوحة لقراءة العسكري المترشح للرئاسة

20 فبراير, 2019 - 01:48
بقلم الأستاذ / محمدو بن البار

كلمة الإصلاح دائما تتجاسر على الكتابة في الشأن العام، لأنها وإن كانت تنتمي لحزب خاص فهي لا تنتمي منه إلى موالاة ولا معارضة بل تنتمي فقط إلى مضمون قوله تعالى {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}.

 

وفي نفس الوقت لا أدعى أن ما أكتبه هو الحق عند الله ولكني أدعي "والله هو علام الغيوب" أني لا أكتب إرضاء لزيد ولا لعمر ولكن للبحث عن الحق الذي يرضى الله.

 

ولذا لا تكون كتابتي إلا في الشأن العام الجامع لمسؤولية كل مسلم عن المصالح العامة للمسلمين وذلك لا يكون إلا بالحكمة والموعظة الحسنة.

 

وبناء على ذلك فإني أوجه هذه النصائح على شكل بلاغات متتالية ليتولى السيد العسكري المترشح نشرها على المواطنين الموريتانيين.

 

فلغة البلاغات هي اللغة التي يختارها دائما الجيش لإيصال الأخبار الجديدة عن طريقها ولا سيما من له تجربة ناجحة في ذلك ولله الحمد وهي كما يلي:

 

البلاغ رقم 1: يخبر المترشح العسكري الذي صحح اسمه أخيرا بمرسوم أنه يترشح باختياره الحر من غير إملاء أي أحد ومترشح لجميع الموريتانيين، فليس مرشحا من طرف الرئيس الحالي ـ لأن الرئيس الحالي لا يجوز له أن يرشح أحدا بل يكون فقط منتخبا له بصوته الوحيد ولا يجوز له القيام بحفل يرشحه فيه لأن ذلك يعد حملة قبل أوانها وهو ما زال يرأس السلطة التنفيذية.

 

ففقرة الترشح في الدستور في المادة: 26 تقول: "كل مواطن مولود موريتانيا يتمتع بحقوقه المدنية والسياسية إلى قول الدستور : مؤهل لأن ينتخب رئيسا للجمهورية".

 

وعليه فلا يحتاج إلى رئيس أو حزب ولا موالاة ترشحه بل أطلب من جميع الموريتانيين المخلصين كل الموريتانيين أن يصوتوا لي بعد ترشحي الذي لا أقصد به إلا المصلحة العامة لجميع هذا الشعب الكريم الذي يستحق كله الإكرام والتقدير.

 

البلاغ رقم 2: بما أن على كل رئيس أن يصرح عند نجاحه بممتلكاته ـ فأنا أصرح مع ذلك بعلاقتي مع هذا الرئيس المنتهية ولايته، والذي تكثر الموالاة من ذكر علاقاتنا وعمقها وتنوعها، فلا شك أنه زميلي ورفيق دربي كما تقول الموالاة ومعجب به ولكن كل ذلك خارج نطاق العمل العام لموريتانيا ـ فبما أنني لم أتدخل له في حياته الرئاسية فسوف لا يتدخل لي هو كذلك، بل سوف أطلب منه الابتعاد مني داخل التسيير العام ولو في السنة الأولى على الأقل خوفا من الشبهات.

 

البلاغ رقم 3: أصرح للجميع أن ما يقال له الموالاة والمعارضة وما يمت إليهما بصلة فهو تحت قدمي هذا من يوم نجاحي وأرجو أن يستعد الجميع لذلك.

 

فلا معنى للوطن الواحد أن يكون الرئيس وجهه لجهة واحدة من المواطنين ولا يمكنها أن تشير إليه بأي رأي لأنها موالاة إلا بالإشادة بأقواله وأفعاله وتزكيتها له علنا بكل الألفاظ المبتذلة التي لا تصدر عادة من المثقفين.

 

أما الجهة الأخرى فيليها من الرئيس قفاه ويكفيها منه عدم سحب بطاقة مواطنتها الموريتانية، أما انتفاعها بشهادتها داخل موريتانيا فتلك عنقاء مغرب لم تولد ولم توجد.

 

فالموالاة والمعارضة نظام أحدثه الغرب وسماه الديمقراطية ولكن عنده لا تميز فيها في الحقوق الواجبة لدى المواطنين، أما العرب ونحن على رأسهم تسمينا بها ولكن لم نرعها حق رعايتها، ولا سيما أنها بدأت فينا عسكرية وما زالت كذلك ـ إلا أن بدايتها كانت لا أسنان فيها فالموالاة كانت في عهد معاوية تشتمل على عمد ونواب تقليديين مكنهم الرئيس آنذاك من خيرات البلاد ولكنهم هم وزعوها على شعوبهم.

 

فأحسن وقت عاشته موريتانيا في العدالة الحقة أيام كنا حزبا واحدا حزب الشعب كله.

 

أما موالاة هذا الرئيس فقد نفخ فيها روح كراهية الجزء الآخر من المواطنين (المعارضة) حتى أصبحت رائحة المعارضة تصيبهم بالزكام، ومن المؤسف أن ميزتهم كثرة المثقفين فيهم من ما أكسبهم ألسنة حدادا (ولا أصل إلى آخر الآية) وعملهم الدائم البحث عن الأماكن القاتلة في المعارضة ليفرغوا فيها معارفهم المكتسبة من النعوت البغيضة عند الله.

 

فعلى المترشح أن يعيد الجميع إلى مقاعد مهنته الأولى وشهادته ويقول له ففيها فجاهد وأنتج ووزع وأرشد وليكن لك ذكر داخل ما اخترت من الشهادات.

 

ومثل ذلك أو ضعفه يقال للمعارضة ـ فالمعارضة في الديمقراطية ليست معارضة لأشخاص بمسمياتهم ولكن معارضة الفعل الخاطئ في تسيير الدولة، ومعارضته بالتوجيه والمناقشة والتحليل بوضع المقدمات واستخراج النتيجة.

 

البلاغ رقم 4: فهو خاص بعمل هذا الرئيس الحالي فلا شك أنه أسدى إلى موريتانيا كثيرا من الانجازات لا يستطيع غيره إنجازه في ظل تركة الأحداث التي عاشتها موريتانيا، فقد بدأ بقضيتين إيجابيتين فوضع اليد على مال الدولة عن نهب المفسدين وبدأ في كثير من إنشاء البنى التحية الاقتصادية والثقافية، وهذا في سنواته الخمس الأولى المشروعة زائد مدة الغصب قبلها.

 

ولكن مقابل هذا وضعه لنفسه كأنه الفاعل وحده لهذا من ألفه إلى يائه فقد خصص جميع رجال موريتانيا إلى نوعين:

- نوع للتصفيق له فقط إشادة بهذا الإنجاز الرائع فعلا،

- ونوع لم يقبل التصفيق فهم طابور خامس عنده يجب القضاء عليه بحرمانهم من هذا الإنتاج الشخصي المحدد مصدره، وقد نتج عن هذه الأحادية المفرطة ما يلي:

 

أولا: قال إنه سيكون رئيسا للفقراء وفعلا صادقا آنذاك كان هو فكره ولكن من ذلك الوقت نسي الفقراء تماما فلم يبق معه ذكر لهم حتى انتهت مدته ولقي من لقي ربه من الفقراء بصمت وهدوء.

 

فحتى المواد الخاصة بالفقراء وتكفيهم لمسك رمق الحياة داخل أجسادهم لم ترد فيها فكرة ولا اقتراح يساعد الفقراء على حياتهم.

 

ثانيا: هذا الانجاز العظيم الذي قام به الرئيس في موريتانيا لم يتناول إلا الأمن الخارجي فما يطلق عليه القوات المسلحة سواء عملهم في الداخل مثل الدرك والحرس أو عمله في الحدود أو الرئاسة أو الإدارة المدنية مثل الجيش لا شك أنه التفت إليه التفات الناصح المتلهف للإصلاح والمنفعة الخاصة ولكن مع الأسف كان ذلك على حساب المواطنين وأمنهم الداخلي، فقد وضع عمل الإدارة الإقليمية من وزير الداخلية إلى وكيل الشرطة وراء ظهره متجاهلا أو متناسيا أن هذه الهيئات هي التي أناط القانون بها حفظ النظام واستتباب الأمن ونشر السكينة والهدوء في الدولة ـ والعمل خارج القانون لا فنية له ولا دوام له ولذا كثرت الجرائم وتنوعت قولا وفعلا حتى كاد الوضع أن يخرج عن السيطرة وأصبح الكثير يفكرون أين المفر؟ فلولا تعيين المدير الجديد للأمن الذي هداه الله إلى تعيينه وكان من طبيعة هذا المدير الاهتمام بالعمل والإخلاص فيه لما كانت الظروف الآن جاهزة للانتخابات بل أولى أن تكون جاهزة لإعلان حالة الطوارئ، وأصرح هنا للجميع أن هذا لم يكن عن سوء نية ولكن وقع بسبب رسوخ الأحادية وتمركزها داخل الجسم وعدم استشارة أي أحد.

 

ثالثا: وضعيتنا في الخارج فلا شك أن هذه الأحادية الراسخة أعجبت الخارج بأفكار مختلفة ولكنها متفقة على أننا أصبحنا دولة بل وقوة يحسب لها حسابها.

 

وأمثالها من الأحادية المزعجة الذين رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها اهتموا بنا كقوة تساندهم في أحاديتهم ومع الأسف فعلنا ذلك وإمعانا في حذف وجود إرادة للشعب الموريتاني ذهبنا معهم نسالم من سالموا ونقاطع من قاطعوا ولم نستفـد من التركيز والتأني في سلطات المغرب العربي المجاورة لنعمل مثلهم.

 

أما الآخرون فإعجابهم بقوتنا يريدونها لمصالحهم في المنطقة وأما الأفارقة فلشعورهم دائما باليتم من الزعامة الراسخة ظنوها فينا ووجهوا أنظارهم إلينا.

 

والذي يؤسف له حقا أن المصير الأبدي القريب وجهت له هذه الأحادية إيجابا في إنشاء وخلق الأدوات الكثيرة الخارجة عن العمل الشخصي إلا إذا كانت النية ـ وسلبا في الأفعال النافذة غير المحسوبة آثارها الأخروية.

 

وملخص فهم بعض الناس لرئاسة هذا الرئيس من ناحية الإنجاز أنه أنجز كثيرا في البنى التحتية بجميع أنواعها، أما من الناحية الأمنية فقد أنجز كثيرا في الأمن الخارجي على حساب الأمن الداخلي وبذلك انفلت الأمن انفلاتا اتسع فيه الخرق على الرقع فظهرت الشرائح بأنواعها وانطلقت الألسن الجارحة للوحدة الوطنية وكثرت التكتلات المناوئة للهدوء إلى آخره، وبذلك تأكد البعض أن لا تصح من هذه السلطة مأمورية ثالثة.

 

البلاغ رقم 5: وهو آخر البلاغات وهو أخطرها لأنه فحوى قوله تعالى {يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله} إلى آخر الآية وقوله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما آريك الله ولا تكن للخائنين خصيما}.

 

هذا البلاغ يوضح أن ما هو قادم عليه هذا المترشح لا يحسده عليه أي مسلم يحفظ قوله تعالى {فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة} إلى قوله تعالى {يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية} إلى آخر الآية.

 

فمسلم قادم على تحمل حقوق العجزة والفقراء وتطبيق شرع الله في عباد الله على أرض الله ومع ذلك تتناوشه في الدنيا حقوق الإنسان الدولية والموالاة النفعية ودول الخليج الباغية والأوربيون الدنيويون الماكرون ـ وهو بجانبه رئيس ينعت بأنه رفيق دربه ووارث سره ومنفذ أوامره وامتداد لانجازاته ومع ذلك كله يقول له المولى عز وجل {وقفوهم إنهم مسؤولون ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون وأقبل بعضهم على بعض يتلاومون} ويقال لهم في آية أخرى {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون}.

 

إن مسلما ينتظره هذا فسوف لا يحسد عليه من تيقنه بقلبه ويتيقن كذلك أنه لا يحول بينه وبين هذه المساءلة المصيرية إلا الموت الغائب وقتها مع أسبابها.

 

ونلخص هذه الكلمة في النقاط التالية:

أولا: جميع التحركات التي يجري الإعداد لها من طرف الرئيس والدولة والموالاة لترشيح العسكري هي غير مشروعة ومثل ذلك كل المترشحين إذا وجدوا لأن الحملة محدد وقتها.

ثانيا: هو مترشح من تلقاء نفسه بالإرادة الحرة، فإذا كان هذا رفيق دربه وزميله في التكوين ورفيقه في السراء والضراء فلن يكون أبدا رفيق دربه بعد الموت {يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون إلا من رحم الله}.

ثالثا: اقترح على هذا المترشح أن يستعين في رئاسته بأخذ إيجابيات الرؤساء القدماء: فيأخذ من الرئيس المختار بن داداه عفته وإخلاصه وعدله ويأخذ من الولاتي إيمانه ولباقته وحسن خلقه ويأخذ من هيدالة خوفه من الله وتيقنه للقائه ورفض الحوادث لأجله حيث استدعى العلماء وقال لهم كل قضية كتبتم فيها أنها حكم الله في هذا الشعب أوقع عليها، وعروبة معاوية قبل الأحداث وأثناءها وشخصية وعزم محمد ولد عبد العزيز دون رفض رأي الرجال الآخرين.

رابعا: حان للموالاة أن تتقاعد عن تفرقة المسلمين الموريتانيين وأن تتقاعد عن الفصل بين الإشادة بالمعروف والصمت المطبق عن المنكر والله قد جمع بينهما في قوله تعالى {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}.