على مدار الساعة

ماذا عساه يكون إن لم يكن ظلما؟

8 يناير, 2019 - 15:02
الولي ولد سيدي هيبة ـ كاتب صحفي

اجتماعات قبلية معلنة تضرب لها الخيام وتنحر الإبل ويصدح بالشعر "التمجيدي" على أنغام موسيقى الحروب الكلامية "السيباتية"، لينحسر كيان الدولة في اللحظات تلك داخل فضاء التظاهرة المبتذلة الضيق المشحون بالعنتريات والهلالية الأسطورية، وكأن الأمر عادي لا يعارض روح الجمهورية. وبكل جرأة يتحدث الوجهاء والناطقون باسم القبيلة ومعهم أبناؤها من المسؤولين الكبار في دوائر الدولة و رجال الأعمال النافذين في المال العام، و "المثقفين" الرجعيين المرتكسين، يتحدثون جميعهم عن مكانة القبيلة التاريخية في فسيفساء المجتمع الطبقي و يؤكدون - وذا بيت القصيد ـ على ضرورة أن تبقى القبيلة في الصدارة:

 

·        تحظى بجزء من النفوذ و الحضور والمشورة،

·        والصفقات والوظائف العليا التسييرية والقيادية،

 

في ظل أي نظام يحكم وبوصفهم من الفاعلين في قيامه ودوامه.. فماذا نسمي ذلك إن لم يكم يندرج في صميم تكريس بقاء الظلم السيباتي؟

 

وماذا نسمي أن يتخرج طلاب في نفس السنة ويكتتب البعض منهم بجرة قلم، و عبر مكالمة هاتفية، و برسالة محمولة، و عن طريق مصاحب، إن لم يكونوا قد اكتتبوا قبل التخرج ويتقاضون رواتب، فيما يبقى الآخرون سنوات تزداد بهم طوابير الخريجين العاطلين من أمثالهم وأقرانهم، لا وساطة ناجعة لهم من:

·        وجهاء نافذين في قبائل قوية،

·        أو ضباط سامين،

·        أو سياسيين مشاكسين،

·        أو متزلفين،

·        أو رجال مال من المتنفذين من أصحاب صفقات المال العام،

·        أو نساء صالونات مؤثرات في قرارات الرجال؟

 

ما عسانا نسمي هذه الحالة البالغة الانتشار تحت غطاء العشائرية والقبلية والتحالفات التقاسمية، معلنة وغير معلنة، وكذلك عبر الطبقية الإثنية و المحاصصة الشرائحية؟ إن لم يكن الأمر ظلما وإقصاء، فما عساه يكون؟

بورصات على مد البصر في كل أحياء العاصمة الراقية تغص بكل أنواع السيارات الرباعية والأخف وزنا لم تركبها ورش محلية ولم تحمل بعد أرقاما وطنية؛ ملاكها:

·        وزراء وموظفون سامون،

·        ونساء مدللات،

·        وشبان لم يبلغوا بعد سن الحلم، لم تخرجهم جامعة ولا معهد عالي،

 

لهم اليد الطولى على الجمارك وحراس الحدود وأرصفة الموانئ، يُدخلون ما يشاؤون بغير حساب. سيارات لا يقتنيها من دون أوراق مستعجلة إلا المترفون، ينظفها نهارا عمال من العامة ويحرسها مثلهم ليلا. 

وفي الأطراف حيث الأحياء الشعبية يختنق المارة بدخان عوادم السيارات التي لفظت أنفاسها مرات ومرات، يسوقها مغلوبون على أمرهم، ترهقهم شرطة مرور تتقاسمها أوامر صارمة بالطاعة ونوايا طمع في بعض رشا المخالفين... إنه الوجه الآخر لازدواجية الواقع... تجاوز لا يحاسب ومحاسبة لا تتجاوز. أو ليس في هذا كيل بمكيالين؟ وإن لم يكن الأمر ظلما فما عساه يكون؟

ما زال الاكتتاب في الاعلام الرسمي يجري على أسس انتقائية متعسفة تمليها الوصايات:

·        من دوائر النفوذ الاجتماعية التقليدية القبلية والعشائرية،

·        والسياسوية الاستخبارية والعسكرية،

·        و بعض الصالونات المخنثة.

 

كما تحصل الترقيات والتصفيات كذلك بذات المعايير حتى كادت تفرغ الاعلام من المهنيين وأصحاب الضمير الناصع والكلمة الراقية، الهادفة والراصدة البناءة، وتحشر في كل زواياه أصحاب اللسان الارتكاسي. فماذا نسمي هذا؟ وإن لم يكن ظلما فما عساه يكون؟