على مدار الساعة

ذكرى

28 نوفمبر, 2018 - 17:26
اعل صالح ولد أكليب

يخنقني غبار الماضي... أتعثر دائما بحجار متراكمة من الماضي.. أحاول إغلاق أبوابه لكنها تبقى مفتوحة وتأبى الانغلاق.. لتهب منها رياح الذكرى.. تعانقني الذكريات لا أستطيع أن أتركها لعالم النسيان لكن لا بد ليوم سيأتي ويزيل غبار الماضي بنسيم الحاضر.. بهوائه البارد... لـــكن هناك ذكرى باقية في القلب منقوشة على جدرانــه.. إنها ذكرى تكبر معي وتبقى معي وتصاحبني دائما..

 

إنها ذكرى عيد الاستقلال التي مهما مضى الزمن ستبقى تعانق روحي وتداعبها...

 

في ذكرى الاستقلال نرفع جبيننا عاليا ونمشي على تراب طهور متعطر بأرواح شهداء معارك خالدة ونلوح بأيادينا عاليا فرحين بوطن الصمود وبلد العز والفخر.

 

فالاستقلال هو حجر العقد في بناء الدولة ومحور الهويّة الوطنيّة وجوهر كرامة المواطن فلنصنه ونحمه من الهجمات المسعورة للإطباق عليه ومحو معالمه الفريدة.

 

فالشعوب لن تنضج، وتتسع مطامحها لبناء حاضرها ومستقبلها، إلا من خلال استحضارها لتاريخها في مختلف منعطفاته، ومقاربة لحظاته النضالية، ومعاركه من أجل البقاء والاستمرارية، وإبراز كينونته المميزة بين الأمم، واستخلاص العبر من مختلف محطاته، تكريسا لما في اللحظات الماضية والحاضرة من قوة جذب باتجاه مستقبل يسعى للأفضل.

 

إن تخليد ذكرى الاستقلال المجيدة يعد مناسبة لاستلهام ما تنطوي عليه هذه الذكرى من قيم سامية وغايات نبيلة، لإذكاء روح الإخاء بين كافة مكونات المجتمع، وزرع روح المواطنة، وربط الماضي التليد بالحاضر المتطلع إلى آفاق أرحب ومستقبل أرغد، وخدمة لقضايا الوطن، وإعلاء صروحه وصيانة وحدته والحفاظ على هويته ومقوماته، والدفاع عن مقدساته، وتعزيز نهضته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

 

ذكرى تتفجّر فيضاً من الزخم في وجدان أجيالنا الصاعدة فتحفّزهم على بزّ أسلافهم في التضحيات والبطولات الفريدة.

 

ذكرى تتجسد في لا شعور الشعب الموريتاني، والذاكرة الجمعية حيث تجعل الذكريات التاريخ يتوقف لنراه، فنعيش لحظات الغياب بعين اليقين، وكأنها لحظات حضور مبين فنستشعر من خلالها ما تكبده هذا الشعب من صنوف العذاب، فتلتهب فينا مشاعر الحماس الممزوجة بتوجس وخيفة، من أن يُقهَر هذا الوطن أو يُداس.

 

غير أننا لا نود أن تتحول هاته النوستالجيا من نعمة إلى نقمة، فيبقى شبابنا يعيش على أطلال الأجداد، وكأن المجد فيهم قد بُعث وعاد، بل على الشباب أن يجعل هاته العواطف الوطنية وقودا لأجل البناء وسلما لبلوغ سامقات العلياء، فلا يتحول الافتخار إلى شعور مغرور بالرضا والاكتفاء.

 

يقول الباحث اللبناني طارق زيادة: "إنّ المفهوم النهضوي للحرية انحصر في فكرة الاستقلال السياسي، ولم يتعدّه إلى أعمال النقد والتشريع والتفكيك في عرى بنيتنا، فضحل مفهوم الحرية وبات قاصرا، بل وأعدنا إنتاج فكرنا ذاته تراثيا أو غربيا ونحن في غيبوبة من شدة الرضا عن النفس". فالدولة المستقلة حديثا حتما ستواجه تحديات معقدة، وسيناريوهات متجددة قد تعود بها إلى نقطة الصفر، فهي تماما كمريضٍ يُخشى عليه الانتكاس، ويحتاج إلى تقوية جهاز المناعة بالتفكير، الحكمة والتدبير، فاحتفاظ الدول حديثة الاستقلال بما تحقق من إنجازات بطولية، مرهون بما تمتلكه من رؤية نخبوية استشرافية... ما أحوجنا في هذه الظرفية إلى رجال وطنيين همهم الوحيد بناء الإنسان والوطن كما هو الحال للجيل الذهبي المؤسس... جيل المختار ولد داداه وحمدي و لد مكناس وغيرهم... جيل لا ينظر بمنظار عسكري، ولا يأكل رغيف الفقراء ويبيع لهم الوهم.. نحن اليوم في أمس الحاجة إلى مثقف عضوي حسب المفهوم الغرامشي... يرتبط ارتباطا حيويا بمجتمعه ويحمل قضاياه وهمومه... فالمثقف هو صانع الأفكار ومروجها وهو الشخص الذي يعمل طوال حياته على الارتقاء بالأفكار ومن خلالها داعياً إلى الفضيلة والمثالية والارتقاء وكاشفاً عن المساوئ والأخطاء التي يرتكبها النظام السياسي...

 

لحظتها نلتحق بالركب الحضاري المتسارع.

 

كل ذكرى والشعب والوطن بألف خير.