على مدار الساعة

لحْراطِينْ بَعْدَ 58 عاماً من الاستقلال

27 نوفمبر, 2018 - 10:17

وثيـــقةُ

الاقصـاء الاقتصادي الممنهج

الاستقلالُ يعني الحرية، والحريةُ تعني الانعتاق، والانعتاق يتضمن الديمقراطية والعدالة واحترام حقوق الانسان. لكن استئثار مُكونـة واحــدة؛ بخيرات ومقدرات و مآلات البلاد والعبــاد يعني أن لا شيء من كل هذه العناوين يمكن تحقيقه؛ فالقبلية والعبودية والعنصرية تظـل النقيض الطبيعي للمُواطنة الكاملة والتَعايش والمُساواة بكل المقاييس، إنه بعــد ثمانٍ وخمسينَ سنـةً من استقلال موريتانيا لا يزال بإمكان المـرء أن يُقرر مصير غيره انطلاقاً من أصله وشريحته ولونه فهل يمكننا والحالـة هذه؛ إلا أن نتكلـمَ عن استقلالٍ ناقصٍ بل وغير مكتملٍ البتة؟.

في الثامن والعشرين من نوفمبر 1960، كان إعلان إنزال علـم فرنسا إيذانا بميلاد أمـةٍ، يفترض أنها حـرةٌ ومستقلةٌ ومتعايشة، وهو ما عُبِرَ عنه باستقلال الجمهورية الاسلامية الموريتانية؛ علـى مساحـة بكرٍ تناهزُ المِليُون والثلاثينَ ألفَ كلمترٍ مربعٍ ملئ بالخيرات والثروات والمعادن الثمينة التي لم تكتشف أو تستغل بعـدُ (الحديد، الغاز والنفط ومصادر الطاقـة، وشواطيء مليئة بمصائد الأسماك، و أراضٍ خصبة، وثروة حيوانية..)، بالإضافـة إلى ساكنةٍ مُتعددة الأعراق والأصول و الاثنيات؛ كان أغلبهم بَـدْوٌ ورحـلٌ إلى جانب سكان الواحات فـي وسط البلاد والمزارعين على ضفاف النهر، وفي الواقـع أعْلِنَ عـن قيام الدولة التـي تُحابـي و تتَوَاطؤُ مع البعض وتقصي وتهمش أهم المكونات، فبقـي الوطـن مهزوزا ومترنحا لأنه تنكر منذُ البدايـة لأدوارِ وجهودِ أهَم أضْلُعهِ وقَوائمهِ التي قُـررَ نيابـة عنها قبل أن يَجَرِى إستبعادها من المشاركة السياسية ثم إقصاؤُها لاحقا من الثروات والخيرات العميمُ نفعها على مكون واحد، يُغيب ويُقصي لحْراطينْ وغيرهم من فئات الهامش.

بعـد ثَمانٍ وخمسين سنـة ساهـمت إدارة الاقتصاد الوطني ـ وكما يعلم الجميـع ـ في تركيـز الثروة لدى نخبـة من مجتمعِ البيظان و رجالات القبائـل الذيـن سمحتْ لهم الدولة بالاحتكار والسيطرة على الصفقات والقروض والايراد والتصدير، ووفرت لهم ـ خارج قواعد الشفافية وتساوي الحظوظ ـ فرص الاستثمار والتمثيـل، والتشغيل، فطفقوا يستأثـرون بكـل الأدوار الاقتصادية والتجارية والاستثمارية في بلادنا، ولحمايـة هـذه الطفـرة المُستجدة جرى تعضيدُ هؤلاء عبر الحقب والعقود من قبل إدارة سياسية تتعمد إجـراء التعديلات والإصلاحات الاقتصادية التـي تُوافق مُقاربات التغييبِ والاقصاءِ المُمنهجِ للأغلبيـة الساحقة من شعبنا، وخاصـة لَحْرَاطِينْ ويستمر، هذا الاقصاء مع ادخال بعض الاصلاحات الشكلية على شكـل " استراتيجية وطنية للنمو المتسارع والرفاه المشترك"؛ والتــي لن تصـل سنة 2030، حتــى يكون التخلف والتجهيل والتفقير قد استبد وتحكم بمن تبقـى من لحْراطينْ خاصـة، ومن في حكمهم من المُهمشين.

داخل اوساط لحْرَاطينْ لا يوجـد أثـر اجتماعي ناجع أو اقتصادي نافـع لهذه السياسات؛ بــل إن أضرار الاستراتيجيات الوطنية على هذه الشريحـة باديـة للعيان وواضحـة لكل مهتم او مدرك للمجال؛ وللتدليل على ذلك، فأنشطة القطاع غير المصنف التي تمثل اقتصادا موازيا يعْتاشُ منـه أبناء فئات الهامش تعرضت للإهمال بل وللتدمير المتعمد وتجاهلت الحكومات المتعاقبة تطوير منتجاتها (حرفيون وصناع تقليديون، مُنمون وعمال شحن وتفريغ، أو جزارون ...الخ)، كما لم تشمل الحمايـة الاجتماعية المشتغلين في هـذا المجال، انه وبالموازاة مع هذه الحقيقة؛ يجري تسخيـرُ مؤسسات الدولة لصنـاعة طبقة من رجال الأعمـال هي في الأغلب الأعم من طبقة ومكونة واحـدة؛ أما بقيـة مُكونات موريتانيا من بُولار وسُونْنكي ووُلوفٍ فقـد تم نهب ومصادرة و إفـلاس ممتلكات رجالات اعمالها إبان احداث 1989 الأليمة. وبهذا يكون الواقــع المؤلـم والمفجع هـو أن بلادنا، لـلأسف لـم تحقـق خلال 58 سنـة سوى تركيـز الثروة لدى مكون واحد، فيما بقي المواطنون الآخرون يعيشون على هامش السياسات العوراء حيث الفشل والغَبَنُ والمجهول.

أما البرامج ومشاريع التمويل والقروض كصندوق الإيداع والتنمية ووكالـة التضامن وصناديق القرض الشعبي والزراعي والصيد البحري فإنه لم يعد لها من دور سـوى تعميــق الاختلالات الاقتصادية بين فئات الشعب حيث باتت المانح الأول للتمويل والدعم على أساسات عرقية وجهوية وقبلية؛ وبطبيعـة الحـال فمصير المُتقدمين إلى هـذه الصناديق من شباب مكونـة لحْراطينْ أو المتقدمين لها من مقاولي هذه الشريحـة ـ إن وجدواـ هو الاحباط والصدمـة وضياع الجهد والوقت، أما عن مزاعم التمييز الايجابـي القاضية بإلحـاق الكفاءات وأهل القدرات من أبناء لحْراطيـنْ بالقطاع العام أو الخاص فإنها بقيتْ مجرد ضربٍ من ضُروب الخيال وأحلام اليقظة.

ومهما، يكـن فإن الحديث عـن الاستقلال يظل ناقصا وغير منجز ما دامت الإدارة السياسية القائمة منذ 58 سنـة تكرس مقاربـة الاقصــاء والنهب والغبـن وعـدمِ الالتجاء الى حلول مستديمة من شأنها أن تضمن الانصاف الاجتماعي والتوزيع العادل للثروة.

إن ضياعَ 58 سنة من الزمن الموريتاني قـد أدى إلى هــدرِ الطاقات الوطنية وبـدد أحلام الأجيال الشابـة حتى أصبحت عُرضـة أكثـر من أي وقت مضـى لمخاطـر المُخدرات والفَشـل الدراسي، فلم يعد أمام شبابنا من بديـل عن سلوكيات الانحراف المُفضية إلـى السجون والضياع بعـد أن سدت أمامه المؤسسات والبرامج المناسبة لتطوير مهاراتها الاقتصادية وتنمية ابتكاراته التجارية أحــرى أن تجد نفسه يخوض المنافسة الايجابية مع أقرانه من المكونات الأخرى.

ومهما، سيُبْذَلُ من الجهود الضائعـة فإن الاستقلال السياسي الذي أعلـن عنه في 28 من شهر نوفمبر سنة 1960 سيبقـى ناقصا ما دامت الانظمة والسلطات الحاكمة لا تتوفرُ على الارادة الحقيقية للارتقاء إيجابا بالتحديات الكبرى التي تواجه الدولة الموريتانية وفي مقدمتها قضية لَحْراطينْ؛ ولـذا فإن الميثاق من أجل الحقوق السياسية والاقتصاديـة والاجتماعية للحْراطِينْ، ضمن موريتانيا العادلـة والمتصالحـة مع نفسها، ليُطالب القـوى الوطنية النزيهة والغيورة على أمن موريتانيا ومصالحها أن تُضافــر جهودها للمطالبـة بإنهاء الأوضاع المأساوية للحْراطِينْ المُتناثرين علـى حواف الجوع والفاقـة والمـرض.

نستهجـنُ التمادي فـي امتصاص الخيرات والثروات المشتركـة بيــن أبناء موريتانيا، ونُعْلـنُ مضينا قدما في النضال من أجل أن تتصدر قيمُ الانصاف الأولويات الوطنيـة في بلادنا.

الميثاق من أجل الحقوق السياسية والاقتصاديـة والاجتماعية للحراطين، ضمن موريتانيا العادلـة والمتصالحـة مع نفسها

نواكشوط، فــي 26\11 \2018