على مدار الساعة

رسالة أهل ولاته إلى رئيس الجمهورية: لا مهرجان بدون ماء

12 نوفمبر, 2018 - 16:28
عبد الله ولد المرواني - مدير المرصد الفرنسي لقضايا الإسلام

خلال أيام معدودات يتوجه رئيس الجمهورية إلى مدينة "ولاته" لحضور النسخة الثامنة من مهرجان المدن القديمة.

 

تأتي زيارة الرئيس هذه المرة في ظل حصار مطبق خانق على ساكنة المدينة التاريخية، لم تحرك الدولة ساكنا لوضع حد له. يبدأ هذا الحصار من انعدام الماء الصالح للشرب، ويمر على انهيار قطاع الصحة في المدينة، لينتهي بشح المواد الغذائية الأساسية. ورغم الوقفات المتكررة التي نظمها شباب المدينة وساكنوها أمام القصر الرئاسي، فإن رئيس الجمهورية ظل ساكتا في قصره متجاهلا نداءات الاستغاثة المتكررة التي قام بها الولاتيون، ولم يدْل لهم بأي جواب في قضية إقصاء المدينة التاريخية من مشروع بحيرة اظهر.

 

وللإنصاف، يجب القول إن المشروع بحد ذاته هو مشروع طموح ولا شك أنه – بشرط أن يحْسُن تسييره - سيقضي على الكثير من معاناة سكان المدن والقرى التي طالما أنهكها العطش.

 

لكن اللافت في شأن المشروع هو منهجية تسييره، حيث أُدرِجت فيه مدن وقرى لم تكن أصلا مدرجة في الدراسة الأولية للمشروع، وهي مدن بعيدة كل البعد من البحيرة، وصعبة الربط بماء البحيرة ماليا وفنيا، غير أن لها أطرا في قلب النظام أدرجوها خلسة في مخطط المشروع! في حين أُقصيتْ ولاته رغم قرب البحيرة منها (60 كم تقريبا) ورغم سهولة ربطها بأنابيب المياه من الناحيتين الفنية والمالية..

 

وتدل هذه العبثية والاعتباطية والزبونية في تنفيذ "مشروع اظهر" على فساد عميق ينخر في إدارة المشروع وفي قلب الوزارة التي تتولى المسؤولية عنه، ولولا تغاضي قمة الدولة ومفتشيتها عن هذا الفساد لمَا اشتكى أحد من نقص الماء، ولمَا أقصيتْ "المدينة الخالدة" من أقرب منبع إليها.

 

وعلى ذكر الفساد، فإن تسيير مشروع بحيرة اظهر يجسد أكبر مظهر من مظاهر استشراء الفساد العام في جسد الدولة، هذا الفساد الذي طالما صدَّعنا الرئيس نفسُه بأنه انقلب على الحكم لأجل أن يحاربه.. لكنه لم يحاربه - كما ظهر ذلك جليا في تسيير مشروع اظهر وغيره من مئات المشاريع والصفقات العمومية- بل كرّس الفساد ودعمه وقرّبَ الضالعين فيه..

 

ما أنجز الحر ما وعد !!

لا يستطيع رئيس الجمهورية أن ينكر أن أهل ولاته طالبوه مرارا بإعادة النظر في حرمان ولاته من مشروع ظهرها، بل إنه تعهد لهم في مهرجان سابق أن مشكلة إقصاء ولاته من مشروع اظهر سيتم حلها وأن "ولاته هي من أوْلى المقاطعات بالاستفادة من مشروع البحيرة" على حد قوله. لكن هذا العهد ظل كلاما في الهواء ولم يتم تنفيذه.. وبات لسان حال أهل ولاته ينشد أمنية عمر بن أبي ربيعة في هنده:

 

ليت هندا أنجزتنا ما تعِدْ *** وشفت أنفسنا مما تجدْ

 

سيتذكر أهل ولاته مع كل الموريتانيين أن "الجنرال" تعهد بتزويد المدينة التاريخية بماء بحيرة اظهر، لكنه – وهو على أعتاب نهاية مأموريته الأخيرة – لم يفِ بوعده.

 

اليوم سيعود الرئيس من جديد إلى سكان "المدينة الخالدة"، فماذا عساه يقول لهم؟ وبأي وجه سيخطب أمامهم؟ وهل يظن الرئيس أن ذاكرة أهل ولاته - وجلهم من حفظة القرآن والحديث - ضعيفة إلى حد أنهم ينسون وعدا مخلوفا لم يمر عليه إلا زمن قليل؟

 

ثم، متى يفهم الرئيس ومستشاروه، والغوغاء معهم، أن المهرجانات الفضفاضة والسهرات الفنية رديئة الإخراج ما كانت يوما ولن تكون وسيلة من وسائل التنمية في الدول؟

 

ومَن ذا مِن مستشاري الرئيس سيمتلك الشجاعة والأمانة والإخلاص لينفث في مسمع "الزعيم" أن ضخ المليارات من أموال الشعب في مشاريع توفّر الماء الشروب خيرٌ وأجدى من ضخها في الاستفتاءات الباطلة والمهرجانات العبثية السخيفة؟

 

هل يعلم الرئيس والوفد المسبّح بحمده، والمصفقون، والمطبّلون، أن "المدينة الخالدة" لا تريد مهرجانا ولا فنّا ولا سهرات، وإنما تريد شيئا واحدا هو: جرعة ماء من بحيرتها المحرومة منها جورا وعدوانا؟

 

وأخيرا، هل يفطن الجنرال أنّ أهل ولاته لا يرحّبون كثيرا بأولئك الذين يتاجرون بآلام الشعوب، بل لا يتكلفون المجاملات مع الحكام في الباطل على حساب الحق؟

 

وكأني بأهل ولاته، يوم المهرجان، واقفين على صعيد واحد ينشدون أمام الزعيم الوافد قول أحدهم:

يا أيها الجنرال الغُمر كن فطناً *** وانصتْ لمن لا يريد المال والرتبا:

عـشرٌ عجاف مضت على انقلابكمُ *** عانت ولاتةُ فيها الغُـلَّ والسغـبا

بـحّـتْ حناجرنا أمام قصركمُ *** مـطالـبـين بحق ظـلَّ مـستلَـبا

لم نلْقَ منكم جوابا واحداً أبداً *** بل كنتَ عنا طوال الدهر محتجِبا

مستمتعاً بلذيذ العيش منفرداً *** في القصر تستمرئ التفاح والعنبا

ونحن أطفالنا غرثى بطونهمُ *** تكاد نار الطوى تشويهمُ لهبا

واليوم تأتي إلينا تاجرا لبِقاً *** تُـسوِّق الوهم والأحلام والحطبا

ارجع لقصرك، ما نبغي بضاعتكم *** ليست ولاتةُ أرضا تشتري الكذبا

لا تحسبنَّ وجوه الناس راضية *** عنكم.. ألا إنها مشحونة غضبا..