على مدار الساعة

للإصلاح كلمة: تقسم السلطة إلى ثلاثة أشكال: سلطة الإسلام ـ الديمقراطية ـ العسكر المسلم

26 أكتوبر, 2018 - 13:33
بقلم الأستاذ / محمدو بن البار

دائما كلمة الإصلاح تحمد الله على أنها لا تكتب إلا لقارئ مسلم ـ وبذلك يكون كل ما تكتبه عن طبيعة هذه السلطات مفهوما لدى القارئ.

 

أولا: السلطة الإسلامية وعلاقتها تتحد في شيئين هما أنها لا تحكم ولا تأمر ولا تقول ولا تفعل إلا طبقا للنصوص الإسلامية إلا إذا كان خطأ منها وكذلك تعتقد أن كل تحركاتها مكتوبة عليها وستسأل عنها يوم القيامة.

 

فأكثر نصوصها التي تعمل بمقتضاها محصنة {منه آيات محكمات هي أم الكتاب} لا يغيرها أو يتجاهلها إلا متمرد على الإسلام {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا واطعنا} بمعنى سمعنا حكم الله على عباد الله فوق أرض الله ورضينا به "وانتهى الأمر"، وهذا الحكم طبقا لنصوص الإسلام في الجنايات والجنح والمخالفات والأحوال الشخصية وباختصار كل حكم يعتقد المسلم أن الملائكة سجلته عليه في سجله.

 

ومن ميزة هذا الحكم أن الرئيس في سلطته لا واسط بينه والقاضي في الحكم لا وزير عدل ولا مدعى عام ولكن له الأجر في توفير أداة الحكم وتنفيذه بعد ذلك.

 

أما القاضي في الحكم الإسلامي فأمره متروك في الدنيا والآخرة لفحوى حديث النبي صلى الله عليه وسلم في شأن القضاة الثلاثة.

 

وبما أن كل حكم وقع بعد النبي صلى الله عليه وسلم يكون واقعا بعد نزول {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} فإن أي حكم يكون بعضه مبني على النصوص الإسلامية وبعضه مبني على نصوص أخرى غير مبنية على الشريعة الإسلامية فسيكون مخالفا لقوله تعالى {وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل إليك} ثم هذا يستوي فيه القاضي الحاكم به والرئيس الذي حكم به تحت سلطته.

 

وليس من الخروج عن حكم الإسلام إذا حكم القاضي بناء على نصوص اجتهادية لم يجد فيها علماء المسلمين نصا من الكتاب والسنة وأسسوا لها حكما اجتهاديا مبنيا على ما يوجد مفهوما أو توجيها من النصوص الإسلامية إجماعا أو قياسا لأن النصوص الإسلامية المصرح بها متناهية والأحداث الواقعة في المسلمين بعد إكمال النصوص غير متناهية ولكن يجب اتباع الاجتهادات فيها إلى التوجيهات العامة مع النية لكل من القاضي والمحكوم له أو عليه وكذلك رئيس السلطة أن هذا هو حكم الله في الموضوع.

 

وهناك "فذلكة" لا بد من الإشارة إليها وهي أنه ليس من حكم الله أن يكون الاجتهاد وقع مطابقا للنصوص الإسلامية، ونية القاضي ولكن المجتهد في الحكم كتبه من غير إسناده للشريعة الإسلامية بل بنصوص أخرى ظنا منه أنه أصلح للإسلام والمسلمين ــ فتلك الفكرة تصطدم بقوله تعالى {آنتم أعلم أم الله} وقوله تعالى {تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون}.

 

فالله ينظر إلى الإنسان نظرة شاملة يبين له فيها حياته الدنيا والآخرة ويقول بعد ذلك {بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى}.

 

ومن ميزة حكم السلطة الإسلامية أن الرئيس فيها أو الأمير أو الملك معينون من طرف المولى عندما يمكن لشخص مسلم في الأرض حتى تكون أوامره ونواهيه هي المتبعة فيكون خليفة الله في أرضه كما عين الملك داوود عليه وعلى نبينا أزكى الصلاة والتسليم في قوله تعالى {يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله} وهذا الهوى هو الذي حذر المولى عز وجل نبيه من إتباعه في الحكم أو في أي شيء يقول تعالى {وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم} وإذ يحدد النبي صلى الله عليه وسلم وجهة الهوى ليكون صحيحا فيقول للمؤمن أنه لا يتم إيمانه حتى يكون هواه تبعا لما جاء به صلى الله عليه وسلم.

 

فالله عين طالوت ملكا والنبي صلى الله عليه وسلم عين الأمراء والرؤساء تارة يذكر ولي العهد إذا مات الأمير ولا يشترط أن يكون من نسل الأمير وتارة لا يعينه وكذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم يأذن أن يتنزل الأمير كمنزلته في الحكم حيث لا نص فيه، كما أجابه معاذ بن جبل بأن سوف ينظر في ما لا نص فيه ويحكم فيه بما أراه الله باجتهاده دون نص وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما}.

 

والحكم على هذا الأساس يعم الجنايات والجنح والمخالفات والأحوال الشخصية وسواء بين الأفراد من جهة وبين الأفراد والدولة سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا لشمول قوله تعالى {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} وقوله تعالى {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}.

 

ولكن في نفس الوقت يجب على الرئيس فإن لم يفعل فعلى المجتمع المسلم أن يكون مجلسا يسمى أهل الحل والعقد وكلهم عدول العدالة المحددة في الإسلام ويتشاورون فيما أشكل على القاضي أو الرئيس في كل ما لم يتضح فيه حكم الله بنصوصه الواضحة، لقوله تعالى {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستبطونه منهم} وهذا مطابقا لقوله تعالى {فاسألوا أهل الذكر أن كنتم لا تعلمون}.

 

ثانيا: السلطة الديمقراطية: في هذا التاريخ عندما نقول الديمقراطية فإن "الـ" فيها للعهد فيكون المعنى لها الديمقراطية الغربية لأن ديمقراطية العالم الثالث ولا سيما العالم العربي هي مجرد اسم على مسمى أو اسم على غير معناه.

 

هذه الديمقراطية لو كان رؤساء الدول الإسلامية يخافون ربهم من فوقهم لأخذوا جميع اجتهاداتها في الحكم غير المخالف في النصوص المكتوبة المقروءة في المصحف والسنن الصحيحة وجعلوها من ضمن اجتهادات علمائهم الواجب عليهم دينيا الخضوع لها ولا يدخلوا على نصوصها إلا الأمر بالأخذ بمعناها.

 

فرئيس الحكم في الديمقراطية الغربية لا يملك من الدولة إلا ما هو مكتوب له في دستورها فلا يملك أموالها غير المنصوص عليه أنه ملك له شخصيا مثل الراتب ومحاسبته على التصرف في الأموال التي يدير بها الرئاسة مثل أي فرد آخر ولا يملك تشريعها ولا يستطيع أن يبعد أي فرد عن وظيفته سواء كان مواليا أو معارضا إلا بحجة تقبلها العدالة بدون مراعاة ما يطلبه الرئيس بمعنى أن جميع الحريات مكفولة للفرد من طرف النظام العام فلا فرد مطارد ولا مسجون على رغبة الرئيس.

 

وهذا نفس الشيء بالنسبة للسلطة الإسلامية التي جاءت معنية بقوله تعالى {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور}.

 

فالسلطة الإسلامية لا سلطة لها على مال الدولة {ومن يغلل يات بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون} فلا حلال ولا حرام إلا ما أحله الله أو حرم.

 

فكل ما هو خارج عن قانون الجنايات والأحوال الشخصية في الدولة فقد سبق الإسلام بتقنينه للسلطة للحكم به، ولا بأس في الاقتباس والاستئناس والانتفاع من الديمقراطية إلا ما ظهر خلافه للإسلام ومنه الانتخابات على شكلها الحالي الذي يستوي فيه المؤمن والفاسق والصبي والرشيد الخ فلا يمكن إدخاله في الإسلام وقد جاء فيه قول تعالى {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون}.

 

ولكن إذا اقترح أهل الحل والعقد نوعا من الانتخابات يعرفون به من يستحق أن يولى الأمر ولا سيما إذا كان الأمر فيه منفعة للمسلمين فلا شك أن الإسلام لا يعارض في ذلك لأن من شرعه قبول نتائج القرعة إذا اشتبه الأمر الخ.

 

وعلى كل حال فإن اتباع خطوات الديمقراطية الحالية بدون نية ردها إلى الإسلام فسيشبه عمل من لا يرجو لقاء الله كما قال تعالى {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا}.

 

 

ثالثا: السلطة العسكرية المسلمة

هذا العنوان هو عنوان كاشف فقط لما نشاهده من السلطة الآن لحكم المسلمين أما كونها مسلمة فنحن قد قدمنا وصفا للسلطة الإسلامية ـ فإن السلطة نفسها أي العسكرية المسلمة لا تدعي أنها خليفة الله على المسلمين كما هو مسجل في الإسلام عن السلطة الإسلامية ولكنها تقوم في نفسها بشعائر الله غير الحكم فهذه السلطات لا يأتون عن طريق إسلامية لأنهم يتحكمون إما بانقلاب أو بهذه الانتخابات التي لا تمثل إلا عملا اشتدت به الرياح في يوم عاصف لا يقدرون من ما كسبوا على شيء لعدم النية.

 

لأنه يتسبب في مساواة صوت العالم العامل مع الفاسق الفاجر والرشيد والسفيه فيها وقبل ذلك كله عدم نية ما يتخذ فيها من قرارات بنية الإسلام أو على ضوء الإسلام.

 

فالسلطة الإسلامية أول ما هو مطلوب منها هو الحكم بما أنزل الله فوق أرض الله على عباد الله.

 

ولذا فإن قلبي يؤلمني عند رؤية رئيس مسلم يمكن الله له في الأرض لسماع الجميع لأوامره ونواهيه وأنا أنظر إليه وهو يصول ويجول في السلطة ويتلقي تحية شرف الدنيا وتهكم الآخرة وكذلك نراه يصعد وينزل من السلم في الطائرات والغرف في الداخل والخارج يمشي في كل ذلك مرحا كأن الدنيا كلها صورة مكبرة لتلك الساعة التي هو فيها حالا والله يقول للجميع {كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ} والحمد لله الذي قال بعد ذلك {فهل يهلك إلا القوم الفاسقون} فليحاول الرؤساء الخروج من هذا الوصف المؤدي للهلاك {يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون} إلى تصرف أذن الله فيه وجعله ذخرا للمؤمنين وهو الحكم بما أنزل الله.

 

فالمطلوب من الرؤساء موضح في خطاب الله لهم في قوله تعالى {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر} إلى آخر الآية.

 

فالذي يعرف من رؤساء الدول ولاسيما العربية أخذ الرئاسة على نغمات قول الشيطان لأبينا آدم {يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى} فجاءوا إلى السلطة على ذلك الإيقاع فلا يبحثون عن دستور ولا قانون ولكن كأنهم يمثلون إيعاز القائد للجنود عند أمرهم بالاستعداد للتنفيذ "الجميع تحت أمري" وهنا يغيرون آخر الإيعاز بدل ــ أمام سر ـ يقولون لجميع مؤسسات الدولة وراءي سر: إلا أننا شاهدنا أن من لبس مع هذه السلطة لباس الكبرياء أماته الله ميتة الهوان أمام الناس وأخذه إليه أخذ عزيز مقتدر، ومزق عليه لباس الكبرياء أمام الملأ.

 

وأما من جعل الله في قلبه مسحة من إيمان تمنعه من الكبر البواح فيؤخره الله إلى فحوى قوله تعالى {إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم}.

 

فبالرغم من كثرة رؤساء الكفر والظلمة وغيرهم فإن الله أماتهم موتة عادية وأمهلهم لآجالهم التي لا تستأخر ساعة عنهم.

 

أما رؤساء الكبر في الدنيا فقد أسمعنا الله ما فعل بهم يقول تعالى {وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}.