على مدار الساعة

المجالس الجهوية طريق للتسيير التشاركي الناجع

22 سبتمبر, 2018 - 00:06
محمد عبد الله ولد محمد محفوظ

تعتبر اللامركزية أداة مهمة في إدارة الشأن المحلي، وقد تنوعت التجارب الممارسة في هذا المجال في محيطنا العربي والإفريقي، كما أخذت دول العالم المختلفة تتوسع في هذا الاتجاه منذ أوائل التسعينيات من القرن الماضي بعد ما أدركت أن الاعتماد على إدارة مركزية واحدة تعمل على تسييرالموارد وتوفير الخدمات لم يعد ممكنا.

 

وفي هذا الاتجاه تأتي تجربة المجالس الجهوية لتدعم نمط اللامركزية الإدارية في الحكم كمرتكز من أهم مرتكزات تسيير الشأن المحلي بشـكل ناجع ومعقلن لما لها من دور في دعم وتحسـين أداء المرافـق العموميـة علـى المستوى المحلي عبر نقـل جزء من السلطات والصلاحيات ووسـائل العمـل مـن المركـز إلـى الجهة ومن السلطة المحلية إلى ممثلي الجهة المنتخبين.

 

وهنا في موريتانيا يعد انتخاب المجالس الجهوية واختيار أعضائها لأول مرة، بادرة مهمة في إطار خلق بنية تنموية تعتمد نظاما لا مركزيا من المؤمل أن يسهم في تطوير وتحديث البنية التنموية في بعدها المحلي.

 

وهو ما يحتم وضع مقاربة مؤسساتية تعتمد نظام الشفافية والنزاهة في التسيير انطلاقا من مبادئ الحكامة الرشيدة ومقاربة التشاركية، فالمجالس الجهوية تشكل إضافة نوعية وإسهاما كبيرا في مجال اللامكزية الإدارية، مما يستدعي العمل على تفعليها بشكل أمثل للحد من تمركز البنية الخدمية والتنموية في العاصمة انواكشوط، بما يساهم في تخفيف العبء على العاصمة وخلق أطر تنموية محلية في ولايات الداخل ومدنه وقراه وأريافه.

 

فاللامركزية هنا تقتضي توزيع الوظيفة الإدارية بين الحكومة المركزية وهيئات المجالس الجهوية المنتخبة ومباشرة اختصاصاتها تحت إشراف الحكومة ورقابتها، عبر"تفويض اكبر قدر ممكن من هذه السلطة الخاصة بالجهة العليا إلى جهات أدنى بما يمكنها من التصرف بصورة أسرع في القيام بأعمالها"، وقد نص الدستور على أن المجالس الجهوية تدار بصورة حرة من قبل مجالس منتخبة وفق الشروط التي ينص عليها القانون.

 

مجالات تنموية تستحق الاهتمام

 

ومن هنا يتوجب عند تصميم وإعداد البرنامـج التنمويـة الجهويـة الأولية الاستفادة من التقارير التشـخيصية المنجـزة سـابقا والعمل على تنظيم ورشات استشارية واقتراحية تضم جميع الفاعلين المحليين وممثلي الإدارات المحلية سبيلا لإحداث التكامـل والاندمـاج المطلوب مـع البرامـج الحكومية، وتفعيل شراكات تنموية حقيقية مع المجتمع المدني والقطاع الخاص.

 

وفي هذا الإطار من المهم أن تعمل المجالس الجهوية الجديدة على النقاط التالية من أجل تحقيق تنمية محلية جيدة:

1ـ في المجال الاقتصادي والتجاري: السعي لخلق حراك اقتصادي وتنموي شامل عبر جذب الاستثمارات ودعم المقاولات وخلق أسواق تجارية، وتهيئة ودعم المجال السياحي في جميع مناطق الجهة ودعم المنتج المحلي التقليدي والحرفي بها.

2ـ في المجال المهني والتكويني : دعم مراكز التكوين الجهوية وزيادة أعدادها وخلق فرص تشغيلية لخريجها إضافة إلى توفير تكوين مستمر لهذه الطواقم بما يسهم في تطوير القدرات والكفاءات وإدماجها بسوق العمل على مستوى الجهة.

3ـ وفي المجال التنموي : دعم المقدرات الجهوية والمحافظات على الثروات المحلية ( المعدنية والزراعية والحيوانية) وعقلنة تسييرها بما يضمن استغلالا امثل لها.

4ـ وفي مجال النقل والطرق : وضع إستراتيجية جهوية لبناء وصيانة الطرق، وتنظيم قطاع النقل الطرقي وتوفير محطات طرقية تسهم في دعم الحراك الاقتصادي والتنموي.

5ـ في المجال الثقافي والتعليمي : دعم المنشآت التعليمية وزيادة أعدادها وتثمين مخرجاتها ومكافأة الطواقم المشرفة عليها، وخلق حراك ثقافي وأدبي وفني حقيقي بالجهة يسهم في خلق وعي ثقافي وأدبي يرسخ قيم الإنصاف والعدالة والمساواة، ويدعو للمواطنة والتعاون، عبر تنظيم المسابقات والمهرجانات و إبراز التراث الاجتماعي والمحافظة على المواقع الأثرية.

6ـ في المجال البيئي والزراعي : إيجاد منتزهات جهوية، ودعم الحظائر الوطنية الموجودة ببعض هذه الجهات إضافة للمحافظة على مقدرات الجهة المائية والطاقية واستغلالها بشكل أمثل، إودعم المنتجات الزراعية بالجهات وتسويقها ودعم الواحات والمشاريع والتعاونيات الزراعية المحلية.

7ـ في المجال الصحي: دعم المراكز الصحية وزيادة أعدادها والسعي لدعمها بالكوادر الطبية الكافية وتوفير الأجهزة واللوازم الطبية، ومراقبة عمل الطواقم الطبية ومحتويات المستودعات الصيدلية.

8ـ في المجال الرياضي والشبابي: دعم الأندية المحلية وخلق بنية تحية تسهم في الدفع بقطاع الرياضة نحو الأحسن خصوصا أن فئة عريضة من الشباب تولي أهمية كبرى للمجال الرياضي، إضافة لأهمية دعم المبادرات الشبابية والاهتمام بها وتأهيل مراكز تكوين وتأهيل للشباب بالجهات ودعمها وزيادة أعدادها.

 

فلا بد إذا من وضع تصور شامل لخارطة التنمية المحلية والانطلاق من استراتيجيات واضحة ورؤى محددة تنطلق بالأساس من خصوصيات الجهات وأولوياتها التنموية، بما يسهم في تفعيـل أمثل لبرامـج التنميـة المحلية.

 

شفافية التسيير ضمان لجودة الأداء

 

إن مشاركة هيئات المجالس الجهوية للسلطة المركزية المحلية في إدارة المصالح وتأدية الوظائف الإدارية وممارسة صلاحيات التقرير والبت فيها يستوجب تمتع مسؤولي هذه المجالس بالاستقلال الفعلي عن السلطات المحلية في الجوانب المالية والإدارية.

وبما أن الإدارة المحلية هي "تنظيم الشؤون المحلية وإدارتها في كل منطقة في الدولة بواسطة سكان المنطقة أنفسهم على نحو يتفق مع مصالحهم وذلك عن طريق هيئات محلية مسؤولة، لها شخصية معنوية وتتمتع بالاستقلال الذاتي وتمثل الأهالي، ويتم اختيار أعضائها أو معظمهم بطريقة الانتخاب".

 

فعلى منتخبي المجالس الجهوية إذا تأكيد استقلال المجالس و العمل على تمتعها بالشخصية المعنوية المنفصلة عن السلطة المحلية، وممارسة جميع الصلاحيات والسلطات التي خولها القانون ضمن النطاق الجغرافي المحدد، وتقديم الخدمات اللازمة للمواطنين، وإشراكهم في تدبير الشأن المحلي من إخلال إطلاعهم على سير التدبير العام للجهة ولمواردها المالية.

 

إن التفعيل الأمثل لنظام المجالس الجهوية واستغلال الصلاحيات المخولة لمنتخبيها بشكل فعال سيسهم بشكل كبير في تحقيق أهداف تنمية محلية راشدة لن يتأتى الوصول إليها دون تحقيق شراكة حقيقية مع الإدارات والمصالح المحلية لساكنة المنطقة ومن هنا تبرز أهمية اعتماد أسس وقواعد الحكم الرشيد( الحكامة الجيدة) في إدارة الشأن المحلي كما يتوجب العمل على:

 

- فرض شفافية توظيفية وإدارية وتسييرية تعتمد على أسس قانونية وإجرائية واضحة بما يخلق الثقة بين المواطنين والفاعلين المحليين من جهة والإدارة التنفيذية للمجالس الجهوي من جهة أخرى ويساهم في مشاركة الجميع .

- خلق أقطاب وهياكل تنموية محلية تسهم في تقليص هوة الفقر وتحد من الهشاشة وتدعم البنية التحتية للجهة عبر شراكة حقيقية مع المجتمع المدني والقطاع الخاص في تنفيذ المشاريع والإشراف عليها، إضافة للعمل على جلب استثمارات نوعية وتبيئتها وتشجيع رجال الأعمال للاسثتمار في الجهة.

- إيجاد شراكات خارجية تسهم في تطوير آليات العمل وإكاسب طواقمه خبرات نوعية ونقل التجارب القُطْرِية الرائدة في مجال التنمية الجهوية والاستفادة منها بما يسهم في الدفع قدما بمنظومة التنمية المحلية.

 

ختاما لا بد من الإشارة إلى أهمية التعاطي الفعال للسلطات الإدارية الوصية مع منتخبي المجالس عبر تنظيم سلسلة من الورشات والدورات التكوينية فى مجال الإدارة وتسيير الشأن المحلي لما لذلك من دور في تأهيل المنتخبين وتجويد أدائهم الإداري.

 

كما أنه من المهم أيضا في هذا المجال أن يعمل المنتخبون الفائزون برئاسة المجالس على إشراك المستشارين المنتخبين معهم بشكل فعلى في إدارة وتسيير واقتراح وتطوير الخطط التنموية للجهات، توسيعا لدائرة العمل وتنويعا للاداء وإشراكا للفاعلين المنتخبين، خصوصا إذا علمنا أن 18 حزبا ممثلة بهذه المجالس مع ملاحظة تفاوت التمثيل.