على مدار الساعة

الثورة التي نحتاجها

4 سبتمبر, 2018 - 03:06
عنفار ولد سيدي - صحافي موريتاني مقيم في أمريكا

التغيير الذي لا يأتي من السلطة لا بد أن يأتي من الشعب، ولكي يأتي التغيير من طرف الشعب لا بد من قيام ثورة، تحتاج موريتانيا فعلا إلى ثورة حقيقية للنهوض.

 

والظاهر أن هذه الثورة التي تحتاجها موريتانيا لا بد أن تكون شعبية، فلا مؤشر على أنها ستكون ثورة سنغافورية تأتي من الحاكم الذي ينتشل الشعب من القمامة إلى الأبراج، ويحول البلاد إلى قبلة عالمية للاستثمار.

 

لكن الثورة التي تحتاجها موريتانيا، ليست ثورة تقليدية بمعنى أن ما سيُخرج البلاد من مخالب الفقر وفساد السياسة ليس حشودا تملأ الشوارع وترفع شعار "ارحل"، مثل هذا النوع من الثورات يصلح في حالة كان رأس النظام وحده هو الفاسد أو أن الفساد منتشر فقط في حكومته، لكنه لا يصلح في الحالة الموريتانية حيث الفساد سرطان منتشر في جميع مفاصل الدولة. ومثل هذا النوع من الثورات التقليدي يتطلب وعيا عاليا وغيابا تاما أو شبه تام لمختلف أنواع الأمية حتى تكون الدولة بمُكونها الأهم (الشعب) قادرة على تجاوز الهزات الإرتدادية التي تعقب هذا النوع من الثروات.

 

تخبرنا انتخابات فاتح سبتمبر وجميع الانتخابات التي سبقتها منذ عشرات السنين أن الثورة الحقيقية التي تحتاجها موريتانيا هي الثورة ضد القبيلة، ضد الزعامات التقليدية خاصة منها القبلية، ثورة ضد المال السياسي ونفوذ "تجار الدولة " و"علماء الدولة".

 

يعتقد الكثير من الموريتانيين أن تنظيم انتخابات "صحية"، شفافة ونزيهة، يتطلب فقط وجود لجنة مستقلة تشرف على الاقتراع وتمنع التزوير التقليدي الموروث عن حقبة ولد الطائع وما قبلها، أي حشو صناديق الاقتراع ووجود مصوتين أكثر من عدد المسجلين.

 

لكن هؤلاء يشبهون في اعتقادهم الطبيب الذي يبحث لمريضه عن مهدئات وليس أدوية تقتل المرض في جسمه. أستخدم هذا التشبيه لأن ما سيضمن تنظيم انتخابات حرة ويبعد التزوير غير المباشر (شراء الذمم والتصويب لتطييب الخاطر، الترحال الانتخابي للمصوتين) هو استئصال ورم القبلية والقضاء على الولاء القبلي مقابل تعزيز الشعور بالانتماء إلى الدولة، وبأن المهم أن ينتصر مرشح سيخدم الدولة من أن يفوز مرشح ستتفاخر القبيلة بفوزه وسيكون ولاؤه لانتمائه القبلي الضيق بدل الوفاء والتفاني في خدمة وطنه.

 

ليس المسؤول الأول عن إفشال كل تجربة انتخابية عاشتها موريتانيا منذ الاستقلال وإلى اليوم الحكومة أو الرئيس، بل إن من أفشل الانتخابات دائما وأدار بوصلتها نحو الاتجاه الذي يريد هم الزعماء القبليون. الزعامات القبلية في بلادنا ما زالت أقوى من قادة الأحزاب السياسية، إن نفوذ القبيلة الطاغي في مجال السياسة يشبه أو يتطابق مع ما يسمى "جماعات الضغط" في أمريكا وأباطرة المال الذين يجبرون الساسة على الرضوخ لأجنداتهم.

 

نحتاج في موريتانيا ثورة حقيقية شعارها التمرد على القبيلة لصالح الدولة، وهدفها الأسمى القضاء على الولاء القبلي مقابل تقوية الولاء للدولة الوطن وليست الدولة المختزلة في شخص الرئيس.

 

نحتاج في موريتانيا إلى ثورة غير تقليدية يخرج فيها مارد الشباب والأجيال الصاعدة من قمقم القبلية ويكسر أغلال تطييب الخاطر للزعامات التقليدية التي كانت ولا تزال تلهث عمياء خلف "حزب الدولة" وتضمن له الفوز بعد الفوز دون أن تعيد البصرة كرتين أو أن تطرح سؤالا واحدا عن أسباب أو مقاصد أو نتائج الولاء الأعمى.