على مدار الساعة

للإصلاح كلمة: تطلب فيها من إذاعة القرآن البحث عن تنوع رسالة القرآن

13 يوليو, 2018 - 17:15
بقلم الأستاذ / محمدو بن البار

كلمة الإصلاح اختارت هذه المرة أن تتوجه إلى سعي الآخرة قبل أن لا تستطيع السعي إليها، وذلك بعد جولات كلمة الإصلاح مع أهل الدنيا وهم يريدون حرثها ليجعلوا للآخرة نصيبا من هذا الحرث وهم في حياتهم قبل أن يقدموا على الحصاد.

 

فإذاعة القرآن لا شك أنها توفيق من عطاءات الله التي لا تحتاج للأسباب خارج فضل الله الذي يختص به من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

 

وهذا الفضل لا شك أنه حصل لكل من أمر بها وأفسح لها تحت مسؤوليته مجالا وإلى كل من هداه الله إلى انتهاز تلك الفرصة وتوسع فيها وفهم أنها ذخيرة عطاء أخروية، فاغتنم تلك الفرصة لتكون هي و ما صدر عنها من توجيهات كلها تصب في سعي الآخرة ليكون الجميع ذخرا له في الآخرة وفي نفس الوقت يكون تنمية مستدامة تعم كل الأمر بالحسنة ومن جاء بها و ما نتج عنها والله من وراء القصد وهو لا يضيع أجر من أحسن عملا.

 

ومن هنا فإن علينا نحن المسلمين جميعا الذين نظن أننا ملاقو الله أن نبحث عن رسالة القرآن كما هي، فمن المعروف أن القرآن يحمل رسالة واحدة وهي إخراج الإنسانية من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد.

 

وهذا الإخراج لا يكون إلا بإسقاط القرآن كما أنزل على قلب هذه الإنسانية بألفاظه وبالنبرة التي أنزله الله بها فإذا كانت أية الوعد بالمغفرة وتكفير الذنوب: على القارئ أن يقرأها بصوت رخيم رحيم وبلطف سوف تكون حروف الاية مساعدة على ذلك.

 

وإذا كانت أية عذاب أو وعيد أو تخويف فعلى القارئ أن ينزله كالصاعقة على المستمع يقول تعالى {إن شجرة الزقوم طعام لأثيم كالمهل تغلي في البطون كغلي الحميم خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم ذق إنك أنت العزيز الكريم}.

 

وهذا يتطلب ما يلي:

أولا: مراجعة جميع برامج الإذاعة مع أن الشائع عند الموريتانيين أن برنامجها لم تستقر منهجيته ولا سيما تفكيرا أو اهتماما وترقية على حال، فبدأ أولا بالصعود والتوسع والبحث عن كل ما تتطلبه أهميته عند المسلمين وما أكثر مواضعه وما تفرع عنها ولكن بعد التغيير الأول بدأ العد التنازلي لإنهاء المكتسبات الإسلامية ليعود هو إلى أفكار أهل الدنيا فبدلا من أن كان نافذة مفتوحة على الآخرة توجهت بوصلته تبحث عن نوافذ أهل الدنيا لتسجل في أسفل لائحتهم من ما أدى إلى أن هجرها جل قادة هدفها المنشود.

 

ومع أني نقلت ما كتب وما قرأت فأنا مستمع لبرامجها فقط بدون أي رؤية لمقرها ولكني ولله الحمد بما أن موضوعها وأسمها هو إذاعة القرآن في بلد مسلم كموريتانيا فإني أريد المساهمة في البحث عن القصد الذي لا شك أنه تحرك في قلب الأمر بها وكذلك قلب من كلف ذلك الأمر.

 

أولا: أن تكون هذه الإذاعة حصادها يختص باختصاصها ومحجوزا للآخرة معول عليه فيها وإذا لم يتحقق ذلك بأدواته فيكون في ذلك خيانة لتبليغ رسالة هذا الدين عن طريق فتح هذه النافذة المكتوب على لوحتها - إذاعة القرآن الكريم - وخيانة للآمر الأول: فالله جل جلاله يقول لنبيه صل الله عليه و سلم {يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته}.

 

وهذه الإذاعة توفيق من الله لمن مكن له في الأرض أن يفتح فوق أرض الله لعباد الله رسالة تذكرهم بأيام الله ونعمه التي أسبغها عليهم بحفظه لهذا القرآن يتلى عليهم آناء اليل وأطراف النهار.

 

ومن هنا يبدأ حسن هذا التبليغ الذي على المشرفين عليه أن يدرسوا نوعه والهدف منه والمجتمع المستهدف به.

 

فالملاحظ من برامج هذه الإذاعة أن المشرفين عليها جعلوها محظرة تدرس فيها مواد بالسماع والمعروف أن مواد المحظرة لا بد لها من الشرح والتكرار المستمر وهي تعني التعلم بعد دخول الإيمان في القلب.

 

فمنهج المحاظر يوجد من أهداف القرآن ما هو أولى منه بالتقديم فإذاعة القرآن لا شك أنها تقدم ختمات من القرآن يقوم بها قراء فيهم من هو حسن الصوت والنغمات وفيهم من هو دون ذلك ولكن تقديمهم للقرآن للسامع لا يشبه قارئ الرسالة المتنوعة أهدافها ومطلوب أن يتفاعل مع ذلك التنويع للإبلاغ.

 

فالنبي صل الله عليه وسلم عندما جاءه الوليد بن المغيرة يريد أن يرده عن الدعوة طلب منه أن ينتظر ليسمعه آيات من القرآن فأختار له النبي صل الله عليه وسلم آيات تهز المشاعر من أعماقها وتجبر لإنسان على أن يسمع بقلبه فقرأ عليه أيات من أول سورة فصلت حتى وصل إلى قوله تعالى {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين} إلى قوله {فأنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود} حتى كاد أن يطير قلبه عن جسمه فقام الوليد يناشد النبي صل الله عليه وسلم بالرحم ليسكت عن القرآن خوفا على انشقاق قلبه.

 

فكذلك على قراء إذاعة القرآن أن لا يقرأ القرآن لأجل ختمتها فقط فمن حق برنامج القراءة أن تستخرج مواضع من القرآن كل موضوع على حدة.

 

فتسجل آيات العقيدة وتحذير القرآن فيها من الشرك وإظهار مصير أهل الشرك هم وشركاؤهم وما يوصف به أهل الشرك أكبر كان أو أصغر مثل قوله تعالى {ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون} {وإذا حشر الناس كانو لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين} وتجمع كل هذه الآيات في القرآن ويكون إلقاؤها على المستمعين تباعا في حصة واحدة مع أداء القارئ لرسالة القرآن (وهي تبليغه كما أنزل) ويتكرر هذا.

 

وكذلك جميع الاستفهامات الواردة في القرآن التي ترك القرآن جوابها لبداهته كقوله تعالى {أفمن يلقى في النار خير أم من ياتي آمنا يوم القيامة} {أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدي أمن يمشي سويا على صراط مستقيم} ويكون ذلك حصة أخرى وكذلك أوصاف النعيم في الجنة و أوصاف التعذيب في الجحيم فتجمع كل الآيات التي وردت في ذلك ويقوم القارئ بمقابلة هذه بهذه بصوت القرآن المؤثر مثل قوله تعالى {مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين} إلى أخر الأية ومقابلها بعدها {كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم}.

 

وكما هو معلوم فتصور موائد الجنة كثير كما أن تصور مواقع العذاب كثيرة أيضا في القرآن فيمكن أن يسجل ذلك برنامجا إسبوعيا.

 

ومن المعلوم أن القرآن وأوامره ونواهيه وجميع موضوعاته لا تمل نفس المؤمن سماعها فيجب كثرة الحديث بها وعنها، بمعنى أن مواضع الدعوة والإقناع وذكر المصير المحتوم الواقع بعد إنتهاء الأجل مباشرة كل ذلك على القارئ أن يملأ قلوب أذان المسلمين من سماعه.

 

فالقرآن ذكر هو نفسه أن وصوله للقلب لا يشبه وصول كل كلام أخر إليه بل الإسلام يعطي وصفا للمؤمن حقا يقول القرآن {إنما المومنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون}، ولكن كل هذا لا يقع من قراءة أي قارئ ولكنه يقع من القارئ الذي يقرأ القرآن بقلبه وبنبرة يؤدي بها رسالة الإسلام إلى البشر التي تقتضي نشر الرحمة لمن يستحقها وإسقاط العذاب فوق رأس من يستحقه، فقد ورد أن النبي صل الله عليه وسلم كان حين يقرأ القرآن إذا مر بآية رحمة شكر الله وطلبه رحمته وإذا مر بآية عذاب تعوذ منها وسأل ربه السلامة، وهذا يتطلب أن يكون الصوت خارجا من القلب ليدخل في القلب بنية التبليغ لا بنية التغني أو إخراج الصوت على شكل يعجب السامع فقط وبناء على هذا المفهوم فإن المشرفين على إذاعة القرآن عليهم أن يحاولوا تأدية رسالة القرآن كما يريدها القرأن.

 

وعليه فإنه يجب مراجعة جميع البرامج المتعلقة بالقرآن وليفصلوا نهائيا بين برامج إذاعة القرآن وبين برامج المحظرة فمواد المحظرة التي تأخذ كثيرا من الوقت تترك للمحظرة.

 

فالمعروف أن مواد التوحيد والفقه والأصول لا بد لها من كثير من التكرار ومباشرة المشايخ فلا تكفي فيها قراءة ساعة على السامع بل يوضع في تلك الساعة ما يمكن أن يستفيد منه المسلم السامع الأمي والمثقف بمجرد سماعه.

 

فمثلا فماذا يفهم الأمي أو المثقف غير المحظري في الأصول إذا سمع قول أبن عاشر:

 

الحكم في الشرع خطاب ربنا *** المقتضي فعل المكلف افطنا

 

إلى أخر الأبيات، وقوله في التوحيد:

لو حدثت لنفسها الأكوان *** لاجتمع التساوي والرجحان

أو قول خليل في فقه السهو: "وإن جهل عين منسية مطلقا صلى خمسا وإن علمها دون يومها صلاها ناويا له" الخ...

 

وهذا مثال فقط لجميع الدروس التي تحتاج للتصور قبل التصديق فتلك مكانها المحاظر نفسها لا إذاعة القرآن.

 

وملخص هذا المقال أن إذاعة القرآن منة من الله أعطاها لهذه الأمة في هذا الزمان: إذن على المشرفين عليها أن ينتهزوا فرصة التبليغ عن الله لهذا القرآن نيابة عن النبي صل الله عليه وسلم كما أمرهم بذلك وأن يجسدو ذلك في حسن التخطيط في الأداء باختيار وقته وأداء المؤدي.

 

فمثلا في اختيار الوقت هو اختيار الوقت الفارغ بالنسبة للإنسان من واجبات العمل الدنيوي مثل ما بين المغرب و العشاء وتكون فيه التلاوة مؤثرة على السامع حتى يرى المستمع ممثلا لبعض المؤمنين في قوله تعالى {وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق}.

 

 

محمدو بن البار.