على مدار الساعة

التّرقيَة المهْنيّة في قِطاع العدْل.. حَقٌّ وضرُورَة

13 يونيو, 2018 - 15:19
د/ محمد المصطفى محمد سالم

تكرس معظم القوانين المعاصرة مبدأ الترقية المهنية بقدر كبير من التركيز باعتبارها حقا من حقوق الموظف تتيح له الفرصة للحصول على مزايا مادية أو معنوية أو بشغله لوظائف ذات مستوى ومسؤوليات أرفع.

 

وتذهب بعض التشريعات – بالإضافة إلى احتساب الخدمة الميدانية – إلى تقرير الترقية المهنية على أساس الحصول على شهادات عليا في التخصص.

 

وتعمل فكرة هذه الوسيلة على تحقيق مجموعة من الأهداف منها: تحسين كفاءة الأفراد ورفع مستوى المنافسة بينهم في العمل، وتحقيق طموح الموظف بالتقدم في مجال عمله بما يخدم بقاءه واستمراره، وهي بالإضافة إلى ذلك تشجع روح الانضباط والالتزام بالنظام لما تنطوي عليه من الاهتمام بمسار الموظف وحثه على العطاء.

 

لم يتخلف تشريعنا عن غيره من النظم في هذا المجال فقد أسس القانون رقم: 09/35 المتضمن للنظام الأساسي للموظفين والوكلاء العقدويين للدولة لهذا الحق وخصوصا في المادة: 51 التي أجازت اكتتاب موظفين دون المرور بنظام المسابقة إذا كان ذلك عند التشكيل لأصلي لسلك، أو عند إلغاء سلك، أو لتشجيع الترقية المهنية، محددة نسبة خمسة بالمائة (5%) من الوظائف موضع المسابقة كحد أعلى للاستفادة من هذه الميزة، والمادة: 52 منه عندما قسمت المسابقات إلى صنفين:

1. مسابقات مفتوحة للمترشحين الحاصلين على شهادات معينة أو المستكملين لدارسات معينة؛.

2. مسابقات مخصصة لموظفي الدولة المنتمين إلى السلك ذي المستوى الأدنى مباشرة من الاختصاص نفسه.. إلخ.

 

وجاءت النصوص المتخصصة مطبقة ومفصلة لمقتضى ما ورد في المواد أعلاه، وحسبنا مثالا على ذلك ما فصلته المواد: 23 إلى 23/7 من النظام الأساسي للقضاء.

 

وإعمالا لتلك القواعد دأبت وزارة العدل منذ بعض الوقت على الاستفادة من هذا المنحى من خلال تخصيص تلك النسبة المحددة للمقاعد الداخلية، ومن خلال انتقاءات مهنية من بين المهنيين من محامين وكتاب ضبط رئيسيين وإداريين وأعطت نتائج كبيرة الأهمية على مستوى الأداء وضخت دماء جديدة/قديمة وفاعلة داخل المرفق القضائي.

 

وفي ظل ما تزمعه وزارة العدل في المرحلة القادمة من إصلاحات هيكلية للقطاع وتناغما مع مطالب الإصلاح واستكشاف مواطن الخلل والضعف تسترعي انتباه المتابع للساحة القضائية ملاحظتان تتعايشان على نفس الصعيد:

 

أولاهما: النقص الواقع والمتوقع في عدد القضاة على مستوى الوطن بفعل عوامل التقاعد والهجرة المهنية من جهة ومن جهة أخرى بالازدياد المطرد لعدد المحاكم في الآونة الأخيرة، وذلك ما عبر عنه المجلس الأعلى للقضاء في دورته قبل الأخيرة موصيا بالشروع الفوري في اكتتاب 105 قاضيا لتلافي النقص الحاصل.

 

والثانية: توفر الحقل القضائي على كوكبة وازنة من مكوِّنة كتاب الضبط الرئيسيين الحاصلين على تجربة مهنية ميدانية تتجاوز عقدا من الزمن بالإضافة إلى شهادات عليا في التخصصات القانونية والشرعية ما يؤهلهم لسد هذه الثغرات العملية والتي هم أقعد الناس بها رحما وخير من يقوم بها كما تثبت ذلك التجربة.

 

ولا أحد ممن له خبرة بمكونات وإحصائيات الحقل القضائي ينكر ما يتميز به المؤهلون من هذه الفئة من خصوصيات ومزايا أهمها:

1. أن أغلبية أعضائها لم تثبطهم معوقات الوظيفة عن مواصلة الدراسة فقد حصّلوا بالتزامن معها شهادات عليا في تخصصهم (متريز – ماستر- دكتوراه) وشهادات إضافية في تخصصات أخرى.

2. أن عناصر هذه الفئة مهنيون موطّنون بمعنى أنهم - باستثناء أفراد قلائل - ظلوا منذ تخرجهم يمارسون العمل المهني في رئاسة كتابات الضبط في أهم محاكم ونيابات الوطن.

3. أن فتح باب الاكتتاب الداخلي أو الانتقائي لمثل هؤلاء يوفر على السلطات جانبا مهما من التكاليف يتمثل أولا في نصف راتب القضاة الذي اكتسبه هؤلاء بحكم وظيفتهم، وثانيا في الخبرة المهنية التي حصلوا عليها من معاناة عمل كتابات الضبط اليومي، وهي الخبرة التي يتطلب الحصول عليها ثلاث سنين من التكوين والتدريب.

 

ولا تقتصر الإفادة من تلك الإجراءات على فئة كتاب الضبط الرئيسيين لكنها تفسح المجال للفئات الأخرى من نفس السلك أن تظل في تنقل تصاعدي بين الأسلاك وتساوُق يعطي الفرصة للجميع للشعور بنفسه وبجهده وتفانيه في عمله أو تنمية معارفه، وحتى لا تظل نقطة الاكتتاب هي نقطة التقاعد.

 

هذا التشخيص للواقع القضائي المعيش يفرض نفسه على صانعي قرار السياسة العدلية في البلد اليوم ليذكرهم بنصوص القانون وبتعهداتهم التي ألزمتهم إياها مسؤوليتهم عن حماية حقوق الموظف ومن آكدها حق التقدم والترقي المهني.

 

ويأتي على رأس تلك التعهدات التزام معالي الوزير الأول بتحقيق مطالب عريضة النقابة الوطنية لكتاب الضبط وهو الالتزام الذي على أساسه علقت النقابة إضرابها الشامل منتصف السنة الفارطة، كلها ظروف يجدر بوزارتنا وهي على أبواب سلسلة إصلاحات جديدة أخذها في الحسبان ووضعها بجد في سياساتها وبرامجها في المستقبل المنظور خدمة للعدل والشفافية وتكريسا لمبدإ الترقية المهنية لموظفي القطاع.