على مدار الساعة

رِفقاً بالفقراء، يا رئيسُ الفقراء

2 يونيو, 2018 - 02:19

إن من يتابع الحياة العامة في موريتانيا عن كثب ويقرأ عن الموارد الطبيعية لهذا البلد المِعطاء، يجد نفسه أحيَرُ من ضَبٍ في حَمَّارَةِ القَيظ. فالتقارير الاقتصادية عن الثروات الطبيعية والبحرية والحيوانية والعقود الدولية ومُؤشرات الميزانية الوطنية مع قلّة النّسمة البشرية تجعل من دولة مثل بروناي مجرد دُويلة لا تستحق شرف كتابة اسمها مع دولتنا في لائحة واحدة.

 

لكن إذا ما وقفنا على أرض الواقع، تبين لنا بِحق، أنّ كل ذلك حديث خرافة.. وليته كان، حتى لا يُلام أحد.

 

فلا زالت الحمير هي الناقل الأساسي للمياه العذبة حتى في الأحياء التي يظن أهلها بأنهم مٌرفَّهون، ولولا الحمير لمات معظم الناس عطشا.. أمَّا سيارات النقل العمومي والتي من فُلكِ نوح (عليه السلام) صفيحها.. ومع هذا فعزّ أن تتيسر في كثير من ساعات النهار وبشكل دوري مستمر بعيدا عن الحافلات والتي كما قيل تَسمع بالمعيدي خيرٌ من أن تراه.. أما الشوارع فعِش رجباً ترى عَجبا (و رجب المعنيُّ هنا هو الشهر الثامن من السنة الميلادية حيث بداية موسم الأمطار) ..ناهيك عن الجسور أو الإضاءة أو الأرصفة أو الحدائق العامة فذلك من حديث النفس.

 

الحديث هنا عن العاصمة أما المدن الأخرى، فكما قال الشاعر:

حاشا لِدُرةَ أن تُبنى الخيامُ لها *** وأن تروحَ عليها الإبلُ والشّاءُ

 

والشيء بالشيء يذكر، فمن كانت هذه أرضه، فكيف له أن يُوفّر عملاً أو يُعِين على دراسة فضلا عن بناء مساكن لأصحاب الدخل المعدوم لأنه ليس عندنا أصحاب دخل محدود أو مستشفيات أو عيادات بالمعنى الواقعي على وجه الأرض، وإلا لما ذهبنا إلى السنغال أو تونس أو المغرب أو يساهم في تخريج أطباء أو غيرهم من شتى القطاعات الإنتاجية والخَدَمية.

 

فهذا بَعيد عن التقارير الاقتصادية حيث التقارير عن الحديد والذهب وغيرها من الثروات المعدنية وكذلك البترول والأسماك والثروة الحيوانية والعقود الدولية ومُؤشرات الميزانية الوطنية بُعد الشمس.. ومن لا يُؤمن بالحقائق لا تُقنعه البراهين.

 

كل هذا لم يُلتفت إليه ولم يَجد من يطالب بشيء منه.. وإن حدث فهو من باب شكوى الجريح للغِربان والرّخَم.

 

هذا غيض من فيض مما يترآى للمتابع في الداخل.. أما في الخارج، فقد كان المواطن الموريتاني يتّخذُ من السفارة أو القنصلية صاحبا من بعيد ولا يُكلّمها إلا في موضوع التجديد (الجواز طبعا) حيث إنها الجهة الوحيدة المخولة بذلك، وكان في ذلك ما فيه من التّجهم والتّقطيب والعُبوس وتَعكير الصفو الكثير، وكأنّهم تواصوا به في غالب البلدان. حتى أنّ الكثير مِنّا يتفادى ذلك بالاتصال بأقاربه أو أصدقائه أو معارفه في الوطن للقيام بتلك المهمة لأن التعامل مع أغلب سفاراتنا وقنصلياتنا هو من باب {فمن اضطُر غيرَ باغٍ ولا عادٍ فلا إثمَ عليهِ}.

 

لذا كان حالنا كما قال الإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله:

يمشي الفقيرُ وكل شيءٍ ضِدهُ *** والناس تقفل دونه أبوابها

 

كانوا في ذلك الزمن يكتبون على الجواز عبارة إن قنصلياتنا لا تتحمل تكاليف إرجاعنا إلى أرض الوطن وكان علينا أن نعي ذلك (فالفقر ليس عيبا والعجز كذلك).. أما اليوم وبعد صدور المرسوم رقم: 032 - 2012 والصادر بتاريخ 26 يناير 2012 والمتعلق باللجنة الوطنية للسجل السكاني والوثائق المؤمنة، فقد فُرِضَ على السفارات سياسةُ النّأيِ بالنفس، وصار لِزاما على المواطن الموريتاني السّفر إلى أرض الوطن واستخراج الجواز من هناك ثم العودة لتجديده كلما تَحتّمَ ذلك (رغم أن المعلومات قد شُفّرت وتَمّ تَخزينُها في النظام البرمجي للوكالة الوطنية لسجل السّكان والوثائق المؤمنة ويمكن للموظفين الإطلاع عليها بضغطة زِر) أو الذهاب إلى مكاتب اللجنة الوطنية في الدّول التي تتواجد فيها تلك المكاتب والتي لا تتعدى أصابع اليد الواحدة في العالم أجمع.. أما بقية سفاراتنا في العالم فليس فيها أيُّ مكتب للوثائق المؤمنة!

 

أبا مُنذرٍ، أفنيت فاستبق بعضنا *** حَنانيك بعض الشر أهونُ من بعض

 

 

أيُّ إنصافٍ وأيُّ رحمة.. ليت الرئيس الموقر يُدرك أننا لم نترك أهالينا وأراضينا حُبا وطَربا. حتى يجعل من مُجرّد الحصول على جواز سفر مُشكلةً حقيقة بالنسبة لنا!

 

وإذا كانت التسهيلات قد عمَّت عواصم الولايات لتخفيف المؤونة عن تحمل المشاق إلى الذهاب للعاصمة، فالتخفيف على الذين في الخارج أحق وأولى.. فأين قطع المسافة من روصو إلى نواكشوط من المسافة من جوهانيزبورغ أو بكين أو غيرها إلى نواكشوط!

 

وإن كان ولا بُد.. لم لا تُمدّدُ فترة صلاحية الجواز.. عشر سنوات مثلاً مثل كثير من الدُّول منها جنوب أفريقيا مثلا، فقيمة الجواز هنا 400 راند أي ما يُعادل 10500 أوقية (أكثر بـ500 أوقية من ربع قيمة الجواز الموريتاني) وصالح لمدة عشر سنوات ويدخل الكثير من الدول الأوروبية وأمريكا اللاتينية والآسيوية وحتى نيوزيلاندا بدون تأشيرة ويمكن تجديده والحصول عليه عن طريق السفارات وبكل سلاسة.

 

وهناك استفسار؟ تُرى ما هو تعريف الفقر في مفهوم الرئيس، وذلك بناءً على تلقيب نفسه برئيس الفقراء!

 

فمن يُجبِر الناس على صرف آلاف الدولارات على التذاكر والتنقل وغيرها من المصاريف للحصول على مُجرد جواز سفر، جدير به أن يُعرّفَ بِمواصفات الفقر والذي بموجبه لا تتحمل السفارات تكاليف إرجاعنا إلى أرض الوطن!

 

وكما تعلمون فالفقير في المصطلح الفقهي هو من يجد بالكاد دون النصف من قوته، ولذلك قُدّمَ على المسكين بالنسبة للأصناف الثمانية.

 

فما هو تعريف الفقير في قاموس رئيسنا الموقر !

 

ثم ما هي مميزات الجواز الموريتاني وهل يستحق كل هذا العناء.. وما الذي يجعل من الجواز الموريتاني مَعْلَما تُشدّ إليه الرّحال!

 

حبّذا لو عُرّفنا بقيمة ذلك الجواز النسيج وحده.

 

من مُخبر عنّا الرئيس، بأن المواطن الملاوي (والذي تُباعُ الفئران مشوية في مفترقات طُرُق بلاده وذلك هو الفقر إن كان فقر إذا ضاع جوازه أو احتاج إلى تجديد، يذهب إلى سفارته ويكمل إجراءات التجديد في القسم القنصلي عندهم.. بعدها يحصل على جواز بيومترك وبالمواصفات الدولية.

 

من مُخبر عنا الرئيس بأن المواطنين الصوماليين والسوريين و اليمنيين كذلك، يحصلون على جوازاتهم البيومتركيّة عن طريق سفاراتهم.. ونحن ولله الحمدُ والمِنّةِ أحسنُ منهم حالا.

 

ختاما، وبما أننا من الجمهورية الإسلامية الموريتانية التي طَوقت مؤلفات علمائِها الآفاق وفيهم الوعاظ ووزراء الشؤون الدينية (الذين يجلسون مع الرئيس في كل اجتماع لمجلس الوزراء) وأبناء العلماء.. لِمَ لا يتبرع أحدهم ولو من باب حق المسلم على المسلم أن يَذكر للرئيس أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام قال: "اللّهُم مَن وَلِيَ مِن أمر أُمّتي شيئا فَشَقّ عليهم فاشقُق عليه، و مَن وَلِيَ مِن أمر أمتي شيئا فَرَفَقَ بهم فارفُق به" صحيح مسلم، حديث رقم: 1828.

 

مَن المستفيد من كل هذا التعنت وهل للمواطنين حقٌ يمكنهم المطالبة به.. أم أنّنا في نظرهم كقول القائل:

ويُقضى الأمرٌ حينَ تَغيبُ تَيْمٌ *** ولا يُستأذنون وهم شُهودُ

 

نرجوا كمواطنين ليس لنا من يوصل مطالبنا ممن له مروءة أو غيرة وطنية من النواب ورؤساء الأحزاب والوزراء وأصحاب الإمكانات أن يُوصِل هذه الشكاوى والاقتراحات إلى أصحاب القرار (الحديث هنا ليس عن الطّحالب والفِطريات والتي مفهوم الوطنية عندها هو إذا الريح مالت.. مال حيث تميلُ.. فهم كما قال المتنبي:

من يَهُن يسهلُ الهوانُ عليهِ *** ما لجرح بميتٍ إيلامُ

 

عسى الله سبحانه وتعالى أن يُلجم أفواههم عنّا بما شاء، هو وليُّ ذلك والقادر عليه) ..ستّ سنوات مضت وكأنّنا ننادي صخرةً حين أعرضت.. فلماذا؟

 

تركنا كل شيء ولا نرجوا من الوظائف أو الامتيازات شيء ولا حتّى ذَودُ الطّيرِ عن شجرٍ، قد بَلونا المُرّ من ثمرِه، فقد أغنانا الله سبحانه وتعالى عن الدولة الموريتانية وكل ما يتعلق بالدولة الموريتانية وكفانا الله المَؤونَة، فَلم لا يساعدونَنا على عدم الحاجةِ إليهم وهل يُعادُ إلينا حق تمديد الجوازات بفتح مكاتبٍ للوكالة الوطنية لتسجيل السّكان والوثائق المؤمنة في جميع بَعثاتنا الدبلوماسية وليُعبّس المسؤولون فيها بعد ذلك أو يُقطّبوا فقد رضينا من المراكِبِ بالتّعليق وهذا أقلّ القليل، أم أنّ مسؤولينا قد رَضوا بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم. نُعيذُهم بالله من ذلك ونرجوا أن لا يكونوا كذلك.

 

السيد ولد الشريف محمد أحمد - مواطن موريتاني من جنوب أفريقيا