على مدار الساعة

للإصلاح كلمة: أكتبها لمؤتمر حقوق الإنسان المنعقد في موريتانيا

3 مايو, 2018 - 13:57
بقلم الأستاذ / محمدو بن البار

كلمة الإصلاح لاحظت أن هذا العنوان يشتمل على معنى كبير لا يمكن لإنسان أن يتحمل مسؤولية القيام بهذا الحق الإنساني إلا إنسان يعتـنق دينا أي دين لأنه لا يوجد كتاب سماوي إلا وأوصى وأكد على الأمة التي أرسل إليها أن تحافظ على حقوق الإنسان فيما بينها يقول تعالى أنه جاء في التوراة {من أجل ذلك كتبنا على بني إسراءيل أنه من قـتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قـتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا} وكتبنا هنا بمعنى ألزمنا بني إسراءيل في التوراة من أجل قتل ابن آدم أب البشرية لأخيه ظلما أنه من قتل نفسا الخ الآية أعلاه، وهذه الكتابة في الإنجيل أيضا لقوله تعالى أنه اتبع لبني إسراءيل رسوله عيسى ابن مريم حاملا معه الإنجيل مصدقا لما في التوراة وأنه هدى ونور يقول تعالى {وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور}.

 

أما القرآن فلعمومية توجه دعوته إلى العالم كافة، فإنه لم يبق جسد فيه روح إلا وأعطاه حقه وبينها في كتابه وأوحى بها إلى رسوله فيما أوحى إليه به خارج الكتاب وبينه الرسول صلى الله عليه وسلم طبقا لما أمره به ربه في قوله تعالى {وأنزلنا إليك الذكر لتبـين للناس ما نزل إليهم}.

 

فمن إظهاره لحق الطفل أن المرأة التي كانت حاملا من الزنى وطلبت منه أن يقيم عليها الحد فأمرها أن تذهب حتى تضع حملها ولما وضعته جاءت إليه طالبة إقامة الحد فأمرها أن تذهب حتى يبلغ ولدها سن الفطام فعندئذ جاءت والغلام في يده كسرة يأكل منها فأمر بها فأقيم عليها الحد بعد أن تأكد أنه لم يبق للولد حق من رضاعته، وكذلك عدة مرات أمر بإعطاء الحق للبهائم فأمر بأن كل من عنده بهيمة لا يستطيع القيام بحقها في المعيشة يجب عليه أن يبيعها لمن ينفق عليها وكذلك أمره لمن أراد أن يذبح بهيمته أن يرفق بها ويحد الشفرة أي السكين ليريح ذبيحته الخ وأنكر الإسلام على كل من يقوم بصيد الوحش والطير لا للأكل بل للهو واللعب فقط إلى آخر الأحاديث الكثيرة الواردة في حقوق غير الإنسان.

 

أما الإنسان نفسه فلم يكتـفي القرآن بنصوصه الكثيرة على وجوب حفظ النفس والمال والعرض حتى أمر الإسلام الإنسان ملزما له بالابتعاد عن الإضرار بنفسه يقول تعالى {ولا تقـتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} وهذه الآية فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بحديث شمل الوعيد الشديد لكل من تسبب في الإضرار بنفسه يقول صلى الله عليه وسلم "من قتل نفسه بآلة فهي في يده يتوجأ بها في بطنه في النار خالدا فيها أبدا".

 

فالمولى عز وجل لعلمه بأن الإنسان كفور وكنود وعنيد وضع له عقوبتين على جرائمه إحداهما في الدنيا وأمر خليفته في الأرض بتـنفيذ العقوبة الدنيوية وهو السلطان الذي يقول له {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر} إلى آخر الآية.

 

وأما العقوبة في الآخرة فقد ترك للإنسان المجرم وعيدا مكتوبا واضحا يقرأ ليلا ونهارا وسيلقاه المجرم في الآخرة.

 

فنتيجة لأوامر خالف الإنسان لتنـفيذ تلك العقوبات على هذا الإنسان المجرم حفظا لأرواح وممتلكات هذه الإنسانية ودفعا لإجرامها في ما بينها، فإن على المنظمات الباحثة عن حقوق الإنسان المؤمنة برب خالق هذا الإنسان وهو أعلم به كما قال تعالى في القرآن {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}، على هذه المنظمات أن تبحث عن حقوق الإنسان أيا كان هذا الإنسان.

 

فالملاحظ في عمل هذه المنظمات أن أكثر اهتماماتها تنصب على حق المجرم بعد أن ينفذ جريمته ويلقى عليه القبض من طرف الدولة فيأتي ممثل هذه المنظمة ليبحث هل المجرم احترمت حقوقه أو وقع عليه أي عقاب نتيجة لإجرامه بدون أن يبحثوا أو يسألوا عن مصير ضحية هذا المجرم أو حتى حقوقه التي سلبها منه هذا المجرم سواء كانت قـتلا فما دونه من أذية الإنسان في بدنه أو سلب ممتلكاته فلم نسمع أبدا بأن أي منظمة جاءت تبحث عن حقوق أي ضحية.

 

فعلى المنظمات أن تقرأ ما أعده الله للمجرم يوم القيامة يقول تعالى: {خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه} مقابل معاملته للطيبين يقول تعالى {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتـنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون} لتتعلم من عقوبة الله للمجرم في الآخرة ما يجعلها تضع له حساب العقوبة في الدنيا.

 

ومن هنا أود بكل بساطة وكل إنسانية أن أنبه هذه المنظمات لكي يكون عندها مصداقية في تتبع حقوق الإنسان التي ألزمت نفسها بالبحث فيها وقد عنونت عملها هذا: بحقوق الإنسان بمعنى أنها يعنيها جميع الإنسان لأن "الـ" في الإنسان هنا استغراقية ومن هنا أوضح لها أن المقبوض عليه بسبب إجرامه على نوعين: مقبوض عليه بسبب إجرام ضد الدولة تارة يكون هذا الإجرام أحدث خسائر مادية تهم الدولة سواء كانت أملاكا عمومية أو خصوصية أو خسائر بدنية في أعوان الدولة والمواطنين وتارة يكون المقبوض عليه نتيجة إجرام خصوصي في أي إنسان آخر سواء كان مواطنا أو أجنبيا مسلما أو غير مسلم أو لا يدين بأي دين ولكنه إنسان عنده حقوق الإنسانية.

 

ففي هاتين الحالتين على منظمات حقوق الإنسان أن تفرق بينهما.

 

فالإجرام المتعلق بالدولة على المنظمات أن تحقق فيه إن كان مجرد اتهام سياسي ليس معه ارتكاب عنف أيا كان فعلى المنظمة أن تراقب حق صاحبه لأنه قد يكون معه الحق ولا توجد أي عقوبة منصوصة لهذا النوع من الاتهام إلا إذا كانت اجتهادية والاجتهاد يختلف من شخص لآخر ولا سيما إذا كان المجتهد هنا في العقوبة مجرد موظف للدولة فهذا هو موضع عمل منظمات حقوق الإنسان، أما إذا كان العمل الإجرامي ضد الدولة نتج عنه خسائر مادية في الدولة أو بدنية فعلى المنظمات أن تعرف أن الدولة تمتلك الحق العام ويجب اعتباره بمعنى أن على المنظمات هنا أن تنصب نفسها قاضيا بين الدولة وصاحب الإجرام ويكون عملها منحصرا في أن لا تترك العقوبة تتجاوز صاحب الإجرام إلى قريبه أو صديقه أو زميله، لأن هذا المعنى هو أكبر خلط في تصرفات الإنسان الحاكم الدولي الآن حيث أن الدولة تارة تحمل الأقارب والعاملين مع المتهم سواء كانوا سائقين أو حلاقين أو طباخين الخ واتهام هؤلاء هو أعظم إجرام تقوم به السلطة في العقاب، ولذا فإن أكبر تحذير سجله الإسلام في نصوصه بالأمثلة الحية وبالآيات المكتوبة المقروءة من هذا التصرف وهو إجرام هذه العقوبة التي يلقاها القريب البريء، فمن الأمثلة الحية: أن الإسلام فرق في المسؤولية بين الابن مع كفر الأب في قضية إبراهيم وفرق الأب مع كفر ابنه مثل نوح وابنه وفرق بين الزوج مع كفر زوجه وخيانتها له مثـل نوح ولوط وفرق بين الزوجة مع كفر وبطش زوجها في قضية امرأة فرعون.

 

 أما الآيات فيقول تعالى {ولا تزر وازرة وزر أخرى} وقوله تعالى {وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى} الخ.

 

فعلى المنظمات أن تلاحظ هذه القضية وتعلنها بين المنظمات الحقوقية الأخرى حتى يكون نصها واضحا بين الدول في مجلس الأمن والأمم المتحدة.

 

وبالعودة إلى نوع المقبوض عليهم من طرف الدولة بسبب إجرامهم في حق الإنسان الخصوصي فإن تدخل المنظمات الحقوقية عليه أن يتجه اتجاها آخر وهو أولا: أن يذهب إلى الضحية أو ورثته لأن الجاني قد يكون لصا أو لصوصا اعتدوا على حياة مواطن بقتله وأخذ ماله، والمنظمة تـتدخل لمعرفة وضعية المجرم في السجن فعلى المنظمة أن تقوم قبل ذلك بالاتصال بالضحايا أو ورثتهم لتدرك عن كثب أن هذا الشخص المجرم يستحق العقوبة فإذا كانت جريمته من الجرائم التي نص الإسلام على عقوبتها مثـل القصاص في القتل عمدا كما قال تعالى {ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب} أو كانت عقوبته قطع اليد فيتركوا الأمر للسلطة وإذا لم تقم به فإن الله سيعاقبها هي كما قال تعالى {وتـلك حدود الله يـبينها لقوم يعلمون} وقال للملك النبي داوود {يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب}.

 

وفي أمثال هؤلاء المجرمين الذين يستحقون إقامة حدود الله عليهم يقول الله تعالى لأمثال المنظمات الحقوقية {ولا تاخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين}.

 

فإهمال هذه الأوامر من طرف السلطة هو الذي ملأ السجون من المجرمين لعدم إقامة حدود الله عليهم فلو أقيم حد الله على المجرمين لربما لم تجد المنظمات الحقوقية في أي دولة إسلامية تقييم الحدود مجرما واحدا إلا إذا كان إنسان جريمته سياسية لم يكن فيها حد منصوص عليه، وبناء على هذه الحقيقة فعلى المنظمات إذا جاءوا لأي دولة للتفتيش عن معاملتها لسجنائها عموما فعليهم أن يستدعوا ضحايا سكان السجون ليفرقوا بين ذلك بين من يستحق الدفاع عنه ومن لا يستحق ذلك وباستدعائهم للضحايا سوف يجدون من بين اللصوص المجرمين من يقر أمامهم أنه قام بفعل كذا لهذا الضحية الموجود أمامكم وقد يكون سلبه أمواله بعد الاعتداء عليه جسديا.

 

ومن هنا أعطيكم مثلا حيا وقائما ومشهودا في كل يوم لتجيب عليه منظمتكم الحقوقية إجابة صادرة من عدالة اجتماعية طبيعية أودعها الله في قلب كل إنسان غير مجرم ويتمثل ذلك فيما لو أخذ إنسان كل ما يملك شخصا من المال وتركه فقيرا لا معيل له ولكن المجرم بعد إقراره بالمال امتنع للسلطات من إرجاعه لصاحبه إما تعنتا أو عدم خوف من أي عقوبة غير السجن مثل الضرب والإهانة غير المميتة لأن المنظمات الحقوقية لا تبيح أي عقوبة لأي مجرم غير السجن: فهو إما أن يدعى أنه أعطاه لشخص آخر وامتنع من أن يدل عليه أو ادعى أنه ضاع عليه بعد سلبه من صاحبه، فما على هذه المنظمة والحالة هذه أن تتصرف فيه مع تيقن الجميع أن المال ما زال موجودا وهذا المجرم ماثلا أمامهم هو ضحيته الذي قد يكون مجروحا من عملية هذا السطو بل قد يكون تركت فيه هذه العملية ما لا يمكنه التحرك معها.

 

ونظرا إلى أن هذه الأمثلة كثيرة وموجودة في كل أصحاب السجن فإني اكتفى بهذه الإشارة لنقول للمنظمات الحقوقية المؤمنة التي يخاف صاحبها عذاب الآخرة الذي هو يوم مجموع له الناس وهو يوم مشهود أن عليهم أن يفتشوا بدقة قوانين حقوق الإنسان الحالية لتوسيع العدالة الإلهية بين الإنسانية حتى تعم حقوق الإنسان المجرم والضحية.

 

وأخيرا أقول للجميع {فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد}.