على مدار الساعة

للإصلاح كلمة: قدمها في الدنيا وقدمها الثاني في الآخرة

25 أبريل, 2018 - 08:40
بقلم الأستاذ / محمدو بن البار

كلمة الإصلاح لها ولله الحمد كثير من السنين وهي تكتب لأهل الدنيا لتشاركهم في شأن همومهم اليومية إلا أنه في الآونة الأخيرة لم تتركها المواقع الإلكترونية الموريتانية بنشرها اليومي المكثف بأسماء وخصوصيات الراحلين من هذه الدنيا إلى الآخرة، لم تتركها إلا أن تخصص كتابة للراحلين إلى الآخرة لأني أعرف جيدا أن من يذهبون إلى الآخرة هم أحوج بكثير للتوجيه في الدنيا قبل ذهابهم إلى الآخرة لأنهم بعد هذا الذهاب لا ترجى لهم عودة إلى هذه الدنيا وإلى الأبد بمعنى أنهم انتهوا نهائيا من الدنيا وتارة يكون هذا الانتهاء بدون إنذار خاص من عدم المشاركة في عراك أهل الدنيا في أنواع حياتهم اليومية مع أن العمل لأجل الآخرة ذهبوا نهائيا عن فرصته التي كانت متاحة لهم على جميع الأصعدة وما أكثرها.

 

ومن الغريب الواقع أن جميع من يذهبون إلى الآخرة يوميا وتنشر المواقع أسماءهم وتارة كامل هويتهم ونشاطهم الدنيوي، يرى القارئ المسلم اختلاف ألسنتهم وألوانهم وحالتهم الاجتماعية والمعرفية وأعمارهم إلى آخره وكذلك موالاتهم ومعارضتهم ووظائفهم السابقة من عند رتبة وزير إلى البواب أو عاطلين عن العمل أو متقاعدين، وكذلك رتبهم العسكرية والأمنية إذا كانوا من أصحاب الزي العسكري أو الأمني الذي ينزع عنهم طبعا بعد الذهاب إلى الآخرة مباشرة، يلاحظ أنه عندما تعلن المواقع وفاتهم وتنشر حالتهم الدنيوية المختلفة تتفق جميع هذه المواقع في كتابة ما يرجى لهم في الآخرة سواء كانوا موالاة أو معارضة أو أي نشاط لهم في الدنيا كما تقدم حتى ولو كانوا علماء أو رجالا نتيجة رؤية عبادتهم أو إرثهم للوصف بالصلاح من آبائهم الذين كان يطلق عليهم "الصالحون" الجميع يتوحد أهله بتصريح المطلوب له في الآخرة وهو أن يدخله الله الجنة ويبعده عن النار، وهذا الطلب الموحد للجميع يرجونه من فحوى الآيات القرآنية، فإذا كان طلب دخول الجنة يقرأون قوله تعالى {يأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي} وإذا كان الدعاء لأهله بالصبر يكتبون قوله تعالى {وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون} الخ الآية.

 

فجميع المواقع متفقة على ما تطلب لمن ذهب إلى الآخرة بمعنى أنهم يعرفون بالقوة كما يقول أهل المناطقة أن الذاهبين إلى الآخرة كانوا عمالا لجهة واحدة وهي الذاهبون إليها جميعا، ويستحيل أن يذهب معهم وسيط أو وسطاء سواء كانوا من الموالاة أو المعارضة أو لحلاحين لأي جهة ليطلبوا لصاحبهم الذاهب إلى الآخرة أي اتجاه غير اتجاه زملائه والجميع لا يدري ما هو المصير؟

 

ومع ذلك لا أرى أحدا في الدنيا يتذكر ما زال قبل الذهاب إلى الآخرة حديث النبي صلى الله عليه وسلم أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما وابغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما، المرفوع تارة والموقوف على علي رضي الله عنه تارة أخرى والحب والبغض يتمثلان هناك في الأخلاء المتقين منهم إيجابا والعاصين سلبا.

 

وكما ذكرت في أول المقال أني كتبت كثيرا في المواقع في مشاكل أهل الدنيا للتوجيه فيها وبما أنني الآن أكتب هذا المقال وأنا ما زلت في الدنيا فإني أكتب لنفسي ولزملائي الذاهبين جميعا إلى الآخرة عن المشاكل في الآخرة التي سوف نجد تنفيذها علينا جاهزا طبقا لقوله تعالى {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء (محضرا كذلك لكن) تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد}.

 

وقبل أن أدخل في تفصيل زاد القدوم على الآخرة أود أن أعلن أن هذه ليست موعظة يراد بها التخويف من شيء ربما يقع أو لا يقع ولكن هذه الكلمات تصوير كاشف لما سيقع لا محالة كما قال تعالى {فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون}.

 

ورجوعا لما تقدم من توحيد طلب أهل المواقع للذاهبين يوميا عن معارفهم إلى الآخرة وهو دخول الجنة والبعد من دخول النار فإني أقول لنا جميعا نحن الذين ما زلنا في الدنيا أن نعمل ما نساعد به دعاء إخوتنا الذين سوف نتقدم أمامهم إلى الآخرة ويدعوا لنا بدعائهم الموحد أن نعينهم بمراعاة معنى الحديث الذي اختصر فيه النبي صلى الله عليه وسلم نتيجة هذا الدعاء الموحد لمن ذهب إلى الآخرة فيقول النبي صلى الله عليه وسلم : "من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار".

 

وبما أنه صلى الله عليه وسلم أمره ربه أن يبين للناس ما نزل إليهم فكأنه يفسر بهذا الحديث قوله تعالى في دخول الجنة {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز} وقوله في دخول النار {ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار}.

 

فهذه المعونة للداعين لنا بعد ذهابنا إلى الآخرة تتمحض في أن نعينهم بأن نموت غير مشركين بالله شيئا

فالرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال لخادمه اسألني شيئا فالخادم لتوفيقه من الله كانت همته عالية ففاجأ النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لا أسألك إلا مرافقـتـك في الجنة فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله "أولا" أو غير ذلك لأن إجابة طلب كهذا لا يوجد إلا عند الله والله يقول: {أوفوا بعهدي أوفي بعهدكم} فقال الخادم لا أسألك إلا ذك فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم أن يعينه على طلبه بأن يفعل ما علق به المولى عز وجل دخول الجنة وهو كثرة السجود كما قال تعالى مخاطبا له صلى الله عليه وسلم: {فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} فالنبي صلى الله عليه وسلم أحال عنه طلب الخادم إلى فعل أوامر ربه كما قال صلى الله عليه وسلم أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد والله يقول في الحديث القدسي: "من تقرب إلي باعا تقربت إليه ذراعا" إلى آخر الحديث.

 

ومن هنا أتوجه إلى العلماء والعلماء فقط لأقول لهم ما يلي:

أولا: أنا لست بعالم بل أنا والعلم لا نسكن في قارة واحدة ولكن منزلي بجنب مسكن صاحب الجهل والأمية ولكن نـنفذ فقط أمر ربي فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون والمعني هم العلماء فهم الموقعون عن رب العالمين.

 

ثانيا: لتوضيح الأسئلة فقط فمعلوم أن الحديث المتقدم في قضية الشرك يبينه قوله تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به} الخ الآية وبقوله {واعبدوا الله ولا تشركون به شيئا} أي: أي شيء فعندنا هنا نكرتين في قضية الشرك واحدة منطوقة وهي شيئا وهي أشد النكرات لا تشركوا به أي شيء لا في ذاته ولا صفاته ولا في كل ما هو خاص به جل جلاله، والنكرة الأخرى بعد التصريف: فإن "أن" المخففة مع المضارع ينتج سبكها مع المصدر وهو إشراكا نفس المعنى أعلاه أي: أي إشراك.

 

والآن تبدأ الأسئلة فنحن المسلمين أحدثنا بعد النبي صلى الله عليه وسلم ياء نسبة دينية لأنها تتعلق بالفقه والعقيدة والعبادة فنقول مالكي وأشعري وجنيدي وهناك نسب بياءات أخرى تتعلق بعبادة بالذكر فقط ولكن ليست مشتركة بيننا ولكنها تدخل في الأسئلة عنها ليعلم أهلها الوافدين إلى الآخرة كل يوم وهم مازالوا أحياء جواب العلماء على ياءات النسب المتعلقة بالأشخاص ونرجو هنا من العلماء وغيرهم ألا يبدأوا الفتوى بالتعليق علي عقيدتي أنا دون أن يجيبوا على مضمون نسب تلك الياءات، مع أن هذه النسب ليست في درجة واحدة عندي ولكن أتيقن أن رجالها المنسوبة إليهم هذه التبعية لا يعلمون بها لأن مقصودهم ليس إتباع غيرهم لهم.

 

فمالك أعطاه الله للمسلمين أفرغ قريحته العلمية في توضيح النصوص الإسلامية كتابا وسنة حتى استخرج قواعده الفقهية من تلك النصوص وأصبح كل من يقلده في فهمه لتلك النصوص ينسب إلى مذهبه بدون إذنه لأنه إذا كان غير مجتهد فيصعب عليه استخراج الحكم غير المنطوق ولذا فتلاميذه المجتهدون إذا اختلفوا معه في هذا الفهم لا يتقيدون بفهمه كما يقول خليل دائما: عند مالك لا ابن القاسم وكما يقولون خلافا لأشهب وهكذا ، ولكن على المسلمين أن يقتصرا الإتباع على هذا حتى يلقوا ربهم.

 

أما الإمام الأشعري في عقائده والجنيدي في عبادته فتلك النسبة دنيوية في نظري لا تذهب إلى الآخرة فالأشعري (وهذا يعد تدخلا لغير حاضر في الندوة الأخيرة في جامعة شنقيط العصرية التي نشرت في المواقع) رجل ما كتب عنه في التاريخ إلا أن عليه هو أن يحمد الله على خلعه للاعتزال بعد 30 سنة ولكن لم يصل إلى فهم النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين للعقيدة لأنهم فهموها كما أرادها الله فهموا معنى الذات والوجود وجميع الصفات عند الله ومادام الله أغلق على الموضوع بقوله {ليس كمثله شيء} فالبحث فيه غير مطلوب إلا إذا دعت حاجة إلى البحث فيه للرد على المعتزلة وبما أن مذهب المعتزلة ومذهب الأشعري الجديد كلهم عقائد فكان ينبغي انتهاؤهما في أول القرن الرابع عند انتهاء الغاية منهما.

 

فالعلم والعقل عندما يجتمعان في شخص ينتهز الشيطان الفرصة ليهلكه بتغليب فهم عقله على النصوص فابن عاشر المغربي أضاف عقيدة الأشعري لعلم الإنسان عن طريق الوراثة له لدخول هذه العقيدة في المغرب ولكن ابن أبي زيد التونسي لم يذكره لأنه لم يرثه عن سلفه ونحن يكفينا فهم الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة لما يتعلق بالله بما جاء في القرآن ونفوض المعنى الحقيقي لله.

 

أما التطرف والغلو الجديدان فلا أظن أن لهما علاقة بعقيدة أشعرية ولا غيرها، وبما أننا لم نسمع منهم دعواهم مباشرة فنظن أنهم يبحثون عن الدولة الإسلامية في القرآن بمعنى سلوك رئيسها وتطبيقه للحدود الإسلامية وسلوك نسائها ومعاملتها مع الأجنبي إلى آخر مفردات الإسلام المخالفة للدين في نظرهم وقضية الربا وغير ذلك من ما لا يفهم حكام المسلمين اليوم البحث فيه، وأنا أظن أن أقصر طريق لإنهاء الغلو والتطرف هو أن تقوم كل دولة إسلامية بالبحث المفتوح بينها ومواطنيها ويطلب من الأوربيين ترك متطرفي الإسلام للمسلمين أنفسهم يعالجونهم بالإسلام أو يقتلونهم بالإسلام كما يقول المثل العربي "بيدي لا بيد قصير".

 

أما ياء النسبة إلى الجنيدي ونسبة ذلك إلى طريق التصوف فإن العبادة إما فرضا أو نفلا أو معاملة مع الغير متدرجا بالوالدين وذي القربى واليتامى الخ وهذا لا علاقة له بالجنيد ولا غيره وإنما علاقته المباشرة مع التعامل الشخصي بنصوص القرآن وتتبع فعل النبي صلى الله عليه وسلم الموجود الآن في كل كتاب مصححا ومنقحا الخ

فطرق العبادة الموقوف نسبتها إلى الأموات دون النبي صلى الله عليه وسلم بإعطاء بعضنا البعض ذكرا ليقوله صباحا ومساء فقد سبقهم لهذه المهمة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أرسل بها وأداها على أكمل وجه وترك ورده المحدد المأمور هو به من الله بأدائه في كثير من آيات العشي والإبكار على مختلف ورودها في لغة العرب وبلغها الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته مفصلة بالعدد والتوقيت ولذا يقول الله تبارك وتعالى {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك (منفردا) على هؤلاء شهيدا} إلى آخر الآية.

 

أما الذاهبون إلى الآخرة من أهل هذه الطرق فنحن نتيقن أن لقاءهم معهم سوف ينتهي عندما نصلي ما دمنا أحياء عليهم معهم عند مسجد ابن عباس أو مسجد التوبة في الرياض أو غير ذلك من الأماكن إلا إذا توفر في الجميع هذه الشروط فقط وهي قوله تعالى {إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين} أي يلتقون مع المؤمنين في الآخرة بعد لقائهم لله ورضائه عنهم.

 

فعند استقرائنا للقرآن وما تيسر من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لم نجد فيه لقاء أحد لأي أحد قبل أن يلقي الله وحده ليس بينه وبينه ترجمان ويتحدد مصيره عندئذ.

 

فبعد أخذ ملك الموت للروح الذي وكل بأخذها يسلمها لله تعالى مباشرة وتنتهي مهمته بعد ذلك ليسلما الله لمن شاء من ملائكته لتلقى مصيرها الأخير، فالله يقول {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون} وعند البعث {فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون}.

 

وملخص هذا المقال الدنيوي الأخروي أن الإمام الأشعري رحمه الله الذي اتفقت موريتانيا مع دولة أخرى أنها ستبني لعقيدته معهدا وفتحت هذه الندوة لذكر مآثر عقيدته، فالمتفق عليه أنه عندما رجع من الاعتزال أراد أن ينشئ من عقله عقيدة وسطية في نظره بين أهل السنة المكتفين بفهم النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة في العقيدة والمعتزلة المعتمدين على العقل فاشتغل هو بعقيدة التأويل سماها وسطية مستدلا بالعقل فقط وقد قدمنا أن العقل والعلم عندما يجتمعان بحدية في شخص ينتهز الشيطان الفرصة لفـتـنته بتزيين تغليب عقله على نقله، والمعروف أن النقل الثابت بالقرآن يحكم على العقل المحدود في الإنسان فمثلا إذا كان يوم القيامة ووجدنا أن استوى لا تؤول باستولى إلى آخر العقائد فأين المفر؟

 

فعلى كل مسلم أن يكتب على بابه إذا خاطب المفرد قوله تعالى {اتبع ما أنزل إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين} وإذا خاطب الجماعة {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون}.