على مدار الساعة

خبير بالبنك الدولي: مرحلة تقييم الاستثمار غائبة في موريتانيا

1 مارس, 2018 - 13:31
الخبير الاقتصادي في البنك الدولي المكلف بالاقتصاد الموريتاني الدكتور وائل منصور خلال حديثه للأخبار

الأخبار (نواكشوط) – قال الخبير الاقتصادي في البنك الدولي المكلف بالاقتصاد الموريتاني الدكتور وائل منصور إن "مرحلة تقيم الاستثمار للأسف غائبة في موريتانيا"، مؤكدا أن التقييم بعد انتهاء المشاريع "يوضح مدى نجاح المشروع، وهل كانت تكلفته ضمن الكلفة المرصودة؟ هل نفذ في الوقت المحدد؟ وهل كان بالإمكان تنفيذه بطريقة أفضل؟".

 

وأكد الدكتور وائل منصور أن الحكومة الموريتانية "إيلاء هذا الشق من إدارة الاستثمار العام أولوية خصوصاً في ظل محدودية الموارد المالية المتوفرة".

 

وشدد الدكتور وائل منصور أن على الحكومة والبنك المركزي الموريتاني أن يؤمنا "المنظومة التشريعية للقطاع المصرفي. عبر تشريعات تساعد على ضمان إدارة أكثر فعالية للقطاع والحد من المخاطر، كما أن ضمان استقلالية البنك المركزي وتفعيل أدواته المصرفية لإدارة السيولة ووضع البنية التحتية وتحفيز المواطنين والشركات لربطهم بالبنوك، ليصبح تعامل المواطن اليومي تعاملا رقميا، وليس تعاملا نقديا".

 

ورأى الدكتور وائل منصور أنه "في عصر التكنولوجيا الحالي "هاتفك الذكي هو بنكك" وهذا ما تأخرت فيه موريتانيا"، مردفا بالقول: "مثلا يمكن للدولة أن تقوم بالاستثمار في قطاع كالتكنولوجيا، عبر مدها لشبكة ألياف ضوئية، وتسمح للقطاع الخاص بالدخول وتقديم خدمات أكثر، هذا أيضا يشجع القطاع الخاص ويربطه بسوق المال، ويربط موريتانيا أكثر بالعالم والتكنولوجيا".

 

وذكر بأن "الموريتاني معروف بأنه تاجر ماهر، وعليه أن يحول هذه المهارة في التجارة، وينقلها إلى القطاع المصرفي ليساعده في الانتشار أكثر.

 

وتحدث الدكتور وائل منصور في مقابله مع الأخبار عن ملف مديونية موريتانيا، وعن شراكتها مع البنك الدولي، وسقف تمويل الخطة الخمسية التي انتهت العام الماضي، وكذا توقعات الخطة التي يجري نقاشها الآن بين الطرفين.

 

كما تحدث عن أولويات البنك الدولي في موريتانيا، والمجالات التي يتدخل فيها، وعن الإصلاحات التي قام بها الحكومة لتشجيع مناخ الأعمال، والمجالات التي ما تتطلب المزيد من الإصلاحات، معلقا على بعض المعطيات التي وردت في تقرير البنك الدولي عن الاقتصاد الموريتاني.

 

وهذا نص المقابلة:

الأخبار: ما هي القطاعات الأكثر أولوية لدى البنك الدولي في موريتانيا؟

الدكتور وائل منصور: ينشط البنك الدولي في العديد من المجلات كالصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، كما يعمل في مجلة البنى التحتية الخدماتية، ومجالات الحوكمة، والاستشارات الاقتصادية كسياسات النمو والحد من الفقر والسياسات المالية.

 

الأخبار: ما حجم تمويلاتكم لموريتانيا خلال السنتين الأخيرتين؟

الدكتور وائل منصور: إن تمويل البنك الدولي لأي بلد من أعضائه يأتي ضمن إطار شراكة إستراتيجي يوضع من قبل أخصائيي البنك بالتعاون مع حكومة البلد والتشاور مع القطاع الخاص والمجتمع المدني. ويوضح هذا الإطار، وهو منشور للعامة على الموقع الإلكتروني للبنك الدولي، القطاعات والمجلات التي ينوي البنك دعمها، كما يحدد السقف المالي الكلي للدعم. وكان الإطار الحالي للتعاون قد انتهى العام الماضي وهو تعاون على مدى 5 سنوات وبمجمل تمويل بلغ حوالي الـ100 إلى 120 مليون دولار أميركي. أما الإطار الجديد فهو حالياً بطور الإعداد وسيصدق عليه من قبل مجلس إدارة البنك الدولي في متصف الـ2018. وسوف يأتي بتمويل يفوق الـ200 مليون دولار أميركي.

 

الأخبار: أعلنت السلطات الموريتانية خلال الأيام الماضية عن إصلاح جديد للنظام الوطني للصفقات العمومية بهدف تحسين حكامة الصفقات العمومية، وصولا إلى ترشيد أحسن للمال العام، وذلك بالتعاون معكم، ما هي معالم هذا الإصلاح؟ وما هي أهدافكم من ورائه؟

الدكتور وائل منصور: أولاً لنكن واضحين، هذا الإصلاح هو إصلاح للحكومة الموريتانية ودور البنك الدولي ينحصر في تقديم المساعدة التقنية، وتبني هذا الإصلاح ضمن روزنامة الإصلاحات الحكومية في مشروع البنك الدولي لدعم الموازنة في موريتانيا لعامي 2016 – 2017.

للإصلاح في نظرنا ثلاثة أهداف:

 

أولاً، تعزيز الاختلالات التي طرأت على تطبيق قانون نظام الصفقات الحكومية للعام 2011، والذي ساهم أيضاً البنك الدولي فيه عبر مساعدة تقنية للحكومة.

 

ثانياً، تعزيز الشفافية، ترشيد الإنفاق، وتحسين نوعية الاستثمار العام عبر إعطاء الوزارات القطاعية دورا أكبر في تمرير هذه الصفقات وبالتالي دورا أكبر في تنفيذ مشاريعها الاستثمارية.

 

ثالثاً، منح حيز أكبر لدخول القطاع الخاص الموريتاني ضمن هذه الصفقات العمومية وتنظيم أطر التلزيم للمؤسسات العامة.

وتمت هذه الإصلاحات بناءً على عمل مشترك بين وزارة الاقتصاد والمالية وسلطة تنظيم الصفقات العمومية، وبالتنسيق مع مكتب رئيس الوزراء ، إضافة إلى مساعدة تقنية من مشروع البنك الدولي للحوكمة.

 

الأخبار: يجري الحديث عن اختلالات في مجال منح الصفقات في البلاد، وهناك صفقة كنتم أحد المساهمين فيها، وتم تأجيلها نهاية 2015 قبل أن تمنح لشركة ZTE وهي صفقة مشروع  
"WARCIP" وشبكة الألياف الضوئية، ما تفاصيل هذه الصفقة؟ وكيف ترون مجال الصفقات عموما؟

الدكتور وائل منصور: مشروع "الوارسيب"ليس من اختصاصي لأنني أعنى بالشؤون الاقتصادية، ولكن ما أعرفه هو أن سبب التأخير تقني نظراً لمتطلبات المشروع الصعبة، ومنها وجود أكثر من جهة مانحة تعنى بالتمويل. ومع انسحاب أحد المانحين كان لزاماً إعادة تكوين ملف المشروع مما أخر الصفقة، وبالتالي التأخير تقني بحت. وقد علمت أن الصفقة انتهت مؤخراً وأتت بأسعار أقل من المتوقع مما وفر على الدولة أموالاً.

 

الأخبار: هل أنتم راضون عن حجم مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد الموريتاني؟ وكيف ترون مساهمته؟

الدكتور وائل منصور: لقد أشرنا ضمن نشرتنا الاقتصادية ودراستنا التشخيصية لمعوقات النمو في موريتانيا إلى الحيز الكبير الذي يأخذه القطاع العام في موريتانيا من الاقتصاد الوطني. ويأتي ذلك سواء من حيث حجم التوظيفات في القطاع العام، أو الاستثمار، أو من حيث مشاركة المؤسسات العامة في كافة القطاعات الاقتصادية. وقد يكون ذلك مبرراً في السابق مع ضعف القدرات البشرية والتقنية والتمويلية للقطاع الخاص الموريتاني.

 

ولكن الآن قد تغيرت المعطيات إذ أضحى القطاع الخاص أكثر كفاءة ونشاطا، وأصبح قادراً على لعب دور أكبر في الاقتصاد الوطني؛ وعليه المسؤولية للعب هذا الدور. وهنا مسؤولية أيضاً على الدولة لتأمين أرضية اقتصادية تسمح بالتنافس العادل للجميع، وتأمين استثمارات عامة في الخدمة - كشبكات الطرق والكهرباء والمياه والتعليم إلخ... - وتأمين نظام حوكمة اقتصادية صالح، مما يساعد القطاع الخاص الموريتاني لقيادة عملية النمو وخلق فرص العمل.

 

وأنا أدعو القراء إلى الولوج لصفحة البنك الدولي على الأنترنت لقراءة هذه النشرات على صفحة موريتانيا على موقع البنك الدولي

 

الأخبار: برأيكم ما هي معوقات مساهمة القطاع الخاص؟

الدكتور وائل منصور: يمكن تلخيص هذه المعوقات بثلاثة:

 

أولا: هناك مشكلة تمويل نظراً لحجم القطاع المصرفي الصغير. كما قلنا في تقريرنا عن الاقتصاد الموريتاني، فالقطاع المصرفي لا يخدم كثيرا مصلحة القطاع الخاص في التمويل، لأن الودائع قليلة، وبالتالي لا يمكنه تطوير خدمات مصرفية، وخدمات تمويلية، تسمح للشركات خصوصا المتوسطة والصغيرة منها بالحصول على قروض بفوائد متدنية كي تستثمر في الإنتاج وتطوير الأعمال.

 

ثانيا: هناك معوقات تتعلق بالحوكمة. منها صعوبة الحصول على صفقات عمومية واستعمال القضاء في قضايا فصل النزاعات ما بين الشركات والأطراف الأخرى، فضلا عن عدم توفر العمالة الموريتانية المؤهلة – المهارية ذات الاختصاصات التي تلائم سوق العمل وتخدم القطاع الخاص - وهذه مشكلة أساسية من مشاكل مخرجات التعليم.

 

- مشكلة الريع المتأتي من طفرة ارتفاع أسعار المعادن بين الـ2008 – 2015 والذي استثمر في قطاعات غير منتجة (أو قطاعات ريعية). مما أدى إلى ارتفاع أسعار الخدمات وأسعار سوق العمل ومنها أجور القبول للعمال الموريتانيين. وهذا أدى إلى عزوف العديد من العمال عن دخول سوق العمل بانتظار فرص أفضل خصوصاً وظائف ضمن القطاع العام. فعلى سبيل المثال لا نرى العديد من الموريتانيين يعملون في قطاع البناء وهو من القطاعات التي شهدت نموا كبيراً مما حتم اللجوء إلى يد عاملة أجنبية. وهذا ما يفسر أن نسبة طالبي العمل من اليد العاملة في موريتانيا لا يتخطى الـ55% وهو رقم صغير إذا ما قورن باقتصادات أفريقيا، أي هو رقم أقرب إلى بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خصوصاً البلدان المصدرة للموارد الاستخراجية.

 

الأخبار: من بين معوقات القطاع الخاص التي تحدثتم عنها موضوع القطاع المصرفي، هل ترون أن حجم البنوك في الاقتصاد الموريتاني مبرر؟

الدكتور وائل منصور: المشكلة الأساسية هي حجم البنوك وقدرتها على تأمين خدمات متنوعة للاقتصاد ضمن منظومة إدارة فعالة للمخاطر. وهذا ما ليس متوفراً إلى الآن في موريتانيا. أيضاً فإن حجم الودائع المصرفية لا يتعدى الـ25% وهذه نسبة ضئيلة لا تسمح بوجود كم كبير من المصارف نظراً لضعف ربحيتها.

 

إذاً السؤال الذي يطرح، هل كل هذه البنوك قادرة على تمويل الاقتصاد؟ وهل حجمها الصغير يساعدها على انتشار الخدمات المصرفية (خارج عمليات الاستيراد) وجلب الودائع المحلية؟ وهل يسمح هذا العدد من المصارف مع هذه النسبة من الودائع لتحقيق أرباح تساعد هذه المصارف على الاستمرار؟

 

إذاً لا يمكن أن يزدهر القطاع الخاص دون موارد مالية، وهذه الموارد لا تتوفر بشكل فعال إلا عن طريق المصارف. فهي تؤدي خدمة مهمة للاقتصاد ولا يمكن أن تكون هذه القروض مكلفة كما هي عليه اليوم في موريتانيا.

 

الأخبار: ماذا ترون أنه يلزم الحكومة القيام به ليأخذ القطاع الخاص دورا أكبر؟

الدكتور وائل منصور: على الحكومة أن تؤمن المنظومة التشريعية للقطاع المصرفي. عبر تشريعات تساعد على ضمان إدارة أكثر فعالية للقطاع والحد من المخاطر، كما أن ضمان استقلالية البنك المركزي وتفعيل أدواته المصرفية لإدارة السيولة ووضع البنية التحتية وتحفيز المواطنين والشركات لربطهم بالبنوك، ليصبح تعامل المواطن اليومي تعاملا رقميا، وليس تعاملا نقديا.

 

في عصر التكنولوجيا الحالي "هاتفك الذكي هو بنكك" وهذا ما تأخرت فيه موريتانيا، مثلا يمكن للدولة أن تقوم بالاستثمار في قطاع كالتكنولوجيا، عبر مدها لشبكة ألياف ضوئية، وتسمح للقطاع الخاص بالدخول وتقديم خدمات أكثر، هذا أيضا يشجع القطاع الخاص ويربطه بسوق المال، ويربط موريتانيا أكثر بالعالم والتكنولوجيا. فالموريتاني معروف بأنه تاجر ماهر، وعليه أن يحول هذه المهارة في التجارة، وينقلها إلى القطاع المصرفي ليساعده في الانتشار أكثر.

 

الأخبار: هناك موضوع لا يمكن الحديث عن الاقتصاد الموريتاني دون التوقف معه، وقد أشرتم له في تقريركم، وهو موضوع المديونية، كيف حجم المديونية الآن؟ وماذا تقترحون للتعامل معها؟

الدكتور وائل منصور: أرقام المديونية واضحة ومنشورة، ولكن ما يجب توضيحه هو فهم هذه الأرقام، لأنه موضوع تقني اقتصادي له تعقيداته. كما قلنا حجم الدين العام في موريتانيا وصل في سنة 2017 إلى 74% من الناتج المحلي.

 

الأخبار: يعني دون ديون الكويت؟

الدكتور وائل منصور: نعم، دون ديون الكويت.

 

الأخبار: ودون الوديعة السعودية؟

الدكتور وائل منصور: كلا، هذا الرقم يشمل الوديعة السعودية.

الدين الكويتي هو قرض منحته دولة الكويت لموريتانيا في منتصف السبعينيات وكان حوالي الـ100 مليون دولار أميركي في ذلك الوقت. ويعتبر هذا الدين "ديناً نائماً" إذ لا يسدد أصله ولا فوائده. أما الالتباس فهو في تقدير حجم هذا الدين اليوم. فالتقديرات تتفاوت ما بين الـ150 والـ950 مليون دولار أميركي. لا نعرف بالتحديد ما هو الحجم الحقيقي لهذا القرض.

 

الأخبار: وزير الاقتصاد والمالية قال إن يشكل نسبة 25%؟

الدكتور وائل منصور: في التقرير نحن نقدره بحوالي الـ25% من الناتج المحلي، لكن هذا مجرد تقدير، وقد لا يكون دقيقا، لأن الحكومتين الموريتانية والكويتية لم تتفقا بعد على الرقم، ولم يجدول هذا الدين عندما أعفيت موريتانيا من ديونها في العام 2004. فهو موضوع ما يزال قيد البحث بين الحكومتين.

 

الأخبار: كنتم تتحدثون أن المهم ليس حجم الدين وإنما مكوناته والعوامل المؤثرة فيه؟

الدكتور وائل منصور: المهم الحجم والمنحى والمكون للدين. جميعها عوامل يجب النظر لها.

 

أما في ما يخص موريتانيا فهنالك ثلاث عوامل أثرت على ازدياد الدين العام خصوصاً في الفترة 2009 – 2016.

 

أولاً، الاستثمار العام. فمع ازدياد الاستثمار العام ما بين 2009 – 2016 مول بعض هذا الاستثمار من الدين، حيث استدانت الحكومة الموريتانية من المانحين كي تمول مشاريع إنمائية كالكهرباء والماء والطرقات.

- سعر صرف الأوقية. نحن نعرف أن أغلبية القروض في موريتانيا هي بالعملات الأجنبية (95% من إجمالي الدين)، وبالتالي تتأثر بسعر صرف العملة الوطنية مقارنةً بالعملات الأجنبية خصوصاً الدولار الأمريكي واليورو. فبحسب معطيات البنك المركزي الموريتاني ارتفع متوسط سعر صرف الدولار من 300 أوقية في كانون الثاني/ يناير 2014 إلى 357 أوقية كانون الأول/ديسمبر 2016، وهو ما انعكس على حجم الدين العام.

 

ثالثاً، الوديعة السعودية لدى البنك المركزي، وهي بقيمة 300 مليون دولار أميركي، والتي أتت لدعم احتياطي البنك من العملات الأجنبية. وتعتبر هذه الوديعة بمثابة قرض على الدولة الموريتانية يدفع فوائدها وأصلها البنك المركزي.

 

الأخبار: هذا سيقودنا لسؤال آخر، في 2005 أعلنت الحكومة الموريتانية – إبان الفترة الانتقالية – أن المعطيات التي كانت تقدمها الحكومة لكم في البنك الدولي ولصندوق النقد الدولي كانت معلومات مغلوطة، هل لديكم آليات للتأكد من صحة المعلومات التي تقدم لكم الآن؟

الدكتور وائل منصور: يخضع تبادل المعطيات ما بين موريتانيا والبنك الدولي – وكذا صندوق النقد الدولي - لمعاهدة دولية وقعت عليها موريتانيا عند انضمامها لهاتين المؤسستين. يجري فيها التدقيق بشكل دوري خصوصاً من طرف صندوق النقد تحت ما يسمى بالفصل الثامن. وعندما يكون هنالك مغالطات، تبلغ الحكومة وتعلق الأنشطة كما حصل في العام 2005. أما الآن فالتدقيق يتم ولا ملاحظات جوهرية على الأرقام، وإلا كنا بلغنا عنه. فالبنك المركزي مثلاً يخضع الآن لعمليات تدقيق من قبل شركات عالمية مستقلة لها باع طويل في هذا القطاع ونحن نطلع على نتائج وخلاصات هذه التقارير.

 

ولكن يجب القول إن الاستثمار في مجالات الإحصاء يبقى مهم جداً في بلد مثل موريتانيا كي تتحسن نوعية هذه المعطيات وتواترها.

 

الأخبار: قلتم في تقريركم إن تنفيذ ميزانية الاستثمار العمومي يختلف عن التخطيط بنسبة معتبرة استحقت أن تسجلوها في تقريركم، برأيكم ما هي أسباب ذلك وما تأثيراته؟

الدكتور وائل منصور: لقد لاحظنا ذلك خصوصا في الإنفاق الاستثماري الممول عبر الاستدانة بالعملات الأجنبية وكما قلت هناك تفسيران:

 

التفسير الأول أنها قد تكون مشاريع كبيرة ومعقدة، وبالتالي الإدارة الموريتانية ليست لديها القدرة على تنفيذ هذا المشاريع في الوقت المحدد. تفسير آخر أن إجراءات المانحين معقدة وطويلة، بحيث إنه يجب الرجوع إلى إدارات هؤلاء المانحين في الخارج في الكثير من القرارات. أما الحقيقة في رأي الشخصي فتكمن في منتصف الطريق بين التفسيرين.

 

لكن ما يهمنا في الموضوع هو الأثر الاقتصادي من ذلك، الأثر الاقتصادي واضح.

 

أولا، هو أن تلتزم الحكومة بالمشاريع، وكلما أخذ المشروع وقتا أطول كلما ارتفعت كلفته، لأن كلفة مدخلات المشروع تتغير وترتفع مع الوقت. فمثلاً مشروع كان يفترض أن يكتمل في سنتين أو ثلاث إذا تأخر إلى أربع أو خمس سترتفع حتماً كلفته.

ثانيا، التأخير يفوت على الحكومة فرصة إدخال عملات صعبة، لأنها لا تصرف هذه الأموال.

ثالثاً، تلتزم الدولة في قروض مستقبلية لا تصرف مما قد يفقدها مصدر التمويل أو يرتب أعباء على الدين العام.

 

إذاً المهم هو معرفة القدرة الاستيعابية للاقتصاد وتحديد أولويات الاستثمار على هذا الأساس. وسأعطيك مثلاً، عند التحضير لاستضافة القمة العربية استعملت معظم الأليات الموجودة في موريتانيا للانتهاء من أعمال بناء الطرقات والمنشئات المخصصة للمؤتمر مما أوقف مشاريع أخرى كانت معدة. جميع الحكومات في العالم تود أن تستثمر أكثر ولكن تمنعها من ذلك القدرة الاستيعابية لاقتصادها، وهنا نحن نتحدث عن القدرة الاستيعابية للقطاعين العام والخاص. لقد وضعت الحكومة الموريتانية برنامج وطني طموح هو الـSCAPP، على أمل أن تؤخذ هذه الملاحظات عند التنفيذ.

 

الأخبار: مثلا مشروع مطار نواكشوط الجديد تأخر ثلاث سنوات عن موعده المحدد؟

الدكتور وائل منصور: هذا شيء شائع في إفريقيا وحول العالم، لأن المطار يعتبر مشروعا كبيرا جدا، يتطلب معدات، وتكنولوجيا، وكميات كبيرة من الباطون والحديد يجب أن تستورد. هذه مشاريع كبيرة.وفي نهاية المطاف نفذ المشروع وهذا أمر ممتاز. يبقى الآن التقييم.

خبير بالبنك الدولي: مرحلة تقييم الاستثمار غائبة في موريتانيا

 

مرحلة تقيم الاستثمار للأسف غائبة في موريتانيا، وهنا نتحدث عن تقيم المشاريع بعد انتهائها. التقييم يوضح لنا مدى نجاح المشروع، وهل كانت تكلفته ضمن الكلفة المرصودة؟ هل نفذ في الوقت المحدد؟ وهل كان بالإمكان تنفيذه بطريقة أفضل؟ إذاً على الحكومة إيلاء هذا الشق من إدارة الاستثمار العام أولوية خصوصاً في ظل محدودية الموارد المالية المتوفرة.

 

الأخبار: تحدثتم في تقريركم عن انخفاض نسبة الفقر المدقع، دون أن تنقص نسبة الفقر العام، كيف تفسرون ذلك؟

الدكتور وائل منصور: لقد قلنا إن نسبة الفقر انخفضت منذ العام 2008 إلى أن استقرت في العام 2016 وهذا شيء ملحوظ. ولكن لم يستمر هذا الانخفاض نظراً لمعدلات نمو الاقتصاد البطيئة نوعا ما. كما أن النمو السكاني المرتفع في موريتانيا قد أدى في تقديراتنا إلى ارتفاع عدد الفقراء (وليس النسبة). ستتوضح هذه الأرقام أكثر عند الانتهاء من مسح استهلاك الأسر من قبل مكتب الإحصاء الوطني في موريتانيا في العام 2019.

 

الأخبار: وفقا لمعطياتكم، ما هي نسبة الفقر في موريتانيا الآن؟

الدكتور وائل منصور: موضوع نسبة الفقر هو أيضا موضوع تقني ويعتمد على تحديد ما يسمى خط الفقر، وهو خط يحدد الاستهلاك الأدنى للأسر.

 

هناك ما يسمى الخط الدولي وهناك الخط الوطني الذي تعتمده كل دولة، نحن في البنك الدولي ندرس الخطين معا.

 

في موريتانيا، هناك الخط الوطني الذي يقارن سنة 2008 بـ2014، وقد انخفضت النسبة خلال هذه الفترة  من 42% إلى 30%. هذا الخط يعتمد على مسوحات الأسر التي نفذها مكتب الإحصاء الوطني. أما الخط الدولي فهو خط أقل مستوى من الخط الوطني.

 

نحن في نشرتنا الاقتصادية استعملنا خطين دوليين الأول وهو 2 دولار في اليوم، الآخر 3.1 دولار في اليوم، وقد رأينا أنه إذا استعملنا الخط الأدنى 2 دولار، سيكون معدل الفقر 5.7% في تقديراتنا لسنة 2017 وإذا استعملنا 3.1 دولار يصبح معدل الفقر 21.7%. كبنك دولي نستعمل هذه المنهجية الدولية لتسهيل عملية المقارنة بين الدول.

 

الأخبار: تتهمون في البنك الدولي بأن معاييركم تحابي بعض الدول على حساب أخرى؟

الدكتور وائل منصور: يعتمد البنك الدولي على معايير موحدة حول العالم لتحديد حجم التمويل الذي يقدمه لكل بلد. ومن هذه المعايير حجم الاقتصاد، عدد السكان، درجة تأثر الاقتصاد بعوامل خارجية (كالمناخ مثلاً)، والحوكمة الشفافية ونوعية المؤسسات. كما أننا نسعى لنقدم دعما أكبر للبلدان التي تنجح في تنفيذ برامجها الإصلاحية خصوصاً الإصلاحات الهيكلية التي تساعد في خفض نسب الفقر وتحسين معيشة السكان.

 

الأخبار: ممثل البنك الدولي في موريتانيا قالت في كلمته خلال لقائه بالصحفيين، إن نسبة النمو المسجلة خلال 2017 لم تنعكس على البطالة، وطالب بإشراك أكثر للشباب والنساء لنقص البطالة، ورفع نسبة النمو، كيف ترون هذا الموضوع؟

الدكتور وائل منصور: موضوع الربط ما بين نسبة النمو ونسبة البطالة يتعلق بالقطاعات التي هي محور هذا النمو، إن كان النمو يأتي من قطاعات منتجة للعمل سينخفض معدل البطالة، إذا كان النمو يأتي من قطاعات غير منتجة للعمل تبقى البطالة مرتفعة.

 

النمو في موريتانيا أتى هذه السنة من قطاعات كالتعدين والصيد وقطاع التجارة، هذه قطاعات ليست بالضرورة قطاعات تولد عملا كثيرا، خصوصا للموريتانيين، ولكن يجب أن نقول إنه ليست لدينا معطيات عن سوق العمل 2017، فآخر ما لدينا من معطيات يعود لسنة 2014، وكما قلت بالنسبة للعمالة الموضوع في موريتانيا ليس نسبة البطالة بل نسبة العمالة، كما قلنا هناك أكثر من 50% خارج سوق العمل وهذا عدد كبير. هؤلاء الموريتانيين يفضلون البقاء خارج سوق العمل عن العمل في قطاعات موجودة حاليا.

 

وهذه الأمور ليست غريبة على البلدان العربية، عكس البلدان الإفريقيةالتي تنخفض فيها البطالة (لتتراوح بين 2 إلى 5%(، أما العمالة فنسبتها كبيرة جدا. في هذه البلدان الجميع يعمل، أما في موريتانيا نسبة البطالة مرتفعة 15% ونسبة الموريتانيين خارج سوق العمل نسبة كبيرة جدا.

 

الأخبار: ذكرتم ضمن معوقات قيام القطاع الخاص بدوره الاقتصادي، واقع العدالة، وبطئ الحسم في إجراءات التقاضي التجاري، هل لديكم مشروع لإصلاح العدالة بالتعاون مع الحكومة الموريتانية؟

الدكتور وائل منصور: نحن الآن نعمل على هذا الموضوع ضمن إصلاحات "ممارسة أنشطة الأعمال" (Doing Business) التي تحدثنا عنها، وهو من الأمور المطروحة على الحكومة الموريتانية للعمل فيها ضمن إطار الشراكة الجديد مع موريتانيا.

 

الأخبار: ما هي المجالات التي ترون إصلاحها ضروريا لتشجيع مناخ الأعمال؟

الدكتور وائل منصور: مجالات إصلاح وتشجيع مناخ الأعمال عديدة وتطال قطاع العدالة، والضرائب، وتسجيل الشركات، والخدمات المقدمة للقطاع الخاص، والمناخ العام للاستثمار، والتحفيزات، والقطاع المصرفي. لإبراز هذه المجلات وتقدم الدول يقوم البنك الدولي بوضع مؤشر ممارسة أنشطة الأعمال. ويمكن ملاحظة أن موريتانيا تتقدم في بعض المجالات كالضرائب، حيث باشرت في الـ2011 إصلاحات كثيرة من ضمنها موضوع الضرائب خصوصاً في تحسين الجباية وتسهيلها، وهذا مؤشر جيد. ولكنهاّ ما زالت متأخرة مثلاً في موضوع ولوج القطاع الخاص إلى القطاع المصرفي لتأمين القروض.