على مدار الساعة

وقائع وكواليس محاكمة قائد درك روصو بتهمة انتهاك الخصوصية

8 فبراير, 2018 - 01:52
كرسي الاتهام حيث جلس قائد فرقة الدرك في روصو إبراهيم ولد الكور لقراءة ردوده على التهم الموجهة إليه من حزمة أوراق كانت بحوزته (الأخبار)

الأخبار (نواكشوط) – عرفت محكمة ولاية الترارزة في مدينة روصو ظهر الأربعاء 07 – 02 – 2018 وقائع محاكمة قائد فرقة الدرك إبراهيم ولد الكور، بتهمة انتهاك خصوصية السيناتور محمد ولد غده، ونشر مراسلاته، وهي محاكمة وصفها المحامون بأنها "أول مرة في تاريخ البلد يمثل ضابط شرطة قضائية أمام القضاء بتهمة تتعلق بممارسته لعمل الشرطة القضائية".

 

كما أنها أول مرة "يفعل فيها نص المادة 381 التي تتيح القيام بالحق المدني مباشرة أمام القضاء الجالس الذي لا يخضع إلا للقانون".

 

أول الوافدين

قائد فرقة الدرك في مدينة روصو كان أول الداخلين إلى القاعة المخصصة لجلسة المحاكمة، وذلك بعد تردد شائعات عن احتمال غيابه عن الجلسة، حيث وصل إلى القاعة في حدود 11:30، وكان يرتدي الزي التقليدي الموريتاني، وغلب اللون الأزرق على ثيابه.

 

كان الدركي الذي يتهم في قضية شكلت الشغل الشاغل للرأي الموريتاني لأشهر، يحمل في يده زرمة أوراق، تبين لاحقا أنها كانت ردوده على التهم الموجهة له، وعلى جل الأسئلة المطروحة حول دوره في قضية انتهاك خصوصية السيناتور بعيد احتجاز هواتفه مايو 2017.

 

حاول ولد الكور الظهور بمظهر الهادئ خلال اللحظات الأولى لبدء محاكمته، لكن مشاعر القلق كانت تخذل مظهره من حين لآخر، وتؤثر على محاولاته الظهور بشكل طبيعي.

 

ضوابط الجلسة

حوالي 11:40 دقيقة دخل رئيس المحكمة القاضي عبد الله ولد شماد، وأعلن ضوابط الجلسة، مطالبا الحضور بإغلاق الهواتف والتزام الهدوء داخل القاعة، مذكرا بأن الجلسة ستبدأ بمداخلات دفاع  الطرف المدني، ثم استجواب المتهم، بعدها سيفسح المجال أمام ممثل النيابة العامة.

 

دفاع الطرف المدني ذكر الرئيس بأحقيته في التعقيب على حديث النيابة العامة، وهو ما أكد رئيس المحكمة استعداده له.

 

مسطرة استثنائية

المحامي محمد المامي ولد مولاي اعل كان أول المتحدثين في الجلسة، حيث أكد أن المحكمة أمام مسطرة استثنائية من كل النواحي، "الإجراءات، المتهم، الوقائع، وحتى الطلبات"، مضيفا أن القانون الموريتاني حدد ثلاثة طرق لتحريك الدعوى العمومية، وأنهم تقدموا بشكاية يوم 27/07/2017 سجلت تحت الرقم: 37 - 2017، وأن الوكيل قام بحفظ الدعوى دون بحث أو متابعة.

 

وأضاف ولد مولاي اعل أن تصرف النيابة العامة هو ما دفع موكلهم للجوء للقضاء الجالس مباشرة، مبررا ذلك بكون القضية واضحة من الوضوح ما يجعل الدفاع في غنى عن الأدلة والتحقيق.

 

وأشار ولد مولاي اعل إلى أن هذه القضية تم استثناؤها من بين عدد من القضايا في الدول المجاورة، مضيفا أن المملكة المغربية المجاورة جعلت جرائم انتهاك المساكن والمراسلات من بين القضايا التي لا يحتاج تحريك الدعوى فيها إلى النيابة العامة.

 

ووصف ولد مولاي اعل المتهم في هذه القضية بأنه استثنائي هو الآخر، لأنه ضابط شرطة قضائية، مردفا أنهم لذلك حرصوا على تدقيق الإجراءات القانونية وتتبعها جميعا، وإبلاغ نقيب المحامين بموضوع الشكوى، مؤكدا أن القانون المنشئ للدرك استثنى القضية موضوع الشكوى من القضايا التي يحاكم فيها رجال العسكر أمام محاكم عسكرية في القضايا المرتكبة أثناء الخدمة، مشددا على أنه لا مراء في اختصاص المحكمة للنظر في هذه القضية.

 

واستعرض ولد مولاي اعل وقائع القضية ابتداء من حادث السير الذي تعرض له السيناتور ولد غده يوم 12 مرورا بحجز هواتفه، وكشف التطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي أن الهواتف تم تشغيلها في أوقات مختلفة، وتم التصرف في المراسلات والصور الشخصية للسيناتور، مؤكدا أن المحكمة ورغم أنها أمرت في 24/05/2017 برد المحجوزات إلى صاحبها، وهو الحكم الذي أكدته محكمة الاستئناف يوم 20/06/2017، فقد تمكن ولد غده من استعادة كافة المحجوزات باستثناء الهواتف.

 

وطالب ولد مولاي اعل بالتعويض لموكلته بـ"الأوقية الرمزية"، ونشر اعتذار صريح يجبر الضرر في مجلة الدرك من أجل رد الاعتبار للقطاع، إضافة إلى 10 جرائد أخرى ذائعة الصيت.

 

المحامي الشيخ ولد سيدي محمد قال أكد في مرافعته أنه سيركز على ملاحظات بسيطة تركها له تكرما زميله، مشددا على أن المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية تفصل في هذه المحكمة، مؤكدا على أن القضية استثنائية بأطرافها وطلباتها، معتبرا أن القضية بدأت بحجز خارج القانون وانتهت بهذه الانتهاك الخطير، معلنا تمسكه بالمطالب التي تقدم بها زميله.

 

شهود رغم اعتراض النيابة

رئيس المحكمة القاضي عبد الله ولد شماد قرر الاستماع للشهود في القضية استجابة لطلب الدفاع، ورفض الاعتراض الذي تقدمت به النيابة، وأكدت فيه أنه لا مبرر لوجود شهود في هذه القضية، لكن رئيس المحكمة قرر الاستمتاع لهم، وبدأ دعوتهم واحدا واحد، مسجلا معلوماتهم الشخيصة، ومتسائى عن ما إذا كانت تربطهم قرابة أو علاقات بالسيناتور محمد ولد غده، قبل أن يطلب منهم القسم على أن لا يقولوا إلا الحق.

 

الشهود كانوا مدونين في مواقع التواصل الاجتماعي، وهم وجاه ولد محمد ولد الأدهم، وأحمدو فال ولد أحمدو بمب، وسيدي محمد ولد الإمام، وأكدوا خلال شهاداتهم أنهم تلقوا عبر رسائل خاصة، وفي مجموعات تسجيلات صوتية للسيناتور ولد غده تكشف مراسلاته الخاصة.

 

واكتفى ممثل النيابة بسؤال كل واحد منهم عما إذا كان يعلم مصدر هذه التسريبات، فكانوا يردون بالنفي.

 

ولد الكور: عملت بمهنية

رئيس المحكمة استدعى بعيد الشهود قائد فرقة الدرك بروصو إبراهيم ولد لكور المولود في أكجوجت 1962، وخاطبه قائلا: "أنت متهم بانتهاك الخصوصية"، ليرد عليه ولد الكور: "هذه التهمة لا أعترف بها ولا أساس لها من الصحة ولا أقبلها".

 

وأضاف ولد الكور يوم 12/05/2017 أبلغت بحادث سير توفي فيه ثلاثة أشخاص، وقد انتقلت إليه بعد إبلاغ الوكيل وحاكم روصو، وقادتي في جهاز الدرك، مؤكدا أنه حين وصل الحادث شرع في عمله المهني الموضح في المحضر رقم: 46 بتاريخ: /12/7/2017، مؤكدا أن أبلغ الموقوف بأنه يحتفظ به للمثول أمام النيابة بجريمة القتل الخطأ.

 

وواصل ولد الكور القراءة من الأوراق التي دخل وهو يحملها أنه سلم كافة المحجوزات لوكيل الجمهورية بحضور المتهم ومحاميه الأستاذ أحمد سالم ولد بوحبيني، وأن الهواتف كان بالوضعية التي أخذت بها، ولم يتم فتحها.

 

اعتراضات النياية

الجلسة عرفت اعتراض النيابة العامة على العديد من الوقائع، ومقاطعتها أكثر من مرة للدفاع، وصلت في إحدى المرات درجة المشادة الكلامية، قبل أن يوقفها رئيس المحكمة.

 

وقد اعتبر ممثل النيابة أن الدعوى لم تقدم بطريقة عادية، وأنه حين حفظ الدعوى يلزم القانون أن تحرك أمام قاضي التحقيق وليس أمام رئيس المحكمة، معتبرا أن الدفاع تجاوز ذلك، مذكرا بأنها النيابة العامة حين تقرر حفظ الدعوى فمعنى ذلك أنها لم تجد مبررا للمتابعة.

 

واعترف ممثل النيابة بتدوال تسريبات عن السيناتور على مواقع التواصل الاجتماعي، متسائلا "من المسؤول عن ذلك؟ ومن قام به؟، وما هي الأدلة على أن جهة معينة قامت به؟"، معتبرا أن فتح الهواتف لا يمكن أن يكون أساسا لإدانة شخص.

 

وأكد ممثل النيابة العامة في محكمة روصو أن قائد فرقة الدرك في روصو "إبراهيم لم يسرب ولا يوجد دليل على أنه سرب وقرينة البراءة قرينة قوية ولا يمكن أن تتجاوزها المحكمة إلا على أساس واضح"، مشيرا إلى أن النيابة بحوزتها وثيقة استلام المحجوزات، مشددا على أن الماثل أمام المحكمة يعتبر ضابط شرطة قضائية محترم ومهني لم يتلقى استفسارا أو توبيخا في حياته المهنية ولم يقصر في عمله.

 

وطالب وكيل الجمهورية برفض الدعوى من أصلها وعدم قبولها لعدم تأسيسها وانعدام وجاهتها وغياب الدليل الذي يركن إليه فيها.

 

دور الدفاع عن المتهم

دفاع الطرف المدني استغرب في تعليقه على مداخلة ممثل النيابة العامة ما وصفه أخذها لدور دفاع المتهم، وقد اعترض ممثل النيابة على وصف قائد فرقة الدرك بـ"المتهم"، لكن رئيس المحكمة رد عليه بأن "مجرد تحريك الدعوى حوّله إلى متهم".

 

المحامي الشيخ ولد سيدي محمد ذكر في رده على ممثل النيابة العامة بأنه دورها هو تطبيق القانون الموجود وليس إثارة الشكوك في القضايا القانونية أمام المحاكم، مستغربا أن مسار الهواتف انتقل من الضبطية القضائية في روصو إلى النيابة العامة في نواكشوط.

 

وأضف ولد سيدي محمد أنه حين طلب رئيس المحكمة من قائد فرقة الدرك الكلمة الأخيرة، قال ممثل النيابة إن قائد الفرقة قام بعمله وقرأ الرد مكتوبا وليس لديه ما يضيفه، وهو ما اعترض عليها الدفاع حيث طالبوا النيابة العامة بالقيام بدورها، والتخلي عن دور الدفاع عن المتهم.

قائد فرقة الدرك في روصو إبراهيم ولد الكور قرأ نص المادة: 53 من المرسوم المحدد لصلاحيات الدرك، مؤكدا أنه استند إليها في قرار حجز الأغراض التي كانت بحوزة ولد غده أثناء الحادث، وهو ما رد عليه الدفاع بالقول إن المرسوم لا يمكن أن يحل محل القوانين، ولا أن يقارن بها في حال التعارض.

 

وقد اختتمت الجلسة بتوقيع قائد فرقة الدرك ولد الكور على أقواله، وحجر المحكمة للقضية للدراسة والتأمل لحين انعقاد الجلسة الجزائية المقررة يوم الأربعاء القادم 14 فبراير 2018.