تعتبر جودة الخدمات الصحية لأي بلد مؤشرا بالغ الأهمية للدلالة على نمو هذا البلد وازدهار الظروف المعيشية لمواطنيه، ورغم ضخامة الميزانيات المرصودة لقطاع الصحة في بلادنا وتلك المتحصل عليها عن طريق الشركاء الماليين خلال السنوات الماضية إلا أن الوضعية الصحية العامة لبلدنا وانسيابية حصول المواطنين فيها على خدمة صحية ذات نوعية جيدة ما زالت دون المأمول، وهو ما يمكن الاستدلال عليه باستمرار ارتفاع أرقام معدلات الوفيات لدى الأمهات والأطفال حديثي الولادة، وانتشار بعض الأمراض الموسمية كمثل الحصباء فضلا عن الأمراض المزمنة كالسكري وارتفاع الضغط الشرياني والأمراض المصاحبة لهما، إضافة إلى الزيادة الملحوظة خلال الفترة الأخيرة لانتشار الأورام السرطانية.
إن واقعا كالذي سبق ذكره يحتم على الجهات الوصية على القطاع أن تعمل على اتخاذ إجراءات يمكن وصف بعضها بالاستعجالي، والقيام بدراسات متأنية للبعض الآخر، تشخيصا للمشاكل وصرفا للعلاجات المناسبة لها دون مواربة أو تردد، وفي هذا الإطار فلعل من المهم الإشارة إلى مجموعة نقاط يمكن اعتبارها معالم رئيسية في سبيل إصلاح قطاعنا الصحي:
أولا: ينبغي العمل - في ظل التوجه العام حاليا والساعي إلى محاربة الفساد - إلى مسح الطاولة بكل من ثبت تورطه في جرائم الفساد المالي والإداري، سواء على مستوى الإدارة المركزية أو في الإدارات الجهوية والمستشفيات التخصصية والمستشفيات والمراكز الصحية.
ثانيا: العمل على تحسين الظروف التكوينية والتأطيرية لجميع أفراد الأسرة الصحية، وتقنين الأدوار الموكلة إليهم، وتحديدها بواسطة مقررات واضحة الصياغة والتنفيذ.
ثالثا: العمل - في إطار الحديث مؤخرا عن مراجعة الكتلة العامة لأجور الدولة - على زيادة رواتب الكوادر الطبية زيادة معتبرة تتناسب وحجم ثقل الأمانة المسندة إليهم؛ وهي السعي في تخفيف آلام المواطنين ومحاربة الأمراض في صفوفهم، إضافة إلى ضرورة تنظيم وقوننة العلاوات التشجعية التي يتحصل عليها في الإدارات والمستشفيات والمراكز الصحية وصرفها بطريقة عادلة تتناسب وحجم المجهود المبذولة لا المنصب الإداري الذي غالبا ما يستأثر أصحابه بنصيب الأسد من هذه العلاوات.
رابعا: العمل على تحسين جودة الخدمات الصحية داخل المستشفيات والمراكز والحد من انتشار الأمراض خاصة ذات الطبيعة الوبائية والمرتبطة بالأوساط الاستشفائية.
خامسا: التركيز وفق خطة متوسطة الأجل على تحسين الخدمات الصحية القاعدية وتقريبها من المواطنين سبيلا لتخفيف الضغط على المستشفيات وذلك وفق آلية مدروسة الآجال والأبعاد.
سادسا: العمل على استفادة جميع المواطنين من التغطية الصحية الشاملة وهو ما قطعت فيه الدولة أشواطا مهمة خلال الفترة الرئاسية الأولى لفخامة رئيس الجمهورية وهو ما يستحق الإشادة المصحوبة بالمطالبة بتسريع رفع العراقيل التنظيمية والإدارية المعوقة لبلوغ الأهداف المرسومة وفق السياسة العامة للحكومة والواردة ضمن البرنامج الانتخابي لفخامة رئيس الجمهورية (طموحي لبلدي).
تلك معالم من ضمن أخرى يمكن الاستعانة بها في سبيل تطوير منظومتنا الصحية التي يعني تطورها وتحسن خدمتها - دون شك - حدا لانتشار الأمراض وزيادة في رفاهية المواطنين واقتصادا لموارد مالية مهمة طالما شكلت عبئا على الاقتصاد الوطني جراء صرف المواطنين لها للعلاج خارج البلد أو على شكل فوائد للمديونية الخارجية للبلد.