(فضلا، اقرأوا ما أكتب كاملا، أو لا تبدأوا في قراءته)
هل سمعتم بهذا العفو الرئاسي الوطني؟!
هل علمتم أنه انتهت فترة تكليف لمجموعة من المسؤولين الكبار قضوا فيها عدة سنوات كانوا خلالها مسؤولين عن تسيير ميزانيات وأموال عمومية كثيرة، وكانوا يستطيعون أن يكتتبوا عمالا وموظفين أكفاء، وأن يقيلوا آخرين غير مؤهلين. وكان لكل منهم تأثير على اقتصاد بلدهم، وعلى مستوي عيش ونوعية حياة مواطنيه، وكان بإمكانه أن يحسن ظروف بلده… غير أن كل واحد منهم اجتهد خلال فترة تعيينه على أن يستغل تلك المدة في منصبه لتأمين مستقبله هو فقط، ولأن يدّخر ما يعود عليه بالنفع إذا دالت دولته، وآل الأمر إلى غيره. ولم يفكر في المصلحة العامة مطلقا. وفعلا جاء ذلك اليوم، وتبدل الحال وأصبح الأمر بيد فريق سلطة آخر تحت إمرة رئيس جديد. فقام هذا الأخير بالنظر في حال البلد ووضعه الاقتصادي وأحوال معيشة أهله، فلم تَرُقْ له. لم تُعجبه الوضعية الأمنية، ولا الصحية ولا مستوى التعليم، ولا حالة الطرق، ولا الأسعار… ولم يُرضه ما رأى من ترد لحال البلد الذي أصبح مسؤولا عن شؤونه، فقرر التفتيش، والنظر في ملفات المسيرين السابقين عساه يجد تفسيرا لذلك. وبعد عملية التّحَقُق والتدقيق اكتشف هذا الحاكم الجديد أنه كانت هناك فئتان من المسؤولين السابقين متشابهتان من جهة، ومختلفتان من أخرى. فكلتاهما استخدمت الحيلة لأكل المال العام، والاستئثار به لحساباتها الخاصة، ولكن بطريقتين مختلفتين. إذ أن الأولي فعلت ذلك دون التفكير في أي مصلحة داخلية للوطن. فكانت تعمل على تقسيم الميزانيات التي تُسيِر إلى نصفين، أحدهما يتم صرفه على مشاريع وهمية لا أثر لها على أرض الواقع بينما تستخدم أمواله في استثمارات في الخارج يعود النفع منها، حصرا على المسؤول المحتال، أو دولة الاستثمار الخارجية. ولا مردودية من ذلك كله على الوطن الأم. والشق الثاني من الميزانية تصرفه هذه الفئة على عمال وموظفين وأصحاب عقود اكتتبهم لا كفاءة لأي منهم، وغالبهم لا تربطه صلة بجهة عمله غير الراتب الذي يتقاضى باسمه. ووجد المفتشون أن هناك فئة ثانية بحثت عن مصلحتها الخاصة مثل الأولى، واستغلت المال العام لمآربها الشخصية، ولكن بطريقة أذكى قليلا من الأولى، وأقل ضررا على الناس، وربما فيها شيء من النفع والفائدة للوطن. فهذه الطائفة الأخيرة حولت الأموال العامة من استثمارات عامة، حسب ما هو مقرر لها، إلى استثمارات خاصة، ولكن داخل البلد. فقامت ببناء عمارات سكنية حديثة، وأنشأت متاجر نظيفة، ومخابز راقية، ومدارس لا بأس بها، ومتنزهات للأفراد والعائلات... إلى آخره. كل ذلك من المال العام، ولكنه ملك خاص. وبهذا يكون أفراد هذا الفريق الأخير من المحتالين قد ساهموا، بقصد أو بغير قصد، في الدورة الاقتصادية للبلد، وبخلق وظائف للمواطنين، وفي إنعاش التجارة، وحركة السيولة النقدية الداخلية… فتميزوا عن نظرائهم آنفي الذكر، الذين نهبوا المال العام، وحولوا ما استحوذوا عليه من خيرات البلد بكامله إلى خارجه. وهنا أصبح أمام الحاكم الجديد فريقان من المسؤولين الكبار السابقين المتهمين بتبديد المال العام وعدم الالتزام بمتطلبات المسؤولية. فكلاهما أكل الميزانية التي كُلف بتسييرها واستخدمها لمصالحه الخاصة، فاستحق العقاب على ذلك. غير أن الفريق الأول أكلها في الخارج، وجعل نفعها للخارج، بينما الثاني أكلها في الداخل، وأشرك معه في الانتفاع بها بعضا من سكان الوطن، وساهم بها في حركة اقتصاده. وهنا قام الرئيس باستدعاء الجميع وأجلسهم أمامه في قاعة كبيرة ووضع ملفاتهم أمامه مكتوب على ملف كل واحد منهم، حسب تصنيفه: هذا أكَل هنا، أو هذا أكل هناك. وصار ينادي باسم الرجل فيجيب بنعم، فيقول له الرئيس أنت أكلت هنا، ابْقَ مكانك. ثم ينادي باسم آخر فيجيب بنعم، فيقول له أنت أكَلْت هناك فقم واجلس هناك. (في قاعة فارغة إلى جانب الرئيس) حتى انتهى من النداء بأسمائهم كلهم. ثم نظر إليهم لبرهة من الوقت وهو يُحدِّق إليهم ويتفرس وجوههم والجميع صامت لا يعلمون حقيقة ما يدور في ذهنه، ولا ماذا كان يعني بقوله أنت أكلت هنا، أو أنت أكلت هناك. وبعد لحظات التفت إلى الذين هرَّبوا مَنْهوباتهم إلى الخارج وخاطبهم قائلا: أنتم أذهبتم طيباتكم، وأكلتموها هناك، وعقولكم هناك، وستُرحلون إلى هناك، وجنسيتكم مسحوبة منكم لأن ولاءكم هناك، والشعب هنا لا يريدكم. فانتظروا حتى يأتيكم من تأخذكم إلى وجهاتكم. وبعد ذلك أدار وجهه إلي الفئة الأخرى، وفي يده قصاصة من الورق، ووجَّه كلامه إليهم ثم قال: لقد خلطتم عملا صالحا وآخر سيئا، وسوء تصرف ببعض من حسن التدبير والارتباط بالوطن، وهذا السلوك شفع لكم شيئا ما عندي، فقد غفرت لكم خطيئة سرقة المال العام لأنكم استثمرتم مسروقاتكم هنا في وطنكم، فنلتم بذلك صفة اللص الوطني! التي ساعدتكم. ولكنكم لا تصلحون بعد اليوم لتولي أي وظيفة عمومية، بيد أنه لا نفي عليكم، فقوموا وانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل ربكم، هدانا الله وإياكم. ولكنني قبل مغادرتكم سأكتب على ناصية كل واحد منكم، وعلى طريقة الوشم، وبعدة لغات، هذه العبارة التي ترون على الورقة الموجودة في يدي:
(لا مصداقية له / Sans crédibilité / No credibility )، وذلك عملا بقانون الوقاية العامة المتعلق بحالتكم!
وقانا الله مما أصابكم.