على مدار الساعة

وداعا... أخى موسى.. إلى جنة الخلد

29 نوفمبر, 2022 - 08:52
محمد المختار الشيخ سييدى حسني  مدير عام مؤسسة تنفيذ الاشغال المنجزة بالمواد المحلية

سمحت لي خمسة أشهر من العمل، بالتعرف على إطار وكفاءة من خيرة أطر مؤسستنا؛ مؤسسة تنفيذ الأشغال المنجزة بالمواد المحلية، بل من خيرة أطر وكفاءات البلد، شاب نزيه حباه الله تعالى بكل الخصال الحميدة، مجيد متقن، صادق صدوق، جدي في عمله، يعتني بالتفاصيل، إن كلفته بمهمة لن تحتاج لسؤاله: هل تم تنفيذه أم لا، لأنك ستكون مطمئنا عليه، وهو سيخبرك بتنفيذه دون أن تراجعه.

 

كما أنه رحمه الله تعالى، دأب على أن يكون من أوائل القادمين لمكاتب العمل، ومن آخر المغادرين، وإن خرج من مكتبه، فلمهمة عمل آنية، أو لتأدية الصلاة في المسجد .

 

لقد تميزت شخصية المرحوم موسى ولد محمد سيديا ولد أبنو بالإنسانية والرحمة، والعطف على العمال البسطاء، والضعفة عموما، والسعي في مصالحهم، والعمل لحل قضاياهم، وولنيهم حقوقهم، وفوق حقوقهم.. فللكارم وأهل المكارم حديث يتعالى على منطق الحقوق وحدها..

 

لم أسمعه يوما يغتاب شخصا مهما كانت مآخذه عليه، وهذه المآخذ إن وجدت لن تكون خارج الجوانب المتعلقة بالعمل، ولمصلحته..

 

عرفت الأخ موسى تغمده الله في نعمائه - كما عرفه جميع من عمال المؤسسة وعامة الناس - شخصا بسيطا متواضعا دائم الابتسامة، خفيف الظل، يسع الجميع بخلقه..

 

وقد استطاع بجديته، وتفانيه في العمل، وعلاقته الجيدة مع عمال وشركاء المؤسسة أن يجعل نفسه العمود الفقري، والشخصية المحورية في المؤسسة، فالكل يسأل عنه، ويبحث عنه، ويرجو لديه الخير، ويأمل منه ما يرغب.. ويأمن الجميع جانبه.. فلا شيء هناك يختشى..

 

وإذا اعترضت ورشات الأشغال في الميدان مشكلة، فموسى لها، جاهز دائما للتدخل لحل كل المسائل العالقة.

 

خلال شهر أكتوبر الماضي، جمعتنا مهمة عمل مع المرحوم سمحت لي باكتشاف المزيد من خصاله، وميزاته، والفضائل تجذب بعضها، فقد عرفت فيه – فضلا عن الخلال السابقة - الجود والكرم، والتواضع، وخدمة الجميع.

 

عندما نظمت مؤسستنا اكتتابا بهدف اختيار رئيس للجنة الصفقات العمومية الخاصة بها، وأعضائها، كان الفقيد من المترشحين، وذات يوم أخبروني أن نتائج مرحلة التجاوز للشفهي، قد تم الإعلان عنها من قبل اللجنة الخاصة بالاكتتاب، فكان أول سؤال أطرحه "موسى أياك إنجح"، وكان الجواب بالنفي.

 

بعدها بدقائق مر بي بالمكتب، فعبرت له عن أسفي لهذه النتيجة، واستيائي من كونه لم يتجاوز إلى المرحلة الموالية من مراحل الاختيار، وكان رده صحيح - للأسف – أنني لم أتجاوز، لكن – بكل صدق وموضوعية – من تجاوزو  لديهم خبرات أكثر مني في مجال الصفقات العمومية، وهم بناء على ذلك أجدر مني، وبالتالي فجهة الاختيار أعلنت المعايير، بما يسهل على كل مشارك معرفة تنقيطه بدقة وبشكل تلقائي،، وقامت بما يجب عليه القيام، وبالتالي فأنا رض عن النتيجة، ومتقبل لها.

 

لقد كنت أود في نفسي أن يكون الأخ موسى – رحمه الله تعالى - ضمن الفائزين، لكني أدرك - كما يدرك الفقيد - أن حرصنا على الشفافية تتهاوى أمامه كل العواطف، والميول الشخصية.

هناك أدركت - أيضا - خصلة أخرى – أضحت عملة نادرة في عالمنا اليوم - وهي إنصاف الآخرين، وخصوصا المنافسين.

لقد كان مشجعا وداعما لنا في الحرص على الشفافية، وكان ناصحا أمينا. 

 

آخر لقاء لي بالفقيد قبل أن يختاره الله إلى جواره، كان زوال السبت الماضي بساحة إبن عباس، حيث كان ضمن لجنة لإستلام الطلبات commission de réception وكانت التوصيات صريحة، وهي أن ندرك جميعا رقابة الله سبحانه وتعالى لنا، وأن لا نخاف إلا الله، وكان الفقيد رحمه الله تعالى من أكثر من يذكرنا بذلك ويحثنا عليه، ويشعجنا على المضي فيه..

 

أما آخر ملف كلفته به، فهو تنظيم المؤسسات التي تتعامل مع مؤسستنا، وترتيبهم حسب معايير واضحة، ومنضبة، ومجردة، وهي الجودة في العمل، والاحترام التام لدفتر الالتزامات، وقد اخترته من بين الجميع لتولي هذا الملف، لثقتي فيه صدقه، وتجرده وموضوعيته، واستقامته، وخوفه من الله عز وجل، وقد كان عند حسن الظن..

 

رحمك الله أخي موسى ولد محمدسيديا ولد ابنو، ورفع درجتك في علنيين، وعاملك بما هو أهله، وأحسن عزاء الأسرة الكريمة الصابرة المحتسبة، وعزاءنا جميعا، وعوضهم، وعوضنا، وعوض الوطن خيرا منك، وعوضك خيرا منا أجمعين.

 

لا نملك إلا أن نقول:

إنا لله وإنا إليه راجعون.. لقد مضيت إلى رب رحيم، وإلى مستقبل كنت تعد له أحسن إعداد، فرحمك الله وتقبل في الصالحين.