على مدار الساعة

من قيصر إلى باماكو مع التحية

26 سبتمبر, 2022 - 17:49
سيد محمد الإمام

في يوم 6 مارس 2022 زار وزير دفاع جمهورية مالي رفقة قائد أركان قواته موسكو على متن الخطوط الجوية التركية في ظروف أقل ما يقال عنها إنها تبعث على اليأس بالنسبة لهم، فالإكواس تحاصر مالي من كل مكان، وفرنسا تضغط بدون رحمة على قلب باماكو، والكل ينتظر انهيار قادة الانقلاب بقيادة الكولونيل الوقور عاصمي غويتا، وفجأة، وفي سلسلة من الإجراءات الثورية، قفزت مالي من مجال( البيئة الحاجبة) التي طالما طمست بصيرة الأفارقة إلى أفق جديد هو عالم روسيا التي أبانت عن امتلاكها زرا أبعد أثرا من زرها النووي هو زر تفجير الولاءات.

 

عندما انتقد السيد أيف لودريان النظام الحاكم في مالي، وهو التصرف المألوف من الدولة التي يتبادر إلى الذهن تلقائيا أنها الوصي على إفريقيا خصوصا الغربية، ردت الخارجية المالية وبكل برودة ردا غير مألوف من دولة لا يشك أي رديكالي في تبعيتها لفرنسا، قفزة الأسد الأولى التي سببها هذا التصريح، بعيدا عن مدى الذراع الفرنسي كانت طرد سفير فرنسا.

 

عندما تحدثت فرنسا على سجيتها وانتقدت احتمال وجود الفاغنر في مالي قفز النظام قفزة الأسد الثانية خارج مدى الرؤية الفرنسية وطرد قوات فرنسا.

 

بعد الزيارة الآنفة بشهرين ونيف حطت أربع مروحيات MI 35 M الملقبة بالدبابة الطائرة على التراب المالي، وفي أغسطس، وبعد أن كانت مالي في القاع الإفريقي كدولة متشرذمة لا يستطيع جيشها إكمال تمرين تكتيكي، ولا تستطيع تعبئة ربع كتيبة، ولا نجدة فرقة محاصرة، قفزت إلى سطح التصنيف العسكري فجأة عندما حلق سرب من مقاتلات السوخوي 25 العريقة في السماء المالية وعلى أجنحتها ألوان العلم المالي، في الوقت الذي كانت الدبابات والمركبات الروسية المدرعة تصنع الفارق للجيش البري في دولة مالي، لقد غير قيصر روسيا قواعد اللعبة، كانت تلك قفزة الأسد الثالثة.

 

هذه هي أكثر زيارة وزير دفاع وقائد أركانه فاعلية ومردودية عرفها التاريخ الحديث، ففي أقل من ثمانية أشهر، أخذت جيش مالي من قاع تصنيف الجيوش الإفريقية إلى ما فوق سطحه.

 

إن دول الساحل والإكواس تنظر باستغراب ودهشة إلى هذا (الفعل) الروسي الغريب والحاسم، إن الأمر يشبه بالنسبة لهم السحر.

 

لا بد أنهم يتساءلون الآن عن التعويذة التي استخدمها العقيد فارع الطول صاديو كامرا على البيض الروس، هذه التعويذة التي جلبت الأسلحة الحقيقية بدل المبيدات الحشرية المكدسة في مخازن أسلحتهم على أنها أسلحة مجلوبة بميزانيات مخصصة لشراء الأسلحة.

 

الأفارقة؛ إما أصدقاء للغرب الأطلسي بلغة الدبلوماسيين، أو اتباع لهذا الغرب بلغة أخرى ربما أكثر فصاحة، والحقيقة أن البخل الذي أظهره هذا الحليف اتجاه دول الساحل حين تم تأسيس الـG5 يدعو للتأمل، فمثلا لتحصل على رشاش ثنائي السبطانة عتيق الطراز من أصدقائنا الأمريكان أو الإسبان أو الفرنسيين عليك أن ترخص لكل شريحة في بلدك حزبا، وأن تحصل على تزكية عشر منظمات حقوقية وهمية محلية، وإجازة من ثمانية منظمات مثليين، وأن تلغي أحكام الإعدام في حق عتاة القتلة، وأن تسمح للقصر بممارسة الحرابة، وبعد ذلك سيجتمع الكونغرس ليقرر أنك تحرز تقدما إلا أن ما قمت به لا يكفي وفق مدوني المهجر من مواطنيك، وعليه فقد تقرر بيعك كاتلوج استخدام الرشاش.

 

وسينظر مستقبلا في طرق أخرى لبيع الرشاش!! فماذا لو تعلق الأمر بطائرة مقاتلة؟

 

أعتقد أن حلف شمال الأطلسي يحتاج إلى تأسيس علاقته بإفريقيا على مفاهيم جديدة غير تلك المشبعة بروائح سجائر الجيتان وعوادم سيارات البيجو، لأن الزر الروسي السحري أثبت بما لا يدع مجالا للشك فعاليته وشدة جاذبيته.