على مدار الساعة

العمل التطوعي ثورة في الفكر والعقل

20 يونيو, 2017 - 18:15
الإمام ولد محمد محمود

العمل التطوعي يجسد مثالا حيا على تطور المجتمعات وتمسكها بالقيم والمثل الإنسانية الراقية التي تقوم على البذل والعطاء والمساعدة في نهوض المجتمع ونشر ثقافة العمل من أجل الآخر وهي فلسفة إنسانية قمة في الروعة لما تتميز به من تضحية ووفاء. كما يعتبر العمل التطوعي مؤشرا على الحيوية والنشاط التي يتمتع بها أفراد المجتمع ومقياسا لمستوى الوعي لدي الفرد وما يجوده به من عطاء لمجتمعه في مجالات شتى. ويعطي العمل التطوعي أيضا صورة عن مدى انتماء الأفراد لمجتمعاتهم وبلدانهم ومدى إحساسهم ببعدهم الإنساني، الذي يتجاوز الحدود الضيقة من قبلية، وجهوية، ويسمو إلى آفاق الإنسانية، وتختلف أشكال التطوع ودوافعه وتوجهاته باختلاف المجتمعات وتنوع الثقافات.

 

في المجتمعات التي شهدت تطور في العلوم الإنسانية والاجتماعية تعرف ظاهرة التطوع تطورا كبيرا وأصبحت جزءا من ثقافة هذه المجتمعات ففي الجامعات يتم منح فرص للطلاب بتأدية بعض الأعمال التطوعية الإلزامية التي يتم تدريبهم عليها من قبل التدخل لمساعدة المناطق المنكوبة أو مساعدة القرى النائية من خلال دورات تعليمية أو مهرجانات تثقيفية، وحملات صحية، أو غير ذلك مما ينفع الناس ويمكث في الأرض.

في الولايات المتحدة الأمريكية تأسست إحدى أعرق المنظمات الخيرية التطوعية سنة 1896 وتدعى  Voleenters of Americaمنذ 121 عاما تعمل هذه المنظمة من أجل مساعدة المحتاجين والتدخل في المناطق المنكوبة ومساعدة السكان، ونشر الوعي الثقافي والصحي بينهم. تقدم هذه المنظمة الخيرية مئات البرامج التعليمية والصحية والتثقيفية للسكان و توظف حوالي 16 ألف شخص في اداراتها. تتدخل في 46 ولاية ويستفيد من خدماتها مليون وأربعمائة ألف شخص. ويبلغ عدد المتطوعين فيها 64000 ألف شخص من ضمنهم أطباء، مهندسون، أستاذ جامعات، طلاب، ضباط متقاعدين، وغيرهم.

 

في ألمانيا 43.6% من السكان ممن تزيد أعمارهم عن 14 سنة يعملون في برامج تطوعية بمعدل 6 ساعات تطوع أسبوعيا، وترتفع نسبة التطوع بين المجموعات العمرية من 14 - 29 سنة، ومن 30 - 49 سنة. ويرجع هذا الإقبال على العمل التطوعي إلى ارتفاع نسبة التعليم والوعي بين فئات المجتمع, ويلاحظ أن المستوى التعليمي له دور مهم في العمل التطوعي حيث كلما ازداد مستوى التعليم ازدادت قابلية الفرد للاندماج في الأعمال التطوعية. تنقسم الأعمال التطوعية في ألمانيا إلى نوعين، عمليات تستهدف الشعب بشكل عام ومن خلالها يتم التطوع في العمل الحزبي والنشاطات السياسية المرتبطة به، والنوع الثاني التطوع ضمن الجمعيات الأهلية التى تستهدف فئات معينة من المجتمع.

في ماليزيا جمعيات ومنظمات تطوعية بالمئات تشكل جزء من وعي المجتمع وسبل تطويره وتنميته تعمل هذه المنظمات في مختلف مجالات الحياة من التعليم، الصحة، النظافة، مرورا بالبيئة.. وتسهل هذه المنظمات الإجراءات للراغبين في العمل التطوعي حيث تقدم للمتطوعين فرصة التسجيل حسب عدد الساعات التي يتطوعون بها، المجال الذي يرغب المتطوع العمل فيه، المدينة التي يسكن.

 

من المنظمات الرائدة في مجال العمل التطوعي Teach For Malaysia تهدف هذه المنظمة إلى القضاء على التمييز في مجال التعليم من خلال التدخل في المناطق التي تعاني نقصا في المعلمين والفصول الدراسية حيث تقوم هذه المنظمة بتوفير معلمين وفصول دراسية ومساعدة الأطفال في الحصول على تعليم جيد، تضم هذه المنظمة 200 متطوع ويستفيد من خدماتها 33 ألف طفل في 70 مدرسة تنتشر في 8 ولايات ماليزية.

 

في موريتانيا بدأت في السنوات الأخيرة مبادرات مهمة في ميدان العمل التطوعي، حيث ظهرت عدة هيآت ومنظمات تعمل في هذ المجال ويعتبر هذا العمل مؤشر مهم على درجة الوعي ومستوى الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين. وعلى الرغم من التحديات التى تواجه العمل التطوعي سواء من حيث بدائية المجتمع وعدم تعاطيه إيجابيا مع الظاهرة الجديدة أو من خلال ضعف الاهتمام بالتطوع والتبرع لهذه الجمعيات والمنظمات إلا أن ما يقوم به فرسان العمل التطوعي من عمل جاد ومتقن وحرصهم على مواصلة الطريق لمن يد العون والمساعدة لفئات المجتمع المحتاجة يعتبر مؤشر قوي على دخول بلادنا مرحلة جديدة ستسهم لا محالة في تغيير العقليات وتطوير وعي المجتمع نحو الأفضل...

 

مسؤوليتنا تجاه العمل التطوعي والعمل الخيري هي مسؤولية مقدسة تحتم علينا دعمه بكل الطرق وشتى الوسائل ونشره كثقافة بين صفوف الناس، فهو ثورة في الفكر والعقل وطريق من سبل تطوير وتنمية المجتمعات.