على مدار الساعة

إذا تصحر المحيط فأين سيكون المفر؟!

18 فبراير, 2022 - 01:43
المهندس الهيبة سيد الخير

تعرضت بلادنا على غرار دول الساحل في عقد السبعينات من القرن الماضي لموجة جفاف شديدة، نجمت عنها تحولات وهزات اجتماعية واقتصادية عنيفة، سترسم ملامح مستقبل البلاد لعقود، لقد نتج عن تلك الموجة تراجع للغطاء النباتي بفعل التصحر ونفوق قطعان الماشية واختفاء شبه كامل للحياة البرية.

 

لقد ضاقت اليابسة بما رحبت، وهنا اكتشف الموريتانيون واحة زرقاء معطاة غنية بالموارد بدا من اسمها أنها ذات موارد ضخمة لا حدود لها.

 

تملك موريتانيا واحدا من أكثر شواطئ العالم غني بالمورد البحرية، ويعود ذلك للتيارات الصاعدة، upwellings والتي تحمل المغذيات إلى المستويات التي تتسرب إليها أشعة الشمس (عمق لا يتجاوز200 مترا)، مما يسمح بازدهار العوالق النباتية المجهرية، والتي تشكل قاعدة هرم السلسلة الغذائية، بالإضافة إلى وجود  شعاب مرجانية في الأعماق توفر الملجأ والملاذ لعديد الكائنات في أوقات حياتها الحرجة، كما أن المسطحات المائية قليلة العمق، تسمح بانتشار الأعشاب المائية مثل Zostera nolii و Cymodocea nodosa، والتي تعد موئلا هي الأخرى لازدهار التنوع الإحيائي في البيئة البحرية.

 

إدارة عبثية لمواردنا البحرية

خلال عقود تم استغلال موارد المحيط بأبشع الصور، وجلبت أساطيل الشرق والغرب، لتتفنن في استعمال الشباك والتقانات المحرمة في أغلب دول العالم، مما أدى إلى تدهور الموائل الطبيعية، واضطراب للنظم البيئية، انعكس بتراجع حاد لتلك الموارد، مما قد يفضي لتصحر كارثي لمياهنا.

 

لقد بدأت آثار تراجع الموارد البحرية منذ عقدين تقريبا، وبدل اتخاذ الإجراءات الملائمة لتفادي الخلل، تم الترخيص لمصانع دقيق السمك والتي يفترض أن تعالج الفضلات الناتجة عن الصناعات السمكية، لكنها تحولت إلى مطاحن للأسماك وهذا غير مبرر اقتصاديا، إلا في حالة الحصول عليها بالمجان، فالفساد وسوء الإدارة أتاحا ذلك فيما يبدو.

 

تصامم مريب 

لم تفلح صرخات الصيادين التقليديين ولم تشفع لهم شباكهم الفارغة أو الممزقة من طرف الأساطيل الأجنبية، ولم تنفع تقارير المنظمات البيئية ولا الناشطين الوطنيين، فصناع القرار يعتمدون على التقارير التي تصدر من مؤسسات تعودت على تجميل القبيح وتلميع ما لا يلمع وتبسيط الخطب الجلل.

 

فيما يلي بعض تلك التحذيرات:

السلام الأخضر وخلال جولة في مياهنا الإقليمية لاحظت ما يلي:

- امتناع نصف سفن الصيد في مياهنا من تفعيل نظام التعريف الأوتوماتيكي SIA وإن فعّلته فبشكل متقطع وهذا يعني أن تلك السفن تخفي مواقعها؛

- لجوء سفن الصيد الصناعي إلى نطاق الصيد المخصص للصيد التقليدي ومزاحمتهم للصيادين التقليدين في منافسة غير شريفة؛

- العبث والاستهتار بالموارد الوطنية وصل لحد رمي السفن الأجنبية للأسماك في البحر نافقة، وقد وثقت المنظمة رمي أسماك الكوربين courbines الثمينة ليتلقفها الصيادون التقليديون، في حين تصل أسعار الأسماك الرديئة لمستويات غير مسبوقة،

 

ويتساءل المكلف بمهمة في المنظمة السيد Bolei Liu بحرقة ومرارة كيف يمكن رمي أسماك ثمينة الواحدة منها تستطيع إطعام أسرة كبيرة لأيام عديدة.. ويستطرد قائلا لقد أثر فيّ مشهد قفز أصحاب الزوارق لتلقف تلك الأسماك!؛

 

منظمة الفاو

- أصدرت تقريرا يفيد بأن أنشطة الصيد السطحي وصيد القاع في غرب إفريقيا تجاوزت الحدود المقبولة ومعدلاتها هي الأعلى عالميا، وهذا طبعا لا يروق للجهات التي تصدر التراخيص وتدبر المصائد.

- طالبت المنظمة باتباع سياسة إقليمية موحدة لتسيير الموارد البحرية بشكل مستدام ومنسجم بما يضمن استفادة المجتمعات المحلية بشكل عادل ومنصف.

 

مراكز البحوث

 لقد قام مركزا بحوث علوم المحيطات الاسباني (IEO)، ومركز البحوث الألماني Senckenberg  بتقديم النصح للمعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد IMROP بتحريم صيد الأعماق بواسطة الشباك الساحبة (الترولة) في شريط يمتد بمحاذاة الشاطئ وما بين 300 الي 700 متر.

 

هل يمكن ان تتصحر مياهنا حقا؟

لقد أطلقت قبل سنوات مع الباحثة Sandra Kloff تحذيرا من تصحر مياهنا بفعل استنزاف الموارد والعبث بالموائل فجرف الشعاب المرجانية وطحن الأسماك لصناعة دقيق السمك كانتا القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث أصبحت مياهنا فقيرة بعد أن كانت وفيرة، فندرة الأنواع وتدهور الموائل لا يمكن وصفها بغير التصحر.

 

كيف يمكننا أن نتجنب الأسوأ

- مراجعة الاتفاقيات المجحفة مع كل الاساطيل الأجنبية؛

- هيكلة المؤسسات المسؤولة عن تقدير حجم وإمكانات المصائد بحيث تصبح سلطات تنظيم حقيقية بعد أن ظلت شاهد زور لسنوات عديدة؛

- مراجعة واقع الرقابة البحرية؛

- ترسيخ مفهوم التسيير المستدام للموارد الحرية؛

- إعطاء العناية للصيد التقليدي وتشجيع الصناعات التحويلية؛

- السعي لتنظيم شراكة إقليمية للتسيير المستدام للموارد البحرية وتفعيل مبادرة الشفافية ذات الصلة.

 

نعرف أن التصحر وسوء إدارة الموارد الرعوية تسبب بالإخلال بالميزان الرعوي، وندفع ثمن ذلك الآن بشراء القمح الثمين لإطعام الماشية، فماذا سنشتري غدا لإطعام الأسماك الجائعة، علينا الاستفادة من دروس الماضي وتجنب تكرار نفس الأخطاء القاتلة.

 

نستطيع أن نجد المبررات لنضوب واختفاء خامات الحديد، والنحاس، والذهب وكل الموارد المعدنية، فلا شك أن الأجيال القادمة ستتفهم ذلك، فتلك الموارد ناضبة، كما نستطيع ولو جزئيا تبرير اختفاء الغابات والحياة البرية بالتغيرات المناخية، لكننا سنفشل حتما في تبرير تصحر مياهنا واختفاء مواردنا البحرية، لأنها ببساطة موارد مستدامة ووفرتها كانت كفيلة بأن تطعمنا وتطعم أجيالنا القادمة.