على مدار الساعة

مبادرة الشفافية في قطاع الصيد... عندما تخرج الأسماك إلى البرّ

3 مايو, 2017 - 15:31
المهندس: الهيبة ولد سيد الخير

تملك موريتانيا واحدا من أكثر شواطئ العالم غني بالمورد البحرية، ويعود ذلك للتيارات الصاعدة، upwellings  والتي تحمل المغذيات إلى المستويات التي تتسرب إليها أشعة الشمس (عمق لا يتجاوز 200 مترا)، مما يسمح بازدهار العوالق النباتية المجهرية، والتي تشكل قاعدة هرم السلسلة الغذائية، بالإضافة إلي وجود مسطحات مائية قليلة العمق، تسمح بانتشار الأعشاب المائية مثل Zosteranolii و Cymodoceanodosa، والتي تعد موئلا لازدهار التنوع الإحيائي في البيئة البحرية.

 

تملك موريتانيا شاطئا بطول 720 كم، والمساوي بالضبط لطول شاطئ السنغال،كماتبلغ مساحة منطقتها الاقتصادية الخاصة 234000ZEE كم مربعا، بينما تصل عند السنغال 895 180 كم مربعا، أما جرفنا القاري فهو بمساحة 39000 كم مربعا، بينما يبلغ عند السنغال 800 23 كم مربعا، ويوفر القطاع في بلادنا 55000 فرصة عمل نصفها ثابت،بينما يوفر في الجارة السنغال 600000 فرصة عمل ثلثها ثابت ومن ضمنها 63000 بحارا، كما يصل استهلاك الفرد عندنا حسب آخر الإحصائيات 4,2 كغ للفرد سنويا، بينما يبلغ استهلاك السنغالي 35,4 كغ سنويا، تبلغ طاقة استغلال مواردنا البحرية من منتجات الصيد 1500000 طنا سنويا، بينما تبلغ 500000 فقط عند السنغال، نلاحظ أن القطاع في السنغالي لعب أدوارا اقتصادية كبيرة بالرغم أنه يملك ثلث مواردنا البحرية فقط!.

 

بالرغم من الموارد الهائلة لم يستطع قطاع الصيد أن يحقق الآمال المعقودة عليه حيث أن مساهمته في الناتج الداخلي الخام PIB لم تتجاوز 6% كما أن فرص العمل التي يوفر قليلة وإن كانت الأرقام المحنطة تتحدث منذ عقد من الزمن عن 55000 تكشف مؤخرا أن أغلبها يعود لبحارة السنغال، كما لم يستطع القطاع تثمين منتجاته اللهم ازدهار مصانع دقيق السمك والتي وجدت ضالتها المنشودة فالأسماك متوفرة والتعديات على البيئة آخر ما يمكن أن يهم صناع القرار.

 

مبادرة الشفافية في قطاع الصيد!

بعد تعثر تجربة انضمام موريتانيا لمبادرة الشفافية لقطاع الصناعات الاستخراجية وما رافق تسيير ذلك القطاع من فضائح وتحقيقات دولية، نجد أنفسنا اليوم أمام قفزة للأمام في مجال الصيد، ففي الوقت الذي يُعاني فيه القطاع من الأزمات المتلاحقة، ويعجز أن يحقق نصف ما حققت السنغال وبموارد أقل بكثير، وفي الوقت الذي يفتقد الشباب الموريتاني للمهارة الضرورية للولوج إليه، بينما يتلكأ أصحاب رأس المال عن الاستثمار، ويتمزق النسيج الجمعوي ويعجز عن إدارة انتخابات شفافة، ويعاني صغار المستثمرين، ويغرق الصيد التقليدي في وحل الارتجال، نتفاجأ بأن بلادنا تقود بل تنشئ مبادرة دولية للشفافية في قطاع الصيد، وتمولها بحوالي 300.000.000 أوقية، من أجل الرفع من الشفافية في قطاع الصيد عبر العالم!

 

تُعرف المبادرة نفسها على أنها مبادرة لشفافية الصيد البحري FiTI وهي مبادرة البلدان المشاركة، وهي دولية ولا تركز على بلد أو جهة معينة وتبحث المبادرة عن إنشاء منافسة منصفة بين مختلف البلدان المشاركة في قطاع الصيد البحري، وقد رأت النور بعد أن كانت فكرة تتخمر في رأس بعض الأجانب عندما تبنتها موريتانيا، وهي منظمة غير ربحية تستند لمبدأين أساسين هما الشفافية والمشاركة، وستكون لها جمعية عمومية ومكتب تنفيذي دولي وسكرتيرا دولية وهي لا تختلف عن بقية المبادرات الدولية ولا تأتي بجديد.

 

محاضرات في إندونيسيا

بالرغم من مرور سنتين من انطلاق المبادرة لا زلت في أطوارها الأولى، ولم يتجاوز عدد الدول المتبنية لها أصابع اليد الواحدة، وقد شكل المؤتمر الأخير فرصة لهدر المال لعام وذلك بحجة عرض التجربة الموريتانية لأخوتنا في إندونيسيا!..، ويصعب حقا فهم طبيعة تلك التجربة، فالشفافية غائبة، وموقع الوزارة لا يعطي أية بيانات ذات قيمة، والسياسات تتخذ بدون علم فاعلي القطاع، والمجتمع المدني نسيج رخو فارغ من الداخل ولا يمثل المجتمع،كما أن الاتحاديات مشكوك في تمثيلها لمنتسبي القطاع، وفضائح انتخاباتها ملأت الآفاق، فهل يملك القطاع تجربة تستحق ان تعمم على دول العالم وتنشأ لها المبادرات الدولية وتصرف فيها مئات ملايين الأوقية!

 

يٌصاب المرء بحسرة وغصة وهو يشاهد هدر الطاقات والمال العام، في ترويج الوهم، في حين يُعاني قطاع الصيد من أزمة حادة، ويختنق آلاف الفاعلين دون أن يكترث لمعاناتهم أحد، بينما يطير طاقم الوزارة آلاف الأميال لتنوير وتوجيه مسيري قطاع الصيد البحري في أرخبيل إندونيسيا!

 

إن إطلاق موريتانيا لمبادرة دولية وتحمل أعباء إنشائها، يمكن تفهمه بصعوبة لو أننا نملك حقا تجربة تستحق أن تعرض، لكن عندما نكون عاجزين عن إدارة موارد هائلة، فالأولى ترك زمام المبادرة لمن يستطيع تقديم قصة جديرة بأن تروى ويملك الموارد الكافية للترويج لها، وأخشى ما أخشاه أن نٌنشئ المبادرة ونطرد منها غدا، عندما نعجز عن احترام معاييرها، وتكون القصة التي ستروى حينها عكس التي أردنا العالم أن يٌصدقها.