الأخبار (نواكشوط) – في حي "سوكوجيم ابلاج" بمقاطعة تفرغ زينة بالعاصمة نواكشوط، يقع مبنى روضة أطفال تحمل اسم "النسائم الأربعة". بدأت العمل منذ العام 2012، وهي الآن تدرس الدفعة الرابعة لها منذ انطلاقتها، وتعتمد هذه الروضة التي يتشكل غالبية تلاميذها من الموريتانيين قائمة أعياد مسيحية، في حين تخلو قائمة الأعياد لها لديها من الأعياد الإسلامية أو الوطنية في موريتانيا.
الأسبوع الجاري وزعت إدارة الروضة – والتي تتولى الإشراف عليها مواطنة فرنسية - دعوة على ذوي التلاميذ الدارسين في الروضة للمشاركة في عيد يحمل اسم "عيد الباك"، منبهة إلى أنه سينظم في ساحة الروضة يوم 14 إبريل الجاري، ويبلغ سهم الاشتراك فيه 1500 أوقية لكل تلميذ.
وشكرت إدارة الروضة ذوي التلاميذ على التعاون، وتمنت لهم ذكرى عيد سعيدة.
"عبد بعث المسيح"
ويعتبر "عيد الباك"، أو "عيد بعث المسيح" – والتي تحاشت روضة الأطفال تحديد طبيعته لذوي الأطفال الموريتانيين – أحد الأعياد المسيحية المعروفة، واسمه مشتق من اللغة العبرية "إبيسا"، كما يعرف بـ"الباشا" في اللغة اللاتينية.
ويحتفي المسيحيون به يوم 14 إبريل من كل عام، ويخصص للاحتفاء بذكرى بعث المسيح.
ولليهود عيد يحمل اسما مشابها له، ويطلق عليه "أباك" أو "أباسها" ويخلد ذكرى نزوج الشعب اليهودي من مصر عبر البحر الأحمر، ويخلد اليهود هذا العيد عشية السبت، وخلال الاحتفال يتم القيام بتقليد لعملية الصلب.
ودأب المسيحيون منذ القرن السادس عشر على استخدام كلمة "أباك" بصيغة الجمع من أجل تمييزه عن عيد اليهود بسبب حملهما لنفس الاسم، وتقارب تاريخ تخليدهما.
أعياد مسيحية أخرى..
وتكشف الإعلانات الموجودة داخل المدرسة احتفاءها وتخليدها لعدد من الأعياد المسحية، من بينها "عيد toussaint"، و"عيد halloween"، و"عيد Fete de paques"، و"عيد Fête de meres" وغيرها من الأعياد المسيحية.
ويعتبر "عيد هالوين fête d'halloween" ويسمي أيضا عيد الشيطان، أحد الأعياد الكاثوليكية الغربية، ويقام في الأحد الأول من أكتوبر كل عام، ويعبر عن جمع القديسين، ويقوم على طقوس وضع فوانيس وقراءة قصص رعب، والامتناع عن أكل اللحوم ووضع شموع على القبور.
أما "عيد توسان fête de Toussaint فهو عيد بروتستانتي شرقي، ويخلد يوم الأحد الأول من شهر نوفمبر من كل عام، ويعبر عن الأحد الأول بعد عيد الفصح، وعن محبة المسيح، وتجليه، ونزول روح القدس على تلامذته. حسب الاعتقاد المسيحي.
ومن الأعياد المسيحية التي تحتفل بها الروضة الموجودة في نواكشوط "عيد الأمهات Fête de meres"، ويحتفل به يوم يوم اﻻحد المصادف لليوم الخمسين لعيد الفصح، ويقصد به حلول روح القدس على تلامذة المسيح بعد صعود يسوع بعشرة أيام، وكذا "عيد اﻻباء؛ fête des pères"، ويخلد في الأحد الثالث بعد عيد الأم ويقصد به اعتبار الأبوة بمنطق ديني مسيحي، ويصفونه بـ"الله الوالد"، إضافة لأعياد أخرى عديدة.
تحايل على الترخيص
روضة "النسمات الأربع" والتي يوجد مقرها في مقاطعة تفزع زينة إحدى أرقى مقاطعات نواكشوط، وتعمل بشكل ميداني منذ العام 2012، تحايلت على عدم الترخيص من خلال لافتة وضعت على مدخلها تحمل عبارة: "رخصة" بتاريخ: 12 – 10 – 2011، وتحمل الرقم: (RC 3.261 RA 67.267)، في حين تقول وزارة الشؤون الاجتماعية في موريتانيا للأخبار إنفو إن الروضة غير مرخصة، وإن هذا الرقم هو رقم تسجيل على السجل التجاري، وليس ترخيصا، مؤكدة أن الروضةلم تتخذ الإجراءات المتبعة في الترخيص، وليست موجودة على قاعدة بيانات الرياض المسجلة لدى المصالح المختصة.
"متقبلون هنا كمسيحيين"
مديرة المدرسة "Lopez de lestapis" – وهي مواطنة فرنسية – قالت - في تصريح لصحيفة "الأخبار إنفو" حول مبررات احتفالهم بأعياد مسيحية في بلد مسلم، ولأطفال مسلمين – "نحن نعتقد أننا مقبولون كمسيحيين حتى وإن كنا في بلاد مسلمة، لأننا إن لم نقبل كما نحن، فلن نقبل الإقامة في بلد ما.
إذا أعتقد أننا حينما قبلنا بأن نكون هنا، فلنا الحق في ممارسة شعائرنا، علينا فقط أن نحترم التقاليد التي تشكل أساسا لدى كل بلد، فبما أننا في موريتانيا مثلا، علينا أن نحترمها كبلد إسلامي، وهنا لا ينبغي مثلا أن نمزج بين دينين".
وأضافت "Lopez de lestapis" قائلة: "علينا أن نعرف أيضا أننا هنا في بلد مسلم، وأطفاله مسلمون، ولا ينبغي أن نرغمهم على تعاليم دين آخر غير دينهم، وإنما نحترمه لهم، لأنهم تربوا عليه، وأصبح معتقدا لديهم يجب احترامه لهم، ونفس الأمر أيضا ينطبق في الطرف الآخر على الأطفال المسيحيين"، قائلة نحن في المدرسة "لا ندرس أي دين، وإنما ندرس منهجا تربويا تعليميا، لا أكثر، فنحن نعتقد أن مكان تعليم الأطفال التعاليم الدينية هو المنزل، وليس المدرسة، ثم إن الطفل في النهاية هو الذي سيحدد تلقائيا ما يفضل، كما أن للدولة دورا في تحديد أولويات الأطفال في مجال التعليم".
واعتبرت "Lopez de lestapis" أن الأهم بالنسبة لهم "هو أسس التعليم، وأن يأخذ الأطفال مبادئ التعليم الأولى"، مردفة أنه "بخصوص الدين، أعتقد أنه مهم للأطفال أن يتربوا عليه، ويتعلموا كيف يصلون، ويذهبون إلى المسجد، بل لا بد لهم من تعلم ذلك، نحن لا نعلمهم ذلك لأننا مسيحيون، ولكن لدينا معلمون يدرسونهم ذلك بالعربية".
وأشارت "Lopez de lestapis" إلى أنه "حين ما يأتينا آباء التلاميذ أسألهم عن كيف يرون مستوى تعليم وتربية أبنائهم يرد بعضهم أحيانا بأن هناك نقصا في مادة القرآن، ونرد بأنه من أجل سد تلك الثغرة ينبغي بذل مجهود مضاعف على المستوى الذاتي من خلال تعليم الأطفال بالمنازل، أو بتسجيلهم في مدرسة قرآنية، فنحن لا نريد ملأ ذهن الطفل، أو تقديم تفضيل له بشأن الإسلام أو المسيحية، وأيهما أحسن، وحسب وجهة نظري نحن في النهاية واحد، ونعيش معا وإن اختلف ديننا".
وأشارت "Lopez de lestapis" إلى أنهم "مرة جاءنا تلميذ وعندنا في الدرس الدين الإسلامي، والدين المسيحي، ونعلم التلاميذ بعض المبادئ حول الدينين معا، وحينما عاد إلى أهله أخبرهم أننا كنا ندرسه المسيحية، وحينما جاء ذووه قدمت لهم الكتاب الذي ندرس وفقه، وفيه مبادئ عامة حول الدين الإسلامي، والمسيحية، وأخبرتهم أنني ملزمة بالسير وفق المنهج، وحينما أكون بصدد تقديم دروس لهم حول الإسلام أحدثهم عن الصلاة وعن الذهاب إلى المسجد، وتعليم الوضوء، وشرحت لهم أنني لا أدرسهم الفرق بين الإسلام والمسيحية، وأيهما أفضل، كما شرحت لهم أننا في النهاية واحد والمشترك بيننا أهم مما يفرقنا".
وعن عدد تلاميذ الروضة قالت "Lopez de lestapis" إن لديهم 40 تلميذا، مؤكدة أنهم في الروضة لا يتجاوزون "المرحلة التحضيرية، حيث ندرس خلالها الأطفال في الفترات الصباحية، ومن خلال هذه المرحلة نكتشف قدرات التلاميذ ومستوى تأهيلهم"، مشيرة إلى الدفعة الحالية هي الدفعة الرابعة للروضة منذ العام 2012.
زيارة رسمية
وأشارت مديرة روضة "النسمات الأربع" إلى أن بعض الشخصيات الرسمية الموريتانية تقوم بزيارة الروضة من حين لآخر، مذكرة بزيارة قامت بها إحدى المسؤولات للمدرسة العام الماضي، مؤكدة أنها لا تتذكر اسمها لأنها لم تكن حينها موجودة، وإنما تم استقبالها من قبل مساعدتها وهي فرنسية غادرت إلى فرنسا من العام الماضي، مردفة أن الوزيرة التي زارت الروضة اطلعت على الأوضاع داخلها، كما اطلعت على مناهجنا التعليمية.
وعن الفريق المشرف على الروضة قالت المديرة "Lopez de lestapis" إنه "فريق مختلط من ضمننا جنسيات موريتانية، وإيفوارية، وفرنسية، معنا الآن موريتانية واحدة، من قبل كانت هناك موريتانيات تدرسن معنا، ولكنهن لم يعدن هنا اليوم فقد تزوجن وأصبح لديهن أطفال، ومسؤوليات أخرى، ووجدن مصاعب في المواصلة معنا".
الحكومة: لا ترخيص والقانون سيأخذ مجراه
المستشار الإعلامي لوزيرة الشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة سيدي ولد بياده قال في حديث لصحيفة "الأخبار إنفو" إن فريقا مختصا من الوزارة عاين الروضة – عقب طلب الأخبار توضيحا عنها – واطلع على الوثائق الموجودة لديها، وتأكد أنها غير مرخصة، مردفا أن هناك مواطن موريتاني استصدر قرارا من المحكمة التجارية بسجل تجاري لروضة أطفال، لكن هذا ليس هو الترخيص القانوني.
وأردف ولد بياده أن هذه ليست هي إجراءات ترخيص رياض الأطفال، مؤكدا أن هذه الروضة غير مرخصة قانونيا، ولا وجود لها على قاعدة بيانات الرياض المعترف به.
وشدد ولد بياده أن كل رياض الأطفال تخضع لتفتيش دوري من قبل المصالح المختصة، وينسجم برنامجها التعليمي مع البرنامج التربوي الوطني، مؤكدا أن موريتانيا دولة قانون، وأن القانون سيأخذ مجراه في قضية الروضة غير المرخصة.
فوضى التعليم الخصوصي
ويعرف مجال التعليم فوضى كبيرة في البلاد، وخصوصا التعليم الخاص، حيث تنتشر المدارس الخاصة في مناطق مختلفة من العاصمة نواكشوط، وبدأت خلال السنوات الأخيرة في الزحف نحو الولايات الداخلية، وتعلن الجهات المسؤولة في وزارة التهذيب من حين لآخر عن إغلاق بعضها بسبب عدم توفر الشروط القانونية.
وتعتمد بعض المدارس الخصوصية في نواكشوط مناهج دراسية مختلفة، تبعا للجهة الخصوصية المالكة لها، كما تتجاوز الضوابط القانونية في اختيار المدرسين. حسب عاملين في هذا المجال.