على مدار الساعة

موريتانيا... انتخابات سبتمبر وحسم أسئلة المشهد السياسي

14 أغسطس, 2018 - 16:59
ورقة من إعداد المركز الموريتاني للدراسات والبحوث الإستراتيجية

تنظم موريتانيا فاتح سبتمبر المقبل انتخابات ثلاثية؛ نيابية وجهوية وبلدية ينظر إليها على أنها ستكون محطة فاصلة في تاريخ البلد وأن نتائجها ستكون إجابة على عدد كبير من الأسئلة المتعلقة بمستقبل الحياة السياسية في البلد ليس فقط في أبعادها المؤسسية وإنما المجتمعية أيضا

 

ولئن كان من الصعب القطع  بهذه الأجوبة قبل بروز نتائج هذه الانتخابات –بل وحتى بعدها نظرا لكون ما ستسفر عن هذه الانتخابات سيكون بداية هذه الأجوبة لا نهايتها- إلا أن وقفة مع هذه الانتخابات؛ مميزاتها وظروفها؛ تعين على بلورة السيناريوهات التي ينتظر أن تتحدد على أساسها تأثيرات هذه الانتخابات المستقبلية.

 

مميزات ومستجدات

برزت عدة مستجدات سياسية وقانونية في هذه الانتخابات سيكون لها بلا شك دورها في إعطاء طابع مميز لهذه الانتخابات في نتائجها الانتخابية والسياسية، ومن هذه المستجدات:

1. انتخابات المجالس الجهوية: التي تجرى لأول مرة منذ إقرارها ب"قانون الجهة" الذي صادق عليه البرلمان بداية السنة الحالية، و تجرى الآن بالتزامن مع الانتخابات البلدية والبرلمانية وذلك ما سيجعل لها انعكاسات سياسية وفنية.

 

فمن الناحية السياسية سيؤثر هذا التزامن على قدرة كثير من الأحزاب ولاسيما المعارضة على المشاركة المؤثرة في هذا الاستحقاق نتيجة أوضاعها المادة والبشرية التي لا تسمح لها بالترشيح في ثلاثة انتخابات كبرى تجري في نفس الوقت، ولا أدل على ذلك من كون  الغالبية العظمى من هذه الأحزاب لم ترشح في جميع هذه المجالس الأربعة عشر، وينتظر أن يتجلى ذلك انتخابيا في سيطرة الحزب الحاكم على غالبية هذه المجالس.

 

ومن الناحية الفنية سيضيف وجود هذه اللائحة عبئا على الناخب ولاسيما ضعيفي الوعي والأميين حيث سيكون أمام كل ناخب يوم الاقتراع خمس أوراق تصويت (لائحتي النواب الوطنيتين، ولائحة النواب المحلية، ولائحتي المجلس الجهوي والمجلس البلدي) وسيؤثر ذلك على قدرة اللجنة الانتخابية على تنظيم العملية الانتخابية في آجالها (اضطرت اللجنة في الانتخابات التشريعية والبلدية لسنة 2013 إلى تأجيل الشوط الثاني عن وقته مع أن تلك الانتخابات كانت فيها أربعة اقتراعات فقط والآن ترتفع إلى خمسة)

 

2. انفجار الطموحات السياسية: عرفت هذه الانتخابات ما يمكن وصفه بحمى الترشح من قبل الأشخاص والأحزاب  الصغيرة والتي تجلت في ترشح 97 لائحة لنواب اللائحة الوطنية العشرين، وترشح 94 لائحة لنواب اللائحة الجهوية للعاصمة، ومثلها في ذلك بقية الدوائر التي التي تنتخب وفق النظام النسبي كما هو الحال في  العاصمة الاقتصادية حيث تتنافس 34 لائحة على مقاعد نواب الدائرة الأربعة و في مدينة كيفة ثالث  مدن البلاد  حيث تتنافس 17 لائحة على مقاعد الدائرة الثلاثة

 

ومع أن الانتخابات التشريعية والبلدية الماضية (2013) عرفت حالة من هذا القبيل إلا أن حجمها كان في حدود المعقول خاصة أنها جرت في ظل مقاطعة غالبية أحزاب المعارضة مما فتح الباب أمام الأحزاب الصغيرة للتنافس على شعبيتها، أما الآن فإن طفرة الترشح الشخصي تجري في ظل مشاركة أحزاب المعارضة مما يوحي بعجز الأحزاب السياسية عن احتواء طموح الأفراد وعدم كفاية القوانين المسنونة لتقوية الأحزاب (منع الترشح المستقل، عدم تحديد عتبة انتخابية لا يسمح للأحزاب التي لم تصلها بدخول البرلمان)

 

3. تعدد الواجهات المحسوبة على الحراطين: يشارك في هذا الانتخابات لأول مرة أكثر من طرف محسوب على شريحة الأرقاء السابقين أو الحراطين، فبالإضافة إلى حزب التحالف الشعبي التقدمي بزعامة القيادي التاريخي لحركة تحرير الأرقاء "الحر" مسعود ولد بلخير تشارك هذه المرة حركة إيرا بزعامة الناشط الحقوقي بيرام ولد الداه ولد اعبيد مع حزب الصواب البعثي، كما يشارك في الانتخابات حزب المستقبل الذي يتولى زعامته الفعلية النقابي والسياسي البارز الساموري ولد بي، وإلى جانب هؤلاء هناك أطراف أقل بروزا مثل حزب الرباط الوطني من أجل الحقوق وبناء الأجيال برئاسة الحقوقي السعد ولد لوليد، وبعض المرشحين المقربين من رئيس هيئة الساحل الثقافية الحقوقي براهيم ولد بلال

 

ظروف مصيرية

تجري هذه الانتخابات في ظروف مفصلية في تاريخ البلد السياسي والاجتماعي مما يجعل مجمل نتائجها المباشرة وغير المباشرة مؤشرات دالة  على الاتجاه الذي ستسلكه البلاد في مفترق طرق  الأسئلة السياسية والاجتماعية المتعلقة بالانتقال السلمي للسلطة و طبيعة العقد الاجتماعي بين مكونات المجتمع فضلا عن مكانة التشكيلات السياسية  ودورها المستقبلي

 

فهي تنظم بأقل من سنة قبيل انتخابات رئاسية مصيرية يفترض أن تكون محطة للتناوب السلمي على السلطة لأول مرة في البلد، وفق مقتضيات الدستور التي تمنع الرئيس الحالي من مأمورية ثالثة

 

وبغض النظر عن اضطراب التصريحات التي يطلقها الرئيس ومعاونوه في موضوع  مغادرته الرئيس للسلطة استجابة للنص الدستوري فإن مسألة من سيحل محله هي السؤال الكبير المطروح للقوى السياسية وللمواطن العادي على حد سواء

 

ويبرز هذا السؤال بالنسبة للأغلبية وللمعارضة فبالنسبة للمعارضة يلح سؤال من هو المرشح الذي سيكون قادرا على مواجهة مرشحي السلطة بعد أن منعت مقتضيات الدستور على المرشحين الرئاسيين الأوفر حظا منها الترشح ونعني زعيم حزب التكتل أحمد ولد داداه و زعيم حزب التحالف الشعبي التقدمي مسعود ولد بلخير

 

وأما بالنسبة للأغلبية فيطرح السؤال عن الشخص الذي سيحظى بقبول الدولة العميقة وتقديمه على أنه ممثلها وهل ستتفق الأطراف المشكلة لهذا الكيان على مرشح واحد 

 

كما تأتي هذه الانتخابات في ظرف اشتد فيه بروز الطابع السياسي للمطالب الاجتماعية للمكونات المجتمعية التي عانت من مظالم تاريخية، وفي ظل حضور متصاعد –وإن بطريقة صامتة- للتنافس الجهوي على السلطة، وينضاف هذن العاملان المستجدان إلى الحضور المتجذر للقبلية السياسية مما يهدد الطابع الوطني للممارسة السياسية

 

تساؤلات حاسمة

بناء على ما سبق يمكن القول إن هنالك عدة أسئلة  ينتظر أن تجيب عليها نتائج هذه الانتخابات  وسيكون لها الأثر المحدد في المستقبل السياسي للبلد

1. هل ستحصل المعارضة على أكثر من ثلث المقاعد: تنص المادة 99 من الدستور على أنه "لا يصادق على مشروع مراجعة إلا إذا صوت عليه ثلثا (3/2) أعضاء الجمعية الوطنية" لذلك سيكون حصول المعارضة على أكثر من ثلث النواب مانعا من إمكانية إجراء تعديل دستوري عن طريق الجمعية الوطنية يتضمن بعض أجندات النظام المفترضة (إلغاء المواد التي تمنع المأمورية الثالثة أو تغيير النظام الرئاسي إلى نظام برلماني)

 

2. هل سيحصل الحزب الحاكم على الأغلبية: تشير عدد من المؤشرات إلى أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز أصبح يعطي للحزب الحاكم اهتماما أقوى، منذ أن صار على وشك الخروج من الرئاسة، وهو أمر يمكن ربطه بسهولة بما عبر عنه هو شخصيا من نيته البقاء في الساحة السياسية، وفي هذا الإطار شكل في يناير الماضي لجنة لتطوير الحزب وضعت خطة تقوم على تهيئة الحزب لما بعد 2019 من ضمن بنودها إقرار مكتب سياسي يقود الحزب ويكون من بين أعضائه رئيس الحكومة وهو أمر قد يقرأ على أنه مؤشر على سيناريو الانتقال إلى النظام البرلماني أو تولي ولد عبد العزيز لرئاسة الحزب و منصب الوزير الأول و التحكم من خلالها في الرئيس الذي سختاره لخلافته.

 

وفي نفس الإطار تأتي  التصريحات التي أطلقها ولد عبد العزيز يوم أمس في مدينة امبيكت الأحواش ودعا من خلالها كل من يريد مأمورية ثالثة أو رابعة له إلى التصويت لحزب الاتحاد دون غيره من بقية أحزاب الأغلبية 

 

لذلك فإن حصول حزب الاتحاد منفردا على الأغلبية البرمانية سيكون له تأثير قوي على استمرار تعويل الرئيس عليه في رسم سيناريوهات البقاء المؤثر في الساحة السياسية، كما أن من شأن النتيجة التي سيحصل عليها أن تحدد قوة الحلف المسيطر على هذا الحزب حاليا وقدرته على تمرير مرشحه لخلافة الرئيس  العقيد المتقاعد الشيخ ولد بايه.

 

ويمكن القول إن حصول هذا الحزب على الأغلبية ليس سهلا خاصة إذا استحضرنا أنه بالكاد حصل على هذه الأغلبية في الانتخابات السابقة التي قاطعتها غالبية الأحزاب المعارضة.

 

3. من هو الحزب الذي سيحظى بزعامة المعارضة: يسود داخل أحزاب المعارضة تنافس دائم  على موقع الحزب المعارض الأول، وتظهر أهمية هذه الانتخابات في هذا الصدد في كونها أول محطة برلمانية  تشارك فيها أحزاب المعارضة كافة منذ 12 سنة، أي منذ انتخابات 2006 التي احتل فيها حزب التكتل الموقع الأول،

 

وسيكون لتحديد الحزب الأول نتائج سياسية مختلفة: فإذا حل حزب التكتل في هذه المرتبة فسيعني ذلك أن الحزب لم يتأثر من التقاعد السياسي الإجباري المفروض بقوة الدستور على زعيمه ولد داداه وأنه سيكون رقما في معادلة الانتخابات الرئاسية المقبلة،

 

أما إذا استطاع حزب تواصل المحافظة على هذا الموقع الذي ناله في انتخابات 2013 في ظل مقاطعة زملائه في منسقية المعارضة فسيعني ذلك حصول إسلاميي موريتانيا على المكانة التي يحتلها نظراؤهم في العالم العربي بوصفهم القوة الثانية بعد  الأحزاب التي تقف خلفها قوة الدولة.

 

4. من سيمثل الحراطين: لا تتعلق الإجابة على هذا السؤال فقط بالأحزاب ولا الشخصيات المتنافسة على زعامة هذه المكونة وإنما يتعلق كذلك بتحديد المقاربة والبرنامج الذي سيختاره هؤلاء وسيكون عاكسا لمزاجهم وموقفهم من العلاقة "بالدولة" أو منظومة الحكم القائمة

 

وكما سبق فإن أبرز الأطراف المتنافسة على تمثيل هذه الشريحة هي حزب التحالف بزعامة مسعود ولد بلخير، وحزب المستقبل بزعامة الساموري ولد بي، وحركة إيرا بزعامة بيرام ولد اعبيدي

 

وإذا فاز حزب ولد بلخير بالمرتبة الأولى بين هذه الأحزاب فسيعني ذلك تغلب الأطروحة التي ترى أنه آن الأوان لتخفيف حدة مطالب هذه الشريحة وتقوية تحالفها مع النظام الحاكم

 

أما إذا ذهبت هذه المرتبة إلى ولد بي فيعني ذلك تغلب أطروحة العمل الحركي من خلال إحياء حركة الحر التي يقول ولد الساموري إن تجربة حزب التحالف قضت عليها

 

وأما احتمال ذهاب هذه المرتبة إلى ولد اعبيدي فيعني نجاح أطروحة الخطاب الحقوقي الراديكالي التي تبناها ولد اعبيدي. 

 

ورقة من إعداد المركز الموريتاني للدراسات والبحوث الإستراتيجية