على مدار الساعة

رحيل الحاج فحف.. ثلمة في العلم والزهد والورع

18 يوليو, 2018 - 13:58
محفوظ ولد السالك / صحفي

انطفأ نبراس علم ظل يتقد لعقود خلت، فأنار دروب الظلام في مختلف الأرجاء، وشكل منارة يحج إليها الطلبة من كل حدب وصوب، بث العلم في صدور العديد من الرجال طوال حياته، وخلف إرثا علميا، ينتفع به، ويشهد على أن الراحل مر وهذا الأثر.

 

كان الشيخ الراحل الحاج ولد فحف رمزا علميا وثقافيا، ومنهل ورع وزهد وتقى، ٱثر أن يخلو بنفسه طوال عقود حياته، فتفرغ للعلم وطلبته، وكان مجلسه قرٱنيا بامتياز.

 

ابتغى الله والدار الٱخرة، فأدبر عن الدنيا، وزينتها، ونذر عمره لتعليم الناس شؤون دينهم، فتخرجت أفواج من الطلاب على يديه.

 

وقد جسدت بلدة "اتويمرات" النائية، حيث كان يقيم الراحل، جامعة عصرية بمواصفات عتيقة، ففيها كان الطلاب يدرسون الفقه وأصوله، والنحو وعلومه، والبيان وأضوائه، والبلاغة، والفصاحة.

 

تحنث الحاج الشيخ فحف طويلا في "اتويمرات"، وأدى فريضة الحج على قدميه، ضرب عن السياسة، والساسة، وانشغل بالتعلم والتعليم.

 

يقول عنه خاصته إنه كان قليلا من الليل ما يهجع، وبالأسحار يستغفر، قليل الضحك، كثير البكاء، رطب اللسان من ذكر الله، يتلو القرٱن ويتلى عليه ٱناء الليل وأطراف النهار بلا انقطاع.

 

كان الراحل ٱسر الحديث، وإليه يشد الكثيرون الرحال، حتى من غير طلبة العلم، معه "يؤمنون ساعة"، فكل جلساته كانت علمية، فيها ذكر وتذكر للبعث، والحساب، والقيامة.

 

زهد الشيخ فحف، واسمه الرسمي سيدي محمد ولد السالك ولد فحفو، في الدنيا وما عند الناس، وٱثر الٱخرة، فأحبه الناس، ابتعد عن الأضواء، فأضاء له العلم كل العتمات، وامتلك به قلوب وأفئدة العالمين، وجاءه الطلاب من خارج موريتانيا.

 

كان الحاج سفرا من أسفار العلم في موريتانيا، وعلما من أعلامها، كان مدرسة في التربية و"إحياء الدين"، أبان وبين، ووجد راحته في نشاطه العلمي، ولم يتقاعد حتى رحل عن الحياة الدنيا.

 

عاش قرنا وعقدا من الزمن، لم يفنيهما في غير العلم والعطاء، كان معطاء، فلم يكتم علمه، ولم يسلك طريقا إلا فاح منها أريج الزهد، والورع.

 

ظل يعلم الناس إلى أن رحل بهدوء عن دنيا لم يكن يصيبها، ستبكي رحيله الدروس، والمحظرة، والطلاب، وسيبكيه العلم، والزهد في الدنيا، عمر طويلا، وبث علما كثيرا، وصل كل الأصقاع.

 

انهد صرح العلم في موريتانيا برحيل الحاج فحف، وطويت صفحة، كما ووريت حقبة عنوانها العلم، وصفتها التواضع، وميزتها الزهد.

 

لم يركن الراحل إلى الدنيا، فقد عاش فيها كالغريب، أو عابر السبيل، وعاش كل لحظة كأنها الأخيرة من عمره، كان الله غايته، أحب الله، فأحبه الله بأن لم يجعل قلبه معلقا بما هو زائل.

 

سيظل الإشعاع المعرفي والعلمي للعالم الراحل، الحاج فحف باقيا بعد رحيله، وستظل محظرته تستقبل الطلاب من كل مكان، فقد خلف من العلم ما يستحق أن تضرب له أكباد الإبل.

 

وبرحيل الحاج لمرابط فحف تكون المحظرة الموريتانية قد ثكلت أحد أعلامها، وموريتانيا قد فقدت أحد علمائها الربانيين، العاملين بما علموا، المنشغلين بتعليم الناس وحسب.

 

عاش بسيطا على أديم البسيطة، كان زاده طوال قرن وعقد علم ينفع الناس ويمكث في الأرض، لم يرد علوا ولا فسادا، ورضي من الحياة بالعيش بعيدا عن الأنظار.

 

لقد شكل رحيله ثلمة في الدين، والعلم، والزهد، والورع، والتقى، ستبكيه المحابر، والمساجد، وستجف مٱقي "اتويمرات" وقد فقدت بدرها، ونورها الساطع.

 

لقد جسد الشيخ الراحل التواضع في أبهى صوره، والورع في أحسن تجلياته، كان لا يقول إلا خيرا أو صمت، سيذكره الجميع بالخير، له من الله الرحمة والمغفرة، ولنا ولذويه الصبر والسلوان.