على مدار الساعة

الترشيح بين المثالية والواقعية:

17 يوليو, 2018 - 10:38
الأستاذ / سيد محمد ابيطات

لا شك أن العمل السياسي ميدان فسيح لتباين الآراء واختلافها؛ بل لتضاربها وتناقضها؛ ذلك أنه عمل يخضع للتقدير والاجتهاد؛ والموازنة بين أمور تتداخل فيها المصالح والمفاسد؛ ويمتزج فيها الصالح بالطالح امتزاج النهر العذب بالبحر المالح؛ مما يجعل القرار السياسي مسألة دقيقة وحساسة؛ إذ ليس هذا القرار مجرد اختيار بين مصلحة ومفسدة؛ وإنما هو تغليب لكبرى المصلحتين بتفويت أدناهما؛ أو ارتكاب ﻷخف الضررين بتجنب أعلاهما.

 

من هنا يبرز خطان في التعامل مع مرشحي الأحزاب السياسية المبدئية:

- الخط الأول: يرى أصحابه ضرورة التمسك بالمبادئ في تقويم المرشحين؛ واشتراط رصيد من النضال الحزبي والسياسي في مقارعة الأنظمة المستبدة للمرشحين؛ وتقديم أصحاب السبق في "الإنفاق قبل الفتح" على الوافدين الجدد الساعين إلى تحقيق مآرب شخصية أو قبلية أو خصومية... الذين يؤمنون بقاعدة "رحم الله من زار وطار".

 

ويعتبر هذا الطرح أن احتضان أمثال هؤلاء يميع الفكرة المبدئية التي تأسست عليها الأحزاب ذات المرجعية الأيديولوجية؛ وتحطم الفوارق بينها وبين الأحزاب "المائعة" التي لا تؤمن بمبدإ ولا تنتهج خطا سياسيا غير إثبات الوجود عبر أي سبيل.

 

- الخط الثاني: يرى أصحابه ضرورة التكيف مع الظروف؛ ومعرفة "من نحن" حتى نعرف "ما نستطيع".

 

وتقوم هذه المقاربة على أن السياسة هي فعل الممكن لا التعلق بالمأمول؛ وأن ما لا يدرك كله لا يترك كله؛ وأن تقوقع الأحزاب على نفسها دون انفتاح على المجتمع يؤدي إلى عزلها وبقائها خارج دائرة التدافع التي جاءت من أجلها؛ بل قد يؤدي ذلك إلى موتها وتحييدها عن معادلة التأثر والتأثير.

 

ولعل الرأي السديد في هذا الموضوع أن الأخذ بأحد الرأيين على الإطلاق مجانب للصواب؛ فاعتماد المبدئية والنضال والانتماء الحزبي معيارا وحيدا للترشح يفقد العمل الحزبي قيمته التأثيرية؛ ويضيع فرصا حقيقية لو أحسن استغلالها لعادت بخير كثير في هذا الإطار؛ كما أن فتح الباب على مصراعيه لاستقبال كل راغب في الترشيح دون اعتماد محددات أو ضوابط تسلب الحزب حقيقته ومعناه؛ وتحول المبدئية إلى قيمة عبثية نظرية غير قابلة للتطبيق.

 

فالصواب أن الوافدين الراغبين في الترشح لا ينبغي أن يكونوا سواسية في الحكم والتعامل؛ فمنهم المقبول ومنهم المرفوض؛ وسابقتهم في الأحزاب الأخرى ليست جريمة تختم على أعمالهم وتمنع التعامل معهم؛ والنصوص الشرعية والنظر العقلي والطرح السياسي والشواهد الواقعية تؤكد ذلك؛ فإذا اقتضت اللحظة إمكانية الاستفادة من ترشيحهم وتحقيق جملة من المصالح بهم ما كانت لتحقق دونهم مع توفرهم على شروط قبول أولية - ليس منها الانتماء الحزبي المسبق - فالإعراض عنهم حينئذ غباوة سياسية؛ ومثالية لا تمت إلى السياسة بصلة؛ وعلى صاحبها مراجعة حساباته والتأمل في منهجه.

 

كما أن التعلق بالقوة السياسية لكل من هب ودب دون وضع معايير مسبقة تضبط الأمر انتحار سياسي يعود بأصحابه إلى الطفولة السياسية وهدم كل ما سبق تشييده من بنيان.