على مدار الساعة

وكالة دعد

21 مارس, 2018 - 13:26
محمد عبد الله ولد لحبيب

أهيم بدعدٍ ما حييتُ وإن أمُت *** أوكلْ بدعد من يهيمُ بها بعدي

عِيبَ هذا البيت على شاعر ظلمه التاريخ، وعبست الحياة في وجهه بسبب لون بشرته، أو هكذا زعم. وقد افترَّ ثغرُها بعدُ عن نصف ابتسامة.كان نصيب بن رباح صاحب أحزان متوارثة، متوارية في إهابه الأسود.

 

أحب دعده، وربما تكون التي كنى عن حبه الخافت. سأله عبد العزيز بن مروان عن حب محروم ما بقي منه؟ فقال: عقابيل حزن.

 

أثارت عقابيل حزنه المكتومة في بيت الوكالة نقد المتلقين من عبد الملك بن مروان، وكان خليفة، إلى جرثومة الحسن والفتوة سكينة بنت الحسين رضي الله عنها. كانت سكينة بَرْزَةٌ ينشدها الشعراء وتجيزهم وتنقد الشعر، وهي مقدمة تفتي في فنون الغزل. ترفع أحكامها النقدية وتخفض، وآل البيت مقدمون في النفوس كل زمان وإن غيل حظهم في الرياسة.

 

لم يزدهم بِعادُ أميةَ وغضُّهم إلا رفعة في القلوب، حتى قال الفرزدق في علي بن الحسين ما قال: هذا الذي تعرف البطحاء وطأته. وما زال أبو فراس عندي شيئا مذكورا من يومها، إلى أن ألقاه وقد كرع في الحوض، وإنها لتشفع له، رحمه الله.

 

لم تفلح حجج نصيب في الدفاع عن بيته، وما أظنه أحار جوابا، وهو يواري عقابيل حزن حبه. لقد كان حظه من تلك المحبوبة أن يوكل بها، وهو لا يزال يتنفس الهواء الذي تتنفسه. اختار أن يقول إن الوكالة ستكون بعد الموت تيئيسا للوعته. ولم تَنْجَل عماية ذلك الحب، وقد مزجت بأمشاج أحزان اللون، والضعة، والترفع.

 

عاش نصيب حتى رأى الخليفة عبد الملك بن مروان يتصرف في بيته، ويدعو ألا تصلح دعد لخليل بعده. أوَ كانت دعدك كذلك يا أبا الوليد؟ رحمك الله. لقد وكلت بدعدك ابنك الوليد، ووكلت بها بعد الوليد سليمان، أفَتَسْتَكْثِرُ على نصيب تمنيَ الوكالة؟!

 

دار الزمان وغير السلاطين نظرتهم إلى نُصيب ودعده، وهيامه، ووكالته، تقلبوا في التوكيل على الهُيام بالمحبوبات. أصبحت الدُّعُود دُولةً بين الهائمين، حتى لقد خشينا أن توكل هيام يونس بكل "طفلة عربية" تنعم بالديباج والحل والحلل.

 

لم ينصف النقدة في المنكب الأغبر شيوخ الشعر الهندي وهم يبحثون عن وكيل لدعدهم. والحق أنهم لا يستحقون النصفة؛ فهم لا يبحثون عن وكيل كامل. يريدون نصف وكيل، أو ربعه، عشره.. يبحثون عن حاجز شفاف يواصلون من وراء ستوره هيامهم.

 

لحد الآن لم يجدوا ذلك الساتر، وما أظنه يوجد. لم يَدُرْ كرسي دعد بأحد إلا استجد في ذهنه أمر. كان الرئيس المدني المنتخب، الأول، رحم الله أيامه الأقرب إلى صفة الوكيل، لو كان وكيل للهيام. جاءته الرئاسة، وهو ينظم لنفسه خرز مجلس الشيوخ، أو اللجنة المستقلة، وقد أحسن الله خاتمته السياسية، ورفض العمل بصلاحيات الوكيل. كان أعقل من أن يستمر بقبول الوكالة، وكان الموكلون أحزم من أن يجعلوا منه هائما حقيقيا.

عاقبة حيرة نُصْيب المنكب جعلته مؤرجحا بين "التوكيل" و"التحليل"، وفي كلتيهما سيدور كرسي دعد سقى الله ثراها، فينقلب الوكيل إلى هائم، والمحلل إلى "ولد سيد شغال". وكيل الغد سيعرف كيف يتجنب حبالة وكيل الأمس، والمحلل يمكنه الانقلاب إلى "مكنطط" (لم أعرف كيف أعرب الكنططة، وما وجدت وصفا لحالة نصيب أبلغ منها) ونربح نحن من كل بحث عن إمام عادل "عادل إمام" بارعا في صوغ النكت غير المضحكة، عن التنمية والعدالة والديمقراطية، خبيرا بتمثيل أدوار الزعماء، والمصلحين و"الإرهابيين".

 

ما زالت يدي على طرف القبعة منذ زمن أنتظر مغادرة الرئيس محمد ولد عبد العزيز القصرَ من البوابة. سيغادر، والأرجح أنه لن يعود. لا أحد يقبل الشراكة في دعد، والأحسن هو البحث عن هائم وَفِيٍ لا يرغم دعدا على شتم نصيب، فهي شتامة لمن ولَّتْ أيام هيامه وإن كان عزيزا أيام الوصل، مُمَدَّحا. ومن شأن بعولة الدعود إرغامهن على شتم العشاق. تلك إفادة كثير، وهو معاصر لنصيب.

 

وطيُّ الصدر على عقابيل الحزن أرخص ثمنا من التقلب في غياهب الحب السجين. هذه نصيحتي قبل أن أعدل وضع القبعة في انتظار مغادر جديد. فمن يوصلها إلى نصيب؟

 

هذه الزاوية برعاية الصديق أحمدو ولد الغزالي.

 

 

عمود "قليل من كثير" للكاتب في صحيفة الأخبار إنفو الأسبوعية