على مدار الساعة

معالم الصراع على "تركة" الرجل "المغادر"

21 مارس, 2018 - 00:54

إصلاح "يخفي" تنافسا بين الفريق والعقيد

الأخبار (نواكشوط) – دخلت موريتانيا في الأيام الأولى من العام 2018 مرحلة السباق الانتخابي متعدد المضامير، من مضمار المجالس المحلية المستحدث، إلى المضمار البلدي والتشريعي، وانتهاء بالمضمار الرئيس الذي استحوذ على اهتمام المتابعين، وظهر في خطابات وتحركات وتعاطي السياسيين، وكانت حاضرة في الحراك السياسي الذي عرفه الحزب الحاكم خلال الأسابيع الأخيرة، تحت إشراف لجنة خاصة شكلها الرئيس محمد ولد عبد العزيز وعهد إليها بتشخيص واقع حزب الاتحاد من أجل الجمهورية وتفعيل هيئاته.

 

ومع أن الحديث عن "وارث" لـ"تركة" الرجل الذي أكد في أكثر من خرجة إعلامية مغادرته للسلطة مع نهاية مأمورية الثانية، وعززها بخلاصة يشترك معه فيها الكثير من السياسيين الموريتانيين موالاة ومعارضة، وهي أن الغموض سيظل قائما حول هذه النقطة، رغم أن هذا الحديث بدأ منذ سنتين، إلا أن دائرة المتنافسين الرئيسيين على هذه الإرث بدأت تضييق مع الوقت، ويكاد التداول الآن ينحصر في صفوف أنصار ولد عبد العزيز على اسمين بصفتهما مرشحين لهذا "الإرث"، وهما الفريق قائد أركان الجيوش محمد ولد الغزواني، والعقيد المتقاعد الشيخ ولد باي.

 

وكان النقاش حول "وارث" السلطة من ولد عبد العزيز يعود مع كل حديث حول المأمورية، غير أن النقاش تركز خلال الأسابيع الأخيرة حول الرجلين المنتمين للمؤسسة العسكرية، والمرتبطين بعلاقات خاصة مع ولد عبد العزيز، وظهرت إشارات هناك وهناك تحمل مواقف تنحاز لأحدهما في الدائرة المؤثرة في الفعل السياسي في البلاد، فيما يفضل بعد الفاعلين التمسك بـ"أمل" التمديد لولد عبد العزيز رغم أحاديثه المتكررة الرافضة لذلك، والمؤكدة على احترام الدستور.

 

ويمتلك كل من الرجلين نقاط دفع لنيل ثقة ولد عبد العزيز ومساندته خلال الانتخابات الرئاسية التي ينتظر أن تنظم منتصف 2019، مصحوبة بنقاط ضعف، وعقبات قد تقف حجر عثرة في سبيل وصوله إلى بؤرة القرار الموريتاني في القصر الرمادي بنواكشوط.

 

غموض.. و"رسائل" متضاربة

ولا يشوش على الساعين لمناصرة الرجلين للوصول لأعلى منصب في البلاد سوى الغموض الذي يلف ما يصفونه بـ"الموقف" النهائي للرئيس ولد عبد العزيز من مرحلة 2019، وذلك في ظل الرسائل المتضاربة التي يبعث بها من حين لآخر، والتي يحرص من خلالها على البقاء في دائرة من الضبابية لا ينجلي جزء منها إلا ليعاود الغموض من جديد.

 

وقد حافظ على هذا المسار طيلة السنوات الأخيرة، حيث توالت تصريحاته حول احترامه للمواد الدستورية المحصنة، والمتعلقة بعدد المأموريات، مع رسائل أخرى تتحدث عن "مواصلة النهج"، أو "البقاء مع الجماهير"، و"متابعة أوضاع البلاد بدافع المواطنة"، أو "منع المفسدين والماضي من العودة لحكم البلاد بعد أن جربه الشعب".

 

وكان آخر هذه التصريحات حديثه – المفاجئ – خلال حفل افتتاح الأيام التشاورية لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية الجمعة الماضي في قصر المؤتمرات، حيث حضر في اللحظات الأخيرة من الحفل، وقدم مداخلة تحدث عن مواصلة النهج، ودعا الجماهير للمشاركة في المسار باندفاعية، مؤكدا أنه سيبقى معهم.

 

وجاءت هذه الخرجة الإعلامية بعيد مقابلته مع صحيفة "جون آفريك"، والتي تحدث فيها – بصراحة – مؤكدا أنه لن يمس المادة المتعلقة بعدد المأموريات، متحدثا عن مساندته لأحد المرشحين من مجموع المواطنين الموريتانيين الذين سيتسابقون في مضمار السباق نحو القصر الرئاسي.

 

ولم تشر وسائل الإعلام الرسمية في موريتانيا إلى مقابلة "جون آفريك" بأي كلمة، خلافا لمقابلات سابقة مع صحف أجنبية (لوبنيون الفرنسية يوم 01 – 06 – 2016،  فيناسيال آفريك يوم 08 – 06 - 2016)، فيما غطت خرجته الإعلامية خلال افتتاح الأيام التشاورية للحزب الحاكم بقصر المؤتمرات.

 

ثقة.. ورفقة ثلاثة عقود..

من أبرز الأسماء التي يتم تداولها منذ فترة لخلافة الرئيس ولد عبد العزيز بعد انتهاء مأموريته الثانية منتصف 2019، وذلك لما يربطه هو ولد عبد العزيز من علاقة خاصة، وثقة متبادلة، وعمل مشترك طيلة العقود الثلاثة الماضية، وهو ما تحدث عنه ولد عبد العزيز خلال مقابلته الأخيرة، حيث وصف علاقته بأنها "علاقات ممتازة وتزيد على ثلاثين سنة"، مؤكدة ثقته به.

 

ومن أبرز نقاط القوة لدى ولد الغزواني – فضلا عن صداقته لولد عبد العزيز – مشاركته نفس المسار طيلة السنوات الماضية، والمشاركة في تنفيذ عدة محطات من تاريخ البلاد، منها انقلابي 2005، و2008، فضلا عن انتمائه لمنطقة ذات ثقل شعبي كبير.

 

كما يتحدث أنصار ولد الغزواني أن الأقدر عن ضمان استمرار ما يصفونه بالنهج المشترك بين الرجلين، وهو ما أشار له ولد عبد العزيز خلال خرجة قصر المؤتمرات، فضلا عن تمتعه بقبول داخل الجيش ولدى الجمهور، مما يستهل عملية وصوله للسلطة بعيد انتهاء مأمورية رفيق سلاحه.

 

كما أن وصول ولد الغزواني للحكم سيعني استمرار المؤسسة العسكرية في الحكم عبر أحد أطول قادتها ثباتا في منصب قائد الأركان، وهو ما سيضمن ولاء هذه المؤسسة للحكم الجديد، فضلا عن استمرار نفوذه، وفاعليته في الحياة العامة لموريتانيا.

 

كما فهمت الترقيات الأخيرة في الجيش كرسالة "ثقة" وترتيب في مضمار توريث الحكم لقائد الأركان بعيد تقاعده قبيل نهاية العام الجاري.

 

ولعل من نقاط قوة قائد أركان الجيوش علاقاته الإقليمية والدولية، وبالأخص في الدول ذات التأثير المباشر في الملفات الموريتانية، وقد فسر تصريح السفير الفرنسي في نواكشوط جويل مايير الأسبوع الماضي حول ثقتهم في مواصلة خليفة ولد عبد العزيز لمسيرته في مكافحة الإرهاب بأنها إشارة واضحة له، وهو ما رد عليه – بتشنج – رئيس الحزب الحاكم سيدي محمد ولد محم، وألمح إلى أنه "تدخل في الشؤون الداخلية لموريتانيا"، مؤكدا أن ذلك العصر ولى.

 

عقبات في طريقه

فيما تقف عقبات في مسار الرجل نحو القصر الرئاسي، أبرزها حجم التحول الذي سيتركه وصوله للسلطة، في لعبة المحاور الجهوية ذات التأثير في عمق القرار الموريتاني، حيث سيشكل انتقال رأس السلطة إلى منطقة ذات ثقل شعبي وحضور قوي في المؤسسة العسكرية شركا قد لا تخرج منه، وتحقيقا لطموح قد يتحول إلى مكسب يصعب انتزاعه.

 

كما أن خيار التمديد له في الجيش بما يحرمه من الترشح يبقى خيارا قائما، يمكن أن يتحول إلى عقبة في أي لحظة، في حال رجح خيار العقيد على خيار الفريق، أو انتصب خيار ثالث خارجهما،

 

العقيد رجل المهمات الخاصة

وفي مقابل خيار "توريث" قائد أركان الجيش، يبرز خيار ترشيخ العقيد المتقاعد، ورجل المهمات الصعبة الشيخ ولد بايه، الصديق الشخصي للرئيس محمد ولد عبد العزيز، وصاحب النفوذ المتزايد في كل الملفات الكبيرة، وآخرها الملف السياسي الذي شكل الشخصية الأهم فيه خلال مداولات إصلاح الحزب الحاكم الجارية.

 

ترجح ملف عمدة بلدية الزويرات – رفيق صحراء تيرس – مرجحات كثيرة، وترفده نقاط قوة عديدة فيما تقعد به نقاط ضعف قد تحرمه من دخول القصر الرئاسي.

 

ومن أبرز نقاط قوة الرجل الممسك بملف الصيد الموريتاني نوعية علاقته بالرئيس ولد عبد العزيز، حيث تنحو علاقتهما نحو العلاقة العائلية، ولا حدود لدرجة الائتمان بينهما. حسب مقربين من ولد باي.

 

كما أن ولد عبد العزيز يشكل الرافعة الأساسية لولد باي في كل المكاسب التي حققها منذ توليه مندوبية الرقابة البحرية التي عاد منها بالمليارات على الخزينة العامة لموريتانية وعلى جيبه الخاص كما اعترف بذلك خلال أحد خطابات حملته البلدية 2013، وعبر عن ذلك بأنه "امتلأ هو وامتلأت موريتانيا".

 

وبعيد تقاعده استلم ولد باي ملف الصيد الموريتاني، وترأس وفد المفاوضات مع الاتحاد الأوربي، وفاخر بأنه انتزع للبلاد مكاسب جمة من الأوربيين، فيما انتقد عدد من النواب من بينهم القاسم ولد بلال حجم نفوذه في القطاع، واعتبر أنه الوزير الفعلي، وتحدى الوزير أن يحضر معه ولد باي في استجواباته أمام البرلمان.

 

وقد خولته فاعليته في مجال الصيد بربط علاقات دولية معتبرة مع أطراف دولية فاعلة في المجال الاقتصادي، ولها ارتباطات قوية إقليمية ودولية، وكان لأسبانيا والاتحاد الأوربي نصيب الأسد من هذه العلاقات.

 

مجال آخر دخله ولد بايه بقوة، وهو المجال الأمني، حيث يملك إحدى أكثر الشركات الأمنية الخصوصية انتشارا وكثرة عقود مع المؤسسات العمومية والخصوصية في البلاد وهي شركة الأمن الخصوصي المعروفة بـ" MSP"، وتم ترخيصها الأولى في العام 2009.

 

ومن الملفات التي دخلها الرجل بقوة المجال السياسي، حيث تولى رئاسة رابطة العمد الموريتانيين، ونجح في انتزاع العديد من المكاسب لها خلال السنتين الأخيرتين، كما ظهر كأقوى شخصية في اللجنة الخاصة التي شكلها ولد عبد العزيز عقب عودته من عطلته – مع ولد باي  - في أعماق صحراء تيرس الزمور، وكان حلقة الوصل بين اللجنة وقيادة الحزب الحاكم.

 

ويتيح وصوله للقصر الرمادي للرئيس ولد عبد العزيز البقاء في موقع الحاضر في التفاصيل بحكم نوعية العلاقات بينهما، وقد يضمن ذلك بالبقاء في رئاسة الحزب الحاكم، أو الاقتراب أكثر لمنصب الوزير الأول.

 

ولا يمكن تجاهل "سابقة" ولد باي في المؤسسة العسكرية، وهو ما قد يحميه من مناهضة هذه المؤسسة له عبر وسائلها الناعمة أثناء ركضه في مضمار السباق.

 

نقاط ضعف عديدة

 وكما يتمتع ولد باي بنقاط قوة يمكن أن تدفعه إلى كرسي الرئاسي، فإن له نقاط ضعف قد تحرمه من "إرث" كرسي صديقه، ولعل من أبزر هذه النقاط ضعف علاقته داخل المؤسسة العسكرية، حيث تقتصر علاقاته داخله على جيله الذي تقاعد غالبيته، أو على الرئيس ولد عبد العزيز الذي خرج من الجيش منذ سنوات.

 

ولا يمكن تجاهل صعوبة تسويقه لضعف شعبيته الجماهيرية، حيث احتاج لشوط ثان لحسم السباق على بلدية الزويرات التي ينتمي لها، كما أن ولايته ذات كثافة سكانية قليلة مقارنة مع بقية الولايات، وهو ما سيجعل الرهان على نجاحه صعبا، إن لم يكن مستحيلا.

 

انقسام سياسي

تقدم "اسم" الرجلين أشواطا على بقية المرشحين لخلافة الرجل خلف انقساما داخل الطيف السياسي الموالي، حيث حسم بعضهم أمره داعما لهذا الطرف أو ذاك، بينما جثم التردد على آخرين، في انتظار اتضاح الصورة أكثر خلال الأشهر القادمة.

 

وكان رئيس الحزب الحاكم سيدي محمد ولد محم من أبزر السياسيين الذي أرسلوا إشارات واضحة عن دعمهم للعقيد المتقاعد الشيخ ولد باي، وفي ذات السياق جاء الرد على تصريحات السفير الفرنسي وممثل الاتحاد الأوربي في خرجتهما الأسبوع الماضي.

 

وهي خطوة رد عليها ولد باي بدعم ولد محم، والدفاع عنه خلال اجتماعات جلسات اللجنة الخاصة لتشخيص واقع الحزب الحاكم وتفعيل هيئاته، حيث كان ولد باي بالمرصاد لكل من يتهجم على أداء الحزب الحاكم أو ينتقد أداء قيادته.

 

كما تحدث ولد محم باقتضاب عن المقاربة الأمنية في خطابه في افتتاح الأيام التشاورية لحزبه، حيث لم يتجاوز ما خصصه له 22 كلمة من أصل كلمته التي قاربت ألف كلمة.

 

وفي مقابل رئيس الحزب الحاكم يقف على الضفة الأخرى الوزير الأول يحي ولد حدمين، حيث وصل الخلاف بينهما إلى أعلى مراتبه، وتجاوز الخلاف ولد محم إلى ولد باي، غير أن ولد حدمين لم يعلن أي موقف شخصي إلى الآن من الملف الذي يأخذ اهتماما متزايدا في صفوف الأغلبية.

 

وكان المكلف مهمة سابقا في الرئاسة محمد الشيخ ولد سيدي محمد الأكثر صراحة في دعم ترشيح ولد الغزواني للرئاسة، وكتبت سلسة مقالات في ذلك كان أحدهما قبل إقالته من منصبه في الرئاسة.

 

مخاض غير مسبوق

ويأتي الحراك السياسي داخل الأغلبية تحضيرا لمرحلة غير مسبوقة في التاريخ الموريتاني وفقا للدستور الموريتاني، حيث ينص الدستور في مواده المحصنة على انتخاب رئيس جديد للبلاد منتصف 2019 مع انتهاء المأمورية الثانية والأخيرة للرئيس محمد ولد عبد العزيز.

 

ويأتي الاستحقاق الرئاسي تتويجا لمسار من الاستحقاقات الانتخابية من المجالس الجهوية المستحدثة إلى المجالس البلدية، وانتخابات أعضاء البرلمان، وقد دخلت موريتانيا عمليا التحضير لمسار هذه الاستحقاقات التي ينتظز أن تختم برئيس جديد للبلاد، سيكون أول رئيس منتخب يستلم السلطة من رئيس منتخب.